قصة سليمان والهدهد للأطفال
بعثَ الله الأنبياء والرُّسل، وسخَّر لكلّ نبيٍّ معجزاتِه، ومن بين الأنبياء كان نبيُّ الله سليمان -عليه السلام- ابن نبيّ الله داود -عليه السلام- وستتحدَّث هذه القصة عن قصة سليمان والهدهد، لقد سخَّر الله لسليمان الأرض بما فيها لخدمته وتنفيذ أوامره، فالجنّ يطيعون أمرَه، والريح سُخِّرت لحمله، والطير لا يعصونه، فكان له ملكٌ عظيمٌ مَهيب، وفي يومٍ من الأيَّام طلب سليمان من جنوده جميعًا الحضور بين يديه، كما قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [١]
بدأ سليمان بتفقُّد جنوده جميعًا، ولكنَّه وجد أحدهم قد تغيَّب عن هذا الاجتماع المهمّ، إنَّه الهدهد، طائرٌ يبلغ من الطول ثلاثين سنتيمترٍ، يتميَّز بأرجله القصيرة والعريضة ومخالبه القويَّة وذيله الجميل وريشه الملوَّن ومنقاره المعكوف قليلًا إلى الأسفل، فغضب سليمان، كيف لجنديٍّ أن يتغيَّب، ويغادر موقعه دون إذنٍ منه، إذًا سيختلُّ النظام، وكلُّ جنديٍّ سيفعل مثلما فعل هذا الهدهد، إذًا يتوجَّب الآن أن يكون هناك حسابٌ عسير، فقال سليمان: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [٢] فبدأ هنا الإنذار والتهديد والوعيد.
فما إن عاد الهدهد، حتى بدأت الطيور جميعها بالحديث له عمَّا دار في هذا الاجتماع العظيم، وكيف أنَّ مصيره إما العذاب الشديد أو الذبح، أو يأتي بعذرٍ مهمٍّ لينفي عن نفسه جميع تلك العقوبات، ذهب الهدهد إلى سليمان، وقلبه يكاد ينفطر خوفًا من سليمان ووعيده، ولكنَّه تجرَّأ وتقدَّم، وقال: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [٣] بدأ الهدهد فورًا بإلقاء عذره إلى سليمان قائلًا: لقد جئتك بخبر لم تعلمه بعد، ولم يصل إليك، لقد جئتك منن مملكة سبأ بخبرٍ يقينيٍّ مهمٍ لك، {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [٤] سليمان كان يعتقد أنْ لا مٌلكَ في الأرض غير ملكه، وإذا بالهدهد يحدِّثه عن عظيم هذا المُلك والمملكة، وكيف تحكمه امرأةٌ، وهي ذات قوَّةٍ وسلطان، وعرشٍ عظيم.
ليس هذا فحسب، بل هذه المملكة جميعها كافرةٌ بالله، فمن فيها يعبدون الشمس دونًا عن الله ربِّ العالمين، الآن سليمان بدأ يراوده الشَّك، فأراد أن يتحققَّ من صدق نبأ الهدهد أم أنه فقط أراد أن ينجو من العذاب فاخترع هذه الحيلة، فقال له اذهب بهذه الرِّسالة إليهم وألقِها، ثمَّ ابتعد عنهم، وانظر ماذا سيفعلون، وَقَع كتاب سليمان في يد ملكتهم بلقيس، وقرأت مافيه إلى حاشيتها، وبعثت برسلٍ إلى سليمان، ومعهم الهدايا، فما كان من سليمان إلّا أن أرجع لها هداياها، فعندما رأت بلقيس منه هذا الفعل أسلمت وقالت: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [٥] وهكذا نجا الهدهد من العقاب، فكانت هذه قصته الجميلة، قصة سليمان والهدهد. [٦]