قصة الشمس والقمر
ذات ليلة من الليالي نظر القمر في المرآة كعادته كل ليلة، وامتدح نفسه وقال: ما هذا الجمال؟ كيف لهذا الجمال أن ينير السماء لبضع ساعات فقط، أنا أستحق أكثر من هذا، أستحق اليوم كله، وقد سمعته النجوم يقول ذلك، فحاوروه وقالوا أن غروره الزائد بنفسه سوف يعرض الجميع للخطر.
إلا أن نفسه قد وسوست له أنه الأكثر استحقاقًا بين الجميع، فهو ينير السماء دون أن يرفع الحرارة أو يسبب حروقًا كالشمس، وهو أقرب للأرض من أي شيء آخر، كما أنه يمر بأطوار مختلفة تجعل شكله خلابًا بعدة أنماط، فتارة يكون هلالًا، وتارة يكون محاقًا، وتارة يكون بدرًا، لذا فقد عزم النية على السيطرة وتولي زمام الأمور وحده.
مواجهة الشمس والقمر
قرر القمر أن يواجه الشمس، ويجبرها على التنازل له عن حقها في الشروق يوميًا، وترك زمام الأمور له كي يصبح وحده القمر المضيء في السماء، انتظر وقت الغروب وجاء مبكرًا، فما إن رأته الشمس حتى رحبت به، وسألته ما الذي أتى به مبكرًا هكذا، فقال لها:" أنا أحق بالسطوع طوال اليوم، لا أحد مثلي ولا حتى أنتِ، أنا أنير الكون ولا أضر بالبشر مثلك، فأنتِ ما إن ترتفعي حتى يشعر الناس بالحر ويبدأوا في التذمر، كما أنك بعيدة جدًا عنهم، أما أنا فقريب منهم ولا أقوم بأذيتهم، بل أنير لهم طريقهم دومًا".
شعرت الشمس بالإحراج من هذا الانتقاد، وقالت للقمر: إن هذا ليس من حقك، وإن نظام الكون قد قسم الوقت فيما بينهما، وأي خلل سيحدث سوف يؤثر على الجميع بلا شك، لم يقتنع القمر، وأخبرها أنها إذا لم تتنازل له بإرادتها فسوف يجبرها، وحينما وجد من الشمس الإصرار والثبات على موقفها لأنها على حق، قام بزجها في زنزانة وحبسها، وأغلق عليها وألقى المفتاح في الفضاء، وقال بصوت مرتفع: "من الآن أنا وحدي المسيطر، أنا قمر الليل والنهار" .
في صباح اليوم التالي كانت المفاجأة، لم تشرق الشمس في موعدها، فحل الظلام على الأرض كاملة، ونظر الناس بذهول إلى السماء فوجدوا القمر يزينها، فساد الهرج والتخبط، وظل الناس يتساءلون ما الذي يحدث، أهي نهاية العالم؟ أم أنه كابوس سيفيقون منه بعد قليل؟
شعر القمر بالصدمة من ردود فعل الناس، فقد كان يظن أنهم سيكونوا سعداء بظهوره، وقال في نفسه أنهم ربما فزعوا لأن هذا شيء جديد ولم يعتادوا عليه بعد، وظن أنه إذا صبر عدة أيام فسيتغير الوضع، إلا أن الأمور ازدادت سوءًا في الأيام التالية.
فعدم شروق الشمس جعل الأرض غير مشرقة، وجعل البشر يشعرون بالبرد طوال الوقت، وأثر على حياة الحيوانات، وبدأت النباتات في الذبول، وشعر القمر في قرارة نفسه أنه اقترف إثمًا كبيرًا، لكنه كان يخشى الاعتراف بذلك، فأتت له النجوم، وطلبت منه الاعتراف بفداحة ما فعل قبل أن تسوء الأمور أكثر.
اعتراف القمر بخطئه
مع ازدياد الأمور سوءًا شعر القمر بأنه يجب عليه التوقف، فذهب بمساعدة النجوم إلى الفضاء ليبحث عن المفتاح، وحين وجده ذهب راكضًا للشمس وفتح باب السجن، واعتذر لها وطلب منها السماح، وأخبرها أنها كانت على حق، وأن غروره صور له أنه الأحق بكل شيء، وأن وجودها شيء لا بد منه، وأنهما بتعاونهما معًا وتقسيمهما الوقت فما بينهما ستكون الأرض أفضل، وقال لها: إن غروره عمى قلبه وأغشى بصيرته، وأنه لا حياة إلا بالقناعة، فهي كنز لا يفنى.