محتويات
قصة أصل الحجر الأسود
ذُكِر في كتب العديد من أهل العلم أنّ أصل الحجر الأسود ليس من الأرض، وإنَّما هو حجرٌ من الجنَّة، أنزله الله -تعالى- إلى الارض، وكان عند نزوله شديد بياض اللَّون أكثر من بياض اللَّبن، ولكنَّه اسودَّ من شدَّة ما اقترف بنو آدم من الذُّنوب والخطايا، وهذا الحجر شديد البركة لكونه من السَّماء.[١]
قصة سرقة الحجر الأسود
كانت تسكن مكَّة في عهد إبراهيم -عليه السّلَام- قبيلة تسمَّى جرهم، وقد ظلَّت في مكَّة مدَّةً ليست باليسيرة، ثمَّ جاء بنو خزاعة واستقرُّوا في مكَّة وقاموا بطرد قوم جرهم، وعندما أُخرجوا منها قام رجلٌ يُقال له عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بسرقة الحجر الأسود ودفنه في بئر ماء زمزم، ثمَّ غادروا مكَّة.[٢]
وقد شاهدت ذلك الأمر امرأةٌ من خزاعة، فأسرعت لإخبار قومها بما رأت، وقاموا بإخراج الحجر الأسود وإعادته إلى مكانه،[٢] وقد روي أنَّ هذه المرأة اشترطت على قوم مضر قبل إخبارهها لهم مكانه أن تكون ولاية مكَّة لقومها بنو خزاعة، ووافقوا على ذلك.[٣]
وفي رواياتٍ أخرى وردت في كتب السِّيرة أنَّ قصياً حين نزل مكَّة عمد إلى المرأة التي رأت مكان الحجر الأسود وسألها عنه، فأخبرتهم أنَّها رأت الجرهميين عندما غادروا مكَّة وسرقوا الحجر معهم كان الجمل يبرك مراراً ويرفض المشي في مكانٍ واحدٍ، ثمَّ دلَّتهم على مكان بروك الجمل، فحفروا هناك ووجدوا الحجر، ثمَّ أتى به قصي بن كلاب، ووضعه في الأرض، وظلَّ كذلك يتمسَّحون به إلى أن قام قصي ببناء الكعبة ووضع الحجر الأسود فيها.[٣]
قصة هجوم تُبَّع للكعبة
ذُكر في كتب التَّاريخ أنَّ أحد ملوك حمير يُقال له تُبَّع جاء من المدينة وكان عازماً على هدم الكعبة المشرَّفة، ولمَّا وصل مكَّة جاء إليه أُناسٌ من قبيلة هذيل وأخبروه بأنَّ مكان البيت مكانٌ مليءٌ بذهبٍ وياقوتٍ وزمردٍ على أن يقاسمهم في ذلك، وقد عزم تبَّع على بناء بيتٍ جديدٍ يحجُّ النَّاس إليه بدلاً من البيت الحرام.[٤]
ولمَّا وصل إلى مكانٍ في شمال مكَّة يسمَّى كراع الغميم أرسل الله -تعالى- ريحاً شديدة تكاد تحمل الواحد منهم من شدَّتها، وأخبره قومه بأنَّ هذا البيت يمنع الله عنه كلَّ أذىً، فعاد عن جرمه وطاف بالبيت خوفاً من عذاب الله.[٤]
وعندما عزموا العودة إلى اليمن أراد قوم تبَّع حمل الحجر الأسود وأخذه معهم، فبلغ ذلك الأمر إلى خويلد بن أسد -وهو والد السَّيدة خديجة-، واجتمع حوله قومه من قريش، ثمَّ تقلَّدوا سيوفهم وجاءوا إلى تبَّع وحالوا بينه وبين الرُّكن، ومنعوه من ذلك قائلين له إنَّ الموت دون هذا الحجر المقدَّس، فأعاده تبَّع لهم، وكان لخويلد ورجال قريش دورٌ في حماية الحجر الأسود من السَّرقة من جديد.[٤]
قصة حريق الكعبة العظيم
وقع حريقٌ عظيمٌ أصاب الكعبة المشرَّفة في شهر ربيع الأوَّل من عام أربعة وستِّين للهجرة،[٥] وقد جاء حصين بن نمير إلى مكَّة وقتل أحد أبناء الزُّبير، ثمَّ نصب المنجنيق لرجل يسمَّى أبا قُبيس، وكان أتباع الزُّبير يلتجئون في البيت الحرام وحول الكعبة.[٦]
ولمَّا عزم على رميهم بالنَّار من المنجنيق صادف يوماً رياحه شديدةٌ، طارت بسببها شرارةٌ من النَّار، فاشتعلت ثياب الكعبة، ثمَّ وصلت النَّار إلى خشبها، وسقط سقفها، كما أصابت الحجر الأسود وأحدثت فيه صدعاً.[٦]
