قصة الحمار الحكيم

كتابة:
قصة الحمار الحكيم

قصة الحمار الحكيم

كان يا ما كان في قديم الزمان جَرت قصة الحمار الحكيم، إذ كان هناك قطيعٌ من الحمير يعيشون بين بعضهم البعض براحةٍ وسلام، وكانت تربطهم ببعضهم علاقة قُربى، ولا تَرى حمارًا يعتدي على الآخر أو يسرق حقّه، وفي أحد الأيام جلس في الحظيرة حزينًا مهمومًا لا يكلم أحدًا، وقد قطع الطعام والشراب حتّى أصبح قعيدَ الفراش، اقترب أبوه منه وسأله ما بالك مهمومًا حزينًا يا حماري العزيز، فأشاح الحمار الصغير وجهه كئيبًا صامتًا، ولم يردّ على أبيه بأيّ كلمة.


حارَ الأهل بابنِهم الحمار الصغير وأحضَروا له الأطبّاء والأدوية، ولكنّ حاله لم يتحسّن، إنّما من سيّء إلى أسوأ، فكّر الأب كثيرًا حتى اهتدى لرأيٍ صائب واستشار زوجته أنٍ يعرِضوا ابنهم على الحمار الحكيم الذي يقطن بالقرية المجاورة لهم، وافقت الأم على رأي الزوج طمعًا بتحسن ابنهم ولعلّ شفاءَه يكون على يدي هذا الحمار الحكيم، جهّزت الأم مَتاعَ الأب والابن؛ كي لا يشعرا بالتعب والإرهاق أثناء ذهابهما إلى القرية المجاورة، ولكنّ الحمار الصغير رفض الذهاب أو التحرّك من مكانِه.


وفي اليومِ التّالي، ذهب الحمار الأب إلى القرية المجاورة طالبًا من الحمار الحكيم مرافقتَه ليرى حال ابنه، وافق الحمار الحكيم على طلب الأب وقال له: سيكون ابنك بمثابة ابني وسأبذل قصارى جهدي كي أعرف ماذا ألم به، وانطلق الاثنان إلى الحظيرة حيث فراش الحمار الصغير، وجلس الحمار الحكيم بجانب الحمار الصغير يجاذبه أطراف الحديث علَّه يعرف مُصابَه، وما الذي جعله طريحَ الفراش، وبعد الانتهاء من الحديث قال الحمار الصغير للحمار الحكيم: إنّي حزينٌ جدًا، وأكاد أموت من الحزن، وسأخبرُك لماذا.


جلس الحمار الحكيم مُنصتًا للحمار الصغير مهتمًّا لأمره، فقال الحمار الابن: لماذا الإنسان ينعتنا بالغباء؟ ولماذا إذا أراد أن يشتُمَ أحدًا ما يقول له يا حمار؟ بل لماذا يعاملنا بكلّ هذه القسوة والاستهتار بمشاعرنا، حتى أنّه يستهزئ بنا ويقول بأنّ معشير الحمير لا تُدرك شيء، وبدأ الحمار الصغير بالبكاء حزنًا وقهرًا، حزن الحمار الحكيم على حال هذا الحمار الصغير؛ لأنه مرَّ قبله بهذه المرحلة في يومٍ من الأيّام.


فبدأ الحمار الحكيم بشرح الموضوع له وتوضيح الاستفسارات، فقال له: لقد شرف الله -سبحانه وتعالى- الإنسان على جميع المخلوقات وسخر جميع الكائنات الحية لخدمته، ولكن هناك بعض البشر الذين لم يفهموا هذه النقطة وبدأوا يتكبرون ويتعجرفون على بقية الكائنات، حتى أنهم يتكبرون على بعضهم البعض ويؤذون بعضهم البعض، فبعض البشر يا حماري الصغير يسرقون أموال إخوانهم، وبعضهم يغتصبون الأراضي والطعام لبعضهم الآخر، وقد ترى أن بعضهم قد يقتل إخوانه طمعًا بالمال، أو حتّى يشنّون الحروب من أجل ما يسمى البترول وغيره.


تعجّبَ الحمار الصغير من كلام الحمار الحكيم، وقال: إن كانوا يؤذون بعضهم البعض لهذه الدرجة، فمن الطبيعيّ أن يعاملونا هكذا، واقتنع الحمار الصغير برأي الحمار الحكيم، وحمد الله -سبحلنه وتعالى- على المحبّة والتآلف الموجودة بينه وبين إخوانه الحمير، وقال: إن المحبة والتآلف والرضا بما قسمه الله لنا يغنينا عن الكثير من المشاحنات.

4458 مشاهدة
للأعلى للسفل
×