قصة عن التسامح
ذات يومٍ كنتُ أجلسُ في غرفة مكتبي أطالع الأخبار وأقرأ المستجدّات في العالم كعادتي كلّ يومٍ قبل أن أذهب إلى العمل، ولكن مهلًا، قد قرأتُ خبرًا أظنّه من قبيل الهزل لا الجد على موقع "فيسبوك" كان قد نشره أحد زملائي في العمل، فاستغربتُ الأمر وقلتُ: لعلّه خير، كما أقول عادة عندما أرى أمرًا لا أفهمه، لذلك أرجو الله تعالى أن يكون الأمر قد حدثَ لخير، وأكرّر مقولة أمّي: ربّ الخير لا يأتي إلّا بالخير.
دخلتُ إلى مكان عملي ولكنّي لاحظتُ أنّ الموظفين زملائي يرمقونني بنظرات غريبة، وما هي إلّا لحظات بعد دخولي إلى المكتب حتى استدعاني مديري المباشر "على جناح السرعة" كما قالت مديرة مكتبي عندما نقلَت إليّ خبر استدعاء المدير، وعندما ذهبتُ إلى المدير سألني عن الخبر الذي نشرَه زميلي في العمل، كان الخبر يتضمّن نبأ قد علمتُ فيه من المدير عن صفقة ستتمّ قريبًا بين الشركة التي أعملُ فيها وشركة أجنبيّة، فكان الخبر يتضمّن نبأ إلغاء الصفقة من طرف الشركة الأجنبيّة.
هذا ما لم يفهمه المدير؛ لأنّ سبب إلغائهم للصفقة هو أنّ الخبر كان قد انتشر ووصل للشركة نفسها، في حين أنّ الشركة قد طلبَت أن تبقى هذه المعلومات سريّة لحين إتمام الصفقة، فكان باطن كلام المدير اتهامي بإفشاء السر؛ كوني الوحيد في الشركة الذي يعلمُ أمر هذه الصفقة، فدافعتُ عن نفسي بأنّني لم أخبر أحدًا بذلك، وبعد نقاش طويل اتفقنا أنا والمدير أن أتواصل مع الشركة لأعلم سبب إلغائهم الصفقة، فأخبروني بأمر السر، فأخبرتهم بأنّه لا أحد يعلم غيري، فأعطوني عنوان البريد الإلكتروني الذي قد وصلتهم الرسالة منه، رسالة أُرسِلَت إلى الشركة تخبرهم أنّ نبأ صفقتهم قد انتشر في كل مكان.
نظرتُ إلى البريد الذي أرسلَتهُ الشركة فإذا هو بريد زميلي الذي نشر نبأ إلغاء الصفقة، فقمت من مكاني وذهبتُ إلى ذلك الزميل وواجهته بالأمر أمام الموظفين، فأنكرَ وزعمَ أنني من فعل ذلك، وأنّني قد انتحلتُ بريده الإلكتروني وراسلتُ الشركة، وعندما أخبرتُ المدير لم يصدقني، فتركتُ العمل وقدمت استقالتي، وبقيت مدة طويلة لا أكلّم ذلك الزميل ولا المدير؛ مع أنّ المدير كان صديقي في الدراسة، وحدث أكثرَ من مرّة أن اتصل بي المدير وذلك الزميل فلم أُجِب على اتصالاتهما.
حدث ذات يوم أن جلستُ في المسجد أستمع لخطبة صلاة الجمعة، وكانت الخطبة وقتها تتحدّث عن حادثة الإفك، فذكرَ الخطيب أنّ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- لمّا علمَ أنّ واحدًا من الذين قد قذفوا عائشة -رضي الله عنها- كان من الفقراء الذينَ يعطفُ عليهم ويمدّه بالمال فإنّه قد منع عنه المال، فنزلَت آية كريمة وكأنّها تعاتب الصدّيق -رضي الله عنه- في ما فعله، فقد حضّت الآية الكريمة أن يعود الصديق لدفع المال للرجل والتصدّق عليه، فكان من جملة ما جاء في الآية الكريمة: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}،[١] فعندما سمعها أبو بكر -رضي الله عنه- قال: بلى، والله إنّي لأحبّ.
فأثّرَت فيّ كثيرًا هذه الآية، وأثّرت فيّ ردّة فعل الصدّيق - رضي الله عنه-، فلم أشعر بنفسي إلّا وأنا أقول: بلى، والله إنّي لأحبّ، وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى مكان عملي القديم لأقول لزميلي والمدير إنّني قد سامحتهما لأنّني أحبّ أن يغفر الله تعالى لي، ففوجئتُ بأنّهما قد كانا يتصلان بي ليقولا إنّ الصفقة قد تمّت، وإنّهم قد وضّحوا للشركة الأجنبية ملابسات ما حدث، فقد اعترف زميلي بأنّه فعلَ ما فعلَ ليزحزحني عن مكاني ويتسلّمه هو، ولكنّ ضميره قد انّبه ولم يستطع نسيان ما فعله معي، فحاول الاتصال معي ليعتذر ويخبرني بأنّه قد اعترف بخطئه ويطلب مسامحتي، فأخبرته بأنّني قد جئت لأسامحه هو والمدير من دون أن أعلم ما حصل.
فقلتُ له لا تثريب عليك، ولذلك فإنّي أسامحكَ لعلمي بأنّك رجلٌ طيّب وبأنّ ما فعلتَه كان بسبب وسوسة من الشيطان ليس إلّا، ولأنّي أحبّ أن يغفر الله تعالى لي على ما فعلتُه معك.
اعلَم أنّ الحسد خلقٌ شيطانيّ بدأ مع إبليس حين حسدَ آدم -عليه السلام- على المنزلة العالية التي منحه إيّاها الله تعالى، فلا ينبغي لأبناء آدم أن يتّصفوا بصفات عدوّ أبيهم وعدوّهم، فينبغي لهم أن يكونوا متسامحين مع بعضهم بعضًا، متحابّين كما وصفهم القرآن الكريم.
المراجع
- ↑ سورة النور، آية:22