قصة القرامطة والحجر الأسود
حصلت هذه الحادثة في سنة ثلاثمئة وسبع عشرة للهجرة؛ أي في بدايات القرن الرابع الهجري، وقد كان هذا زمن الفاطميين، فكان هناك جماعةٌ يُدعون القرامطة وهم أحد مؤيّدي الدّولة الفاطميَّة، قاموا بالاعتداء على بيت الله الحرام وعلى الحجَّاج في يوم التَّروية الثَّامن من ذي الحجَّة من ذلك العام، وقاموا بترويع حجيج بيت الله وسلب أموالهم وقتل عددٍ منهم، وقد عظم جُرمهم بعد أن سرقوا الحجر الأسود وأخذوه إلى ديارهم.[٧]
أخذ القرامطة الحجر الأسود معهم إلى هجر، وظلَّ مسروقاً عندهم ما يزيد على العشرين عاماً، ثمَّ قرّروا إعادته، فذهبوا به إلى الكوفة ابتداءً، ثمَّ جيء به إلى مكَّة المكرَّمة، وقد حملوه على قعود أوصلت الحجر في شهر ذي القعدة من ذلك العام، أي قبل موسم الحجِّ بشيٍء يسيرٍ، وفرح المسلمون بعودته إلى مكانه فرحاً شديداً.[٨]
وقد نَقَلت الأخبار ممّا يدلُّ على قداسة هذا الحجر وعظم حرمته أنَّ القرامطة لمَّا أخذوه كانت الجِمال التي تحمله يصيبه هزلٌ، ويصيب سنامها قرح، وقد فنيت جمالٌ كثيرةٌ عندما سرقوه وأوصلوه ديارهم، ولكنَّهم لمَّا أعادوه على قعود حمله ذلك القعود الواحد، وقد سمن ولم يصبه أيُّ أذىً.[٨]
قصص متنوعة للحجر الأسود
وردت في كتب السير وفي كتب التّاريخ أحداثاً كثيرة غير الأحداث السَّابقة التي مرَّت على الكعبة المشرَّفة وعلى الحجر الأسود تحديداً، ومنها:
قصة بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود
هُدمت أجزاء من الكعبة المشرَّفة، وقرَّرت قريش إعادة بنائها، وكان النبيّ محمَّد آنذاك شابّاً لم يبلغ النُّبوَّة بعد، لكنَّه كان معروفاً في قومه برجاحة عقله وحسن سيرته، فلمَّا شرعوا ببنائها ووصلوا إلى مكان الحجر الأسود؛ اختلفوا فيما بينهم لمن سيكون شرف وضعه من القبائل، وقرَّروا أن يُحكِّموا بينهم أوَّل شخصٍ يدخل عليهم بيت الله الحرام.[٩]
فكان قدر الله -تعالى- أن ساق محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- ليكون لهم حكماً في أمرهم هذا، وقد ارتضوه لذلك لما عُرف عنه من صدقٍ وأمانةٍ، قرَّر النبيّ محمَّد أن يأتي برداء ويضع عليه الحجر الأسود، ويقوم بحمل هذا الرِّداء رجل من كلِّ قبيلةٍ؛ فيكون بذلك قد أنهى النِّزاع بينهم وأرضاهم جميعاً.[٩]
ولمَّا فعلوا ذلك ووصلوا إلى مكانه؛ حَمَله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيديه الشَّريفتين ووضعه في مكانه، وبذلك يكون بحكمته حقن دماء قريش من القتال ومن نشوب حربٍ بينهم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ ارتضاء قريش لتحكيم محمّد بينهم ما هو إلَّا اعترافٌ منهم برجاحة عقله وسلامة فهمه وطيب أخلاقه -صلوات الله عليه-.[٩]
قصة الحجر الأسود في زمن عبد الله بن الزّبير
احترقت الكعبة في زمن عبد الله بن الزُّبير -رضي الله عنه- كما أسلفنا، فقرَّر الزُّبير إعادة بنائها وترميمها من جديد، وأخذ الحجر الأسود في حوزته لحين اكتمال البناء، وكان الحجر قد أصابه بسبب الحريق صدعٌ من ثلاث جهاتٍ، وطارت منه شظيَّةٌ، فقام الزّبير بشدِّ الحجر الأسود وضمِّ الشَّظية له في أعلى الحجر، وربطه بمادَّة الفضَّة، ليعود على الهيئة التي كان عليها، ولتكون الفضَّة حافظةً له.[١٠]
