محتويات
من هو جميل بثينة؟
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، ويكنّى أبو عمرو، كان في بداية حياته راوياً لشعر هدبة بن الخشرم، ولقّب بجميل بثينة نسبة إلى بثينة التي أحبها، وفتنته منذ صغره، وكتب لها الشّعر طوال حياته، ويعتبر من شعراء العصر الأموي الذين اشتهروا بكتابة الشّعر العذري، بل كان أحد رموزه المشهورة، فكان من أشهر عشاق العرب، بالإضافة لكل ذلك كان جميلاً حَسَنَ الخِلقة، رقيق المشاعر، ومرهف الحس.
اللّقاء الأول بين جميل وبثينة
كان جميل يرعى إبله في وادي بَغيض، وهو وادي قريب من مساكن أهل بثينة، فأرسل إبله، واضطجع جانباً، وفي هذه الأثناء مرت بثينة وصديقة لها بجوار إبله، فضربت بثينة إحدى الإبل وأوجعته عابثةً، فرآها جميل فسبّها، فردت عليه شتيمته، وما كان من الشّاعر إلّا أن استملح سبابها ووصفه قائلاً:[١]
وأول ما قاد المودّةَ بيننا
- بوادي بَغيضٍ يا بُثينَ سبابُ
فقلنا لها قولاً فجاءت بمثله
- لكلِّ كلامٍ يا بُثينَ جوابُ
ومن يومها خطفت بثينة لبَّهُ، وأصبح يكتب الشّعر لها، فتارةً يذكر اسمها، وتارةً يكنيها باسمٍ غيره، حتى ذاع صيتهما في القبيلة، وانتقلت أخبارهما خارج القبيلة، وما زال الخبر ينتشر، والشّعر ينتشر، حتى ارتبط اسمه بها، واسمها به، وكني بها.[٢]
تقدُّمه لخطبتها وزواجها
عندما تملّك حبُّ بثينة قلبه تقدّم لخطبتها من أبيها، وكان يعتقد أنّ أهلها لن يعارضوا هذا الّزواج لدرجة القرابة التّي تجمعهما، وكونه ابن عمها، وحسب أعرافهم يعتبر الأحق بها، لكنَّ والدها رفض بشدة خوفاً من أن يلحق بهم عار ابنتهم التي خالفت أعرافهم وأحبت شاباً قد شبب بها، وذكرها في شعره، فخافوا أن يقال أنّهم ستروا عيباً بتزويجهم، وهو ما اعتادت العرب عليه، من منع تزويج العشاق تأديباً لهم، ولصدِّ ألسنة النّاس عنهم.[١]
أصرَّ والدها على تزويجها من شابٍ غنيٍّ من قبيلة عذرة تقدم لخطبتها، وذلك كان السّبب في كسر قلب العاشقين، يقال له نُبَيه بن الأسود، ولقد ذكره جميل في أحد أشعاره فقال:[١]
لقد أنكحوا جهلاً نُبَيهاً ظعينةً
- لطيفةَ طيّ الكشح ذاتَ شوىً خَدْلِ
ولم يزده زواجها إلّا تعلقاً بها، وحباً لها، فازداد ذكره لها في أشعاره، وكان يتحين غياب زوجها ليزورها ويلقاها، ولم تكن تتمنع عن لقائه، وكانت صويحباتها يساعدنها في التّستر على لقائهما، وكثيراً ما كان يتعرض له أهلها، وأنسباؤها كلما رأوه قريباً من بيوتهم، وكان يدافع عن نفسه بشجاعةٍ وقوة، الأمر الذي دفعهم إلى شكواه إلى الوالي، الذي طلبه بشدة، وأهدرَ دمه إن هو دخل بيوتهم، ولقد أنشدَ في ذلك أبياتاً قال فيها:[١]
فَلَيْتَ رِجالاً فِيكِ قَدْ نَذَروا دَمي
- وهَمُّوا بِقتْلي يا بُثينَ لَقوني
إذا ما رأوني طالعاً من ثَنيّةٍ
- يقولون: من هذا؟ وقد عرفوني
نهاية القصّة
بعد كل المحاولات الفاشلة التي قام بها قوم بثينة ليحولوا دون لقائهما، لم يجدوا غير تشويه سمعة جميل، وإطلاق الشّائعات التّي تقول إنه يحب فتاةً أخرى من قبيلتهم غير بثينة، الأمر الذي أثار غيظ جميل، وجعله يفكر في الانتقام، ففكر في خدعةٍ، حيث دبَّر لقاءً مع بثينة، وظلَّ يسامرها طوال الليل حتى نامت، فتركها وانسلَّ خفيةً، وعندما جاء الصباح ظنَّ القوم أنها تنام عند مبرك ناقة جميل، فأدركت أنها كانت خدعة وهجرته من يومها.[١]
بعد تلك الحادثة حاول جميل كثيراً أن يعيد أواصرَ المحبة، والتّواصل مع بثينة، لكنّه فشل في ذلك، وحين أصابه اليأس سافر إلى مصر، وبقي فيها حتى وفاته، وحين كان يحتضر دعا برجلٍ، وقالَ له هل أعطيك كل ما أملك على أن تفعل ما أطلب منك، فقبل، فقال له تأخذ كل مالي وتركب حصاني وتذهب إلى ديار بثينة، فتقف على سطح بيتٍ مرتفع وسط القوم، وتنشد هذه الأبيات: [١]
صدعَ النعيُّ وما كنى بجميلٍ
- وثوى بمصرَ ثواءَ غَيرِ قَفولِ
وَلَقَد أجُرَّ الذيلَ في وادي القُرى
- نَشوانَ بينَ مَزارعٍ ونخيل
بَكُرَ النَّعيُّ بِفارسٍ ذي همةٍ
- بَطَلٍ إذا حُمَّ اللِقاءُ مُذيلِ
قُومي بُثينةُ فاندُبي بعويلِ
- وَابكي خَليلكِ دونَ كلِّ خليلِ
وعندَ سماع بثينة لأبيات جميل قامت تندبه مع نساء حيّها، وظلت تبكي وتندب حتى وقعت مغشياً عليها، وعندما صحت أنشدت أبياتاً تقولُ فيها:[١]
وإنَ سُلوّي عن جميلً لساعةً
- من الدّهر ما حانت ولا حان حينُها
سَواءٌ علينا، يا جميلُ بن مُعْمَرٍ
- إذا متَّ بأساءُ الحياةِ ولينُها
وبقيت قصة الحبّ الخالدة، تحكى وتدرس وتروى في المجالس، وبقيت شاهداً على الحب العذري النقي، وخلدَّ التّاريخ قصتهم، وظلَّ جميل ممهوراً باسم بثينة، يحملها في اسمه بعد وفاته، كما حملها في قلبه طيلة حياته، وكأنَّ ثمرةَ إخلاصه أنبتت قصةً خالدة تعيش إلى الأبد.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ الشاعر، ديوان جميل بثينة، صفحة 5 __ 12. بتصرّف.
- ↑ "Jamil Bouthaina “Chaste Love Story”", learnarabicwithteena, Retrieved 31/12/2021. Edited.