قصة الهجرة إلى الحبشة

كتابة:
قصة الهجرة إلى الحبشة

تعرض المسلمين لأذى قريش

استكبر كفار قريش رافضين الدعوة الإسلامية، مصرّين على ديانتهم الوثنية التي وجدوا عليها آباءهم وأجدادهم، وقد عمدوا إلى اتباع شتى أنواع الترهيب والتعذيب الجسدي والنّفسي مع المسلمين الأوائل، فكانوا يتطيرون منهم، ويتقصّدون شتمهم وتوبيخهم، ويعمدون إلى ضعفائهم، فينكلون بهم أشد التنكيل جلدًا بالسياط وضربًا بالحجارة، وكانوا يحبسونهم مكبلين تحت الصّخر على رمال الصحراء، وتفاقمت معاناة المسلمين يومًا بعد آخر، والرسول حينها ممتنع عن المشركين في كنف قومه وعمّه أبو طالب، لكن لا يستطيع دفع الأذى عن أصحابه، فكان الخيار هو الخروج من مكة إلى مكان يأمن فيه المسلمون على دينهم وأرواحهم، وقد اختار لهم النّبي الحبشة وجهة لهم، ويأتي تاليًا سرد قصة الهجرة إلى الحبشة.[١]

قصة الهجرة إلى الحبشة

لا بدّ في أثناء سرد أحداث قصة الهجرة إلى الحبشة من التنويه إلى صبر الصحابة وتضحيتهم ويقينهم بربّهم رغم اشتداد أزمتهم، وقد جعلوا القرآن الكريم مرشدًا لهم، ووجدوا في آيات اليقين والثبوت على الإيمان تسليةً لهم، ومن ذلك سورة الكهف التي نزلت لتحمل قصة أصحاب الكهف الذين فرّوا إلى الله بدينهم من ظلم ملكهم، وبعد كل هذه المعاناة أذن الرسول لصحابته بالهجرة إلى الحبشة، وقد وصف لهم حال الحبشة بأنّ بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهكذا خرج أول فوج من المهاجرين إلى الحبشة، وكانوا اثنا عشر رجلًا وأربعة نسوة بينهم عثمان بن عفان وزوجته ابنة الرسول رقية، وقد كتموا أمر خروجهم واستتروا بظلمة الليل، فلما أحسّت قريش تبعتهم، فلم تلحق بهم، فقد هيأ الله لهم بعض سفن التجارة التي أقلتهم لمقصدهم الذي وَجدوا فيه ما وُعِدوا، فعاشوا تحت رعاية النجاشي ملك الحبشة بأمان لم يمسسهم سوء، ويختلف أهل العلم في العام الذي شهد هذه الهجرة فمنهم من قال الخامس، ومنهم من يرى أنّه بعد ذلك.[٢]

العودة إلى مكة والهجرة الثانية

أمِن المسلمون في الحبشة على دينهم وأرواحهم، ومارسوا شعائرهم بسلام، ثم حَدثَ حدثٌ غريب في قصة الهجرة إلى الحبشة؛ حيث وصل من مكة نبأ مكذوب أشاع بين المسلمين في الحبشة أنّ مكة قد أسلمت، ودانت لرسول الله، فقرر عدد منهم الرجوع، فعاد قسم كبير منهم، لكنهم اكتشفوا قبل دخول مكة زيف الخبر، وعرفوا أنّ مكة قد زاد أذاها بحقّ المسلمين، فقرر بعضهم العودة إلى الحبشة، وأكمل البعض الطريق، فمنهم من دخل مكة سرًا، ومنهم من دخلها بجوار أحد من المشركين، ثم نال من رجع من الحبشة أذى قريش وتنكيلها، فوجد النبي ألا بدّ من خروجهم ثانية إلى الحبشة.[٣]

لم تكن الهجرة الثانية إلى الحبشة سهلةً كسابقتها؛ بل كانت أشقّ وأصعب على المسلمين، فقريش سمعت بخبرها وقررت إحباطها، والعدد كبير هذه المرّة وصل إلى أكثر من مئة مسلم يتجهزون ويخططون بدقة للخروج من مكة، بينهم مهاجرون من بيوت أشراف أهل مكة كأمّ حبيبة بن أبي سفيان، وأبو حذيفة بن عتبة، وفراس بن النضر بن الحارث، وغيرهم ممن خرجوا متعاونين مبتهلبن إلى الله بدعائهم طالبين النجاة بدينهم، وقد تم الأمر، وخرجوا جميعًا، وقد عجزت قريش عن اللحاق بهم، فوصلوا الحبشة سالمين ليقيموا بالقرب من النجاشي.