قصّة الحجر الأسود في زمن هارون الرّشيد
حجَّ هارون الرَّشيد إلى بيت الله الحرام في عام مئةٍ وتسعةٍ وثمانين، ورأى الحجر الأسود قد نُزعت منه الفضَّة ونزلت حول الحجر الأسود، فخشي عليه أن يتصدَّع من جديد، فأمر أن يشدَّ الحجر الأسود بالفضَّة من جديد، وأن يجعل حوله من الأعلى والأسفل حجارةً من الماس.[١٠]
هل الحجر الأسود من الجنة؟
الحجر الأسود أحد حجارة الجنَّة، وقد جاء في ذلك أقوالٌ ثابتةٌ عن الصَّحابة الكرام، وبذلك لم يكن شيء من الجنَّة في الأرض سوى هذا الحجر، وإنَّه ياقوتةٌ نزلت من الجنَّة، ولونه أبيضٌ شديد البياض، ولكنَّه اسودَّ لما لمسَّه رجس الكفَّار والمشركين،[١١] وتجدر الإشارة هنا أنَّ هذا الحجر بالنِّهاية وإن كان من الجنَّة إلَّا أنَّه يبقى حجراً لا يضرُّ و لا ينفع، وشُرع للمسلمين تقبيله والإشارة إليه في الحجِّ والعمرة دون المبالغة في التَّمسُّح به والدُّعاء له.[١٢][١١]
ملخّص المقال
توالت الأحداث وكثرت حول الحجر الأسود الذي يعدّ أحد أركان الكعبة المشرّفة، وقد كان منذ قديم الزّمان محطّ أنظار الكفّار والزّنادقة لعلمهم بقداسة هذا الحجر وأهمّيته، فمنذ أن كان الجرهميون يقطنون مكّة حاولوا سرقته، ثمّ حاول قوم تبّع ذلك، وفي زمن محمّد قبل بعثته وضعه النّبي بيديه الشّريفتين بعد إعادة قومه بناء الكعبة، كما تعرّض الحجر الأسود لحريق في زمن الزّبير أدّى إلى تشقّقه.
ثمّ سرقوه القرامطة مدّة ليست باليسيرة، وأعادوه بعد ذلك، وفي كلّ مرّة كان يحفظه الله -تعالى- ويسخّر له من عباده من يحفظه ويذود عنه، ومن ذلك ما قام عبد الله بن الزّبير وهارون الرّشيد من حشوه بالفضّة وشدّ وثاقه؛ وكان اهتمام المسلمين وغيرهم على مرّ العصور به لعلمهم أنّه ليس من حجارة الأرض، وإنّما هو حجر من حجارة الجنّة له قداسته وله عظمته.
المراجع
- ↑ محمد التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 674. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد النجار، "الحجر الأسود تاريخ وأحـكام"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 3/9/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب التقي الفاسي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، صفحة 256. بتصرّف.
- ^ أ ب ت علي بن عساكر، تاريخ دمشق، صفحة 15-17. بتصرّف.
- ↑ محمد بن الازرق، أخبار مكة، صفحة 197. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو العرب التميمي، المحن، صفحة 203-204. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 675. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة التاريخية الدرر السنية، صفحة 79. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد الدبيسي، السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية، صفحة 220. بتصرّف.
- ^ أ ب التقي الفاسي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، صفحة 257. بتصرّف.
- ^ أ ب المتقي الهندي، كنز العمال، صفحة 215. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد، موقع الاسلام سؤال وجواب، صفحة 4118. بتصرّف.