قصة الأسد والفأر
في غابةٍ كبيرة كثيفة الأغصان والأشجار ويعمها الهدوء والسّلام تحتَ حكم ملك الغابة الأسد، الذي عُرف عنه القوّة والبأس بحقّ كلّ من يرتكب خطأ في مملكته، جرت هنا أحداث قصة الأسد والفأر، وهي من القصص التي تسطر أجمل العبر والعظات، في يومٍ من الأيام بعد أن تعب الأسد بمطاردة فريسته واستمتع بوجبة غدائه الدسمة، ذهب ليستلقي في ظل بعض الأشجار مستمتعًا بالهدوء وزقزقة العصافير، وأثناء تلك القيلولة الهادئة لملك الغابة، إذ به يستيقظ فجأة على فأر يقع عليه من الشجرة، فيزأر غاضبًا ليرى من أقلق راحته وقطع عليه لحظات هدوئه.
نظر الأسد يمنةً ويسرةً متفحّصًا المكان حوله ليجد فأرًا قد ارتعدت فرائصه من الخوف وأصبح غير قادر على الحراك، فلمعت براثن الأسد والفأر لايجد ملجأً من غضب الملك إلا توسلاته والدعاء له بطول العمر، أمسك الأسد ذيل الفأر مزمجرًا وهو يصيح به كيف تجرؤ على إقلاق راحتي والعبث بطمأنينتي، ألم تجد مكانًا غير هذا لتعبث وتلهو به والغابة فسيحةٌ أمام ناظريك، وبرزت مخالب الأسد والفأر يصرخ مستنجدًا ويناشده بأن يدعه يرجع لعائلته، فقال الفأر للأسد: أيها الأسد العظيم أنت ملك الغابة وأنا فأر صغير لن أسد جوعك بحجمي الصغير، وسيتحدث غدًا أهل الغابة أن الأسد والفأر كانا خصمَيْن متنافسَيْن، وهذا لا يليق بسمعة ملك عظيم مثلك.
فردّ الأسد مستهزئًا بالفأر: ولماذا أتركك وأنت أيقظتني وكنت سعيدًا بغفوتي، فأجابه الفأر: قد تحتاجني في يوم ما وعندها سألبّيك، فصرخ الأسد بوجه الفأر قائلًا له: كيف تجرُؤ على قول هذا، فكيف سيحتاج ملك الغابة وسيد الوحوش لفأر ضعيف مثلك، ألا تعرف أن قوة الأسد والفأر بضعفه لا يتقارنان، فعاد الفأر لطلب الرحمة من الأسد وهو يقول له: سوف تحتاج يا سيدي ضعفي في يومٍ ما، وما عليك إلا أن تزأر وعندها سآتي لألبّيك وأنجدك يا سيدي، فرمى الأسد الفأر بعيدًا وقال له: اذهب وسنرى كيف سيحتاجك سيد الوحوش وملك الغابة.
انطلقَ الفأر سعيدًا شاكرًا للأسد عطفه وهو يعده أنه سيأتي يومًا ليمد له يد العون، وبعد أيّام قليلة إذ بالأسد يقع أسيرًا في شباك الصياد، فزأر الأسد ألمًا وحزنًا؛ لأنه سيكون صيدًا لذاك الإنسان، فخافت الحيوانات جميعًا من زأير الأسد وابتعدت، أما الفأر ركض سريعًا باتجاه شباك الصياد، فنعتته الحيوانات بالجنون لاقترابه من شَرَك الإنسان، فقال لهم: هناك عهدٌ بين الأسد والفأر، وأنا لا أخلف العهد فأنا ذاهبٌ لأخلص جلالة الملك.
انقضَّ الفأر بأسنانه الصغيرة على شباك الصياد فوجدها قاسية وقوية، ولكنه لم يفقد الأمل بل ضاعف جهده وتعبه بقرض هذه الشباك إلى أن استطاع تحرير الأسد، فشكره الأسد، وقال له ممتنًّا: حقًا الأسد بقوّته والفأر بضعفه سيبقَيَان أصدقاء للأبد، فمهما بلغت قوة الشخص سيبقى باحتياج الأشخاص الآخرين وإن كانوا ضعفاء.