وفد قريش لاسترجاع المسلمين من الحبشة

ومن أبرز مشاهد قصة الهجرة إلى الحبشة محاولة قريش استرجاع من هاجر، فقريش التي حاربت الإسلام وعذبت أهله لن يقرّ لها قرار والعشرات من المسلمين استطاعوا الفرار منها، فأرسلت عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وحمّلتهما ما استطاعت من الهدايا، وكان عمرٌو وقتها من أشد أعداء الإسلام، فعمد بدهائه إلى كلّ بطريارك وقديس من حاشية الملك، فأجزل له الهدية، وحدّثه عن أمر هذه الثلة المسلمة التي استوطنت أرض الحبشة مخالفة دين قومها ودين أهل البلاد؛ طالبًا منهم تأييده إذا ما طرح الأمر على ملكهم النجاشي.[٤]

ثم ذهب عمرو إلى النجاشي، وعرض المسألة عليه، وجمع تأييد من حضر المجلس؛ لكن النجاشي تروّى في الأمر، وخالف رأي الجمع طالبًا لقاء المسلمين؛ ليسمع القضية من طرفيها، وكذلك كان، فاختار المسلمون جعفر بن أبي طالب ليخطب في المجلس عنهم، ويرد على افتراءات وفد قريش الذي جمع كامل حججه وبراهينه مركزًا على قضية عيسى بن مريم، ورأي القرآن فيه، لكن ذكاء جعفر وطلاقته وصدق إيمانه وحسن نقاشه ردت عن المسلمين كيد أعداءهم، فشرح للنجاشي تعاليم الإسلام، وما تركه من أثر على حياتهم التي قامت قبله على أسس ومبادئ تدعم سيطرة القوي واستعباد الضعيف؛ مضيفًا أنّ النبي أمرهم بالهجرة إلى هذه الأرض؛ لأنّ بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، ثم سأله النجاشي أن يتلوا عليه شيئًا مما جاء به القرآن فقرأ عليه جعفر ما تيسر، ومن بين ما سمع منه النجاشي سورة مريم التي رقّ لها قلبه، وباءت محاولة قريش بالفشل؛ حيث رفض النجاشي تسليم المسلمين، وتذكر أخبار قصة الهجرة إلى الحبشة أنّ النجاشي أسلم بعد ذلك على يد جعفر، وأخفى إسلامه، وحين مات نعاه الرسول، وصلّى عليه أربع تكبيرات صلاة الغائب.[٤]

عودة المسلمين إلى المدينة

تذكر قصة الهجرة إلى الحبشة أنّ من هاجروا إليها عاشوا سنين أمن وأمان على أنفسهم ودينهم، وخاب أمل قريش بعد قرار النجاشي، فعوضت بمزيد من التضييق على من بقي من المسلمين في مكة؛ لشعورها بأنّ المسلمين باتوا يشكّلون خطرًا داخليًا وخارجيًا من خلال علاقتهم بملك الحبشة، واستمر العداء بشتى الأشكال إلى أن وجد المسلمين ملجأً آخر في يثرب التي نورها الله بهجرة رسوله.[٥]

وتنتهي قصة الهجرة إلى الحبشة مع عودة المسلمين إلى المدينة المنورة مع استقرار أمر المسلمين بعد صلح الحديبية في العام السادس، على أنّ بعض الروايات تتحدث عن عودة عدد من الصحابة قبل ذلك، وتذكر أنّ بعضهم عادوا إلى مكة في العام الثالث عشر من البعثة، ثم هاجروا مع النبي إلى المدينة، ومنهم من عاد حين سمع بهجرة الرسول إلى المدينة، وبقي عدد من المسلمين في الحبشة بقيادة جعفر؛ ويعود قسم منهم كل حين إلى أن عادت آخر دفعة منهم في العام السابع أو في أواخر العام السادس للهجرة.[٦]

المراجع

  1. "بعض المحن والصعوبات التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بداية الدعوة"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-01-2020. بتصرّف.
  2. "الهجرة الأولى الى الحبشة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-01-2020. بتصرّف.
  3. "هجرة المسلمين الثانية إلى الحبشة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-01-2020. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الهجرة إلى الحبشة دروس وعبر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-01-2020. بتصرّف.
  5. "الهجرة إلى الحبشة "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-01-2020. بتصرّف.
  6. "متى رجع المسلمون من الحبشة؟"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-01-2020. بتصرّف.
6616 مشاهدة
للأعلى للسفل
×