محتويات
سيدنا آدم عليه السلام
إنَّ سيدنا آدم -عليه السلام- هو أبو البشر أجمعين، خلقَهُ الله تعالى من حمأ من صلصال مسنون من طين، وخلقَ له من ضلعِهِ حوّاء زوجةً وأنيسةً وأمًّا للبشر أجمعين، وقد أمر الله تعالى كلَّ الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا، إلّا إبليس اللعين أبى أن يسجد، وهذه القصة وردت في كثير من سور الكتاب، وقد أسكن الله تعالى آدم وزوجَهُ حواء في الجنّة وحذّرهم ألا يقربا شجرة التفاح فوسوس لهم الشيطان فخالفا أمر الله وعاقبهما الله بأن أنزلهما إلى الأرض، ومن هنا بدأت حكاية البشرية الطويلة، فأنجبا قابيل وهابيل، وهذا المقال مخصص للحديث عن قصّة قابيل وهابيل في الإسلام ومواضع ذكرها في القرآن الكريم.
قصة قابيل وهابيل
لقد وردَ سردُ قصةِ قابيل وهابيل في القرآن الكريم، وتحديدًا في سورة المائدة في قولِهِ تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" [١].
وبالتفصيل في أحداث هذه القصة، فإنَّ قابيل وهابيل قدَّما صدقة إلى الله -سبحانه وتعالى-، فتقبّلَ الله تعالى صدقة هابيل؛ وهذا عائد إلى أنَّ الله تعالى يعلم ما يسرُّ الناس وما يعلنون، وقد عرفَ الله تعالى أنَّ هابيل قدم صدقته بإخلاص وصدق، ولم يتقبَّلِ الله -سبحانه وتعالى- صدقة قابيل؛ لأنّه يعرف باطن قابيل الذي تصدّق بسوء نية ودون تقوى، والله يعلمُ أن قابيل أصبح يكنُّ لأخيه الحقد والبغضاء عندما تقبّل الله صدقة أخيه هابيل ولم يتقبّل صدقتَهُ، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" [٢]، وفي الآية توضيح لردِّ قابيل لأخيه حيث قال له حاسدًا غضبان: "لأقتلنّك"، فجاءَت الآية التالية لتبين ردَّ الأخ العاقل الراشد، حيث ردّ هابيل على أخيه قابيل وقال له: إنّما يتقبل الله من المتقين" [٢]، فكانَ ردُّهُ مبيّنًا للوسيلة الحقيقة التي تجعل عملَ المرء متقبًّلا عند الله -سبحانه وتعالى- وهي التقوى، فالله تعالى يتقبل من المتقين، الذين يحسنون الظن بالله، والذين يخلصون النية لله في كلِّ أعمالهم، وما كان من هابيل إلّا أن تحوّل في حديثه مع أخيه إلى تذكيره بالأخوّة التي تجمعهما، فقال له: "لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" [٣].
وهذا بيان واضح بأن هابيل أخبر أخاه بأنّه إذا رغب بقتلِهِ فإنّه لن يمدَّ يدَهُ على أخيهِ بسوء ولو كلّفَهُ ذلك حياتَهَ كلّها، لأنّه يعلم أنَّ القتل جريمة عظيمة، تجلب غضب الله تعالى وسخطه، ولكنَّ كلَّ هذا لم يردعْ جشع قابيل ونفسَهُ البائسة المجرمة، فارتكبَ جريمته البشعة، فقتَلَ أخاه هابيل وتركَهُ مرميًّا في العراء، وتركَ جسده طعامًا سهلًا للوحوش فلم يدفنْهُ، قال تعالى: "لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" [٤]، وبعدَ أن قتلَ قابيل أخاه هابيل وتركه في العراء بعثَ الله تعالى غرابًا ينبش في الأرض ويحفر حفرةً ليدفنَ هابيل، أو ليدفن جثّة هابيل، فلمّا رأى قابيل ذلك الغراب، شعرَ بعواطفه التي أماتها من قبل بالجريمة البشعة التي ارتكبها في حقِّ أخيه، وأصبح من النادمين، قال تعالى: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" [٥]، ولكنَّ هذا الندم، كانَ في ساعة لا ينفع فيها الندم، ولا ينفع فيها العتب، والله تعالى أعلى وأعلم [٦].
مضامين قصة قابيل وهابيل
إنَّ قصةَ قابيل وهابيل تعتبر قصة أوّلِ جريمة عرفتها البشرية، وهي أوّل جريمة قتل على هذا الكوكب، فقد سنَّ قابيل القتلَ عندما قتل أخاه هابيل جشعًا وحسدًا، حتى أنّه لم يوارِ سوءة أخيه، وتتضمن قصة قابيل وهابيل كثيرًا من القيم الإنسانية والدينية التي يجب على كلِّ مسلم أن يدرسها دراسةً تفكُّرٍ وتدبُّرٍ، ومن أهم مضامين القصة هي:
- تعدّ قصّة قابيل وهابيل مثالًا حيًّا على ضرورة التقوى وإخلاص النيّة في كلِّ الأعمال التي يعملها العبد، فإخلاص النية والتقوى من أهم أسباب تقبُّلِ الله تعالى لأعمال العبد المسلم، وهذا ما وردَ في قولِهِ تعالى على لسان هابيل: "قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" [٢]، وتعدّ التقوى في الإسلام ميزان التفاضل بين الناس، وهذا ما وردَ في السنّة النبوية المشرفة عن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكُم عزَّ وجلَّ واحدٌ، ألَا وإنَّ أباكُمْ واحدٌ، ألَا لا فَضْلَ لعربيٍّ على عَجَميٍّ، ألا لا فَضْلَ لأَسْودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى، ألا قد بلَّغْتُ؟ قالوا: نعم، قال: لِيُبَلِّغِ الشَّاهدُ الغائبَ" [٧].
- وقد حملتْ قصة قابيل وهابيل رسالةً عظيمة لكلِّ المؤمنين المخلصين، وهي أنَّ الله تعالى لا يتركُ عبادَهُ المؤمنين فهو معهم حتّى بعد موتهم، وقد اتضح هذا المعنى في قصة قابيل وهابيل عندما بعض الله تعالى غرابًا من عنده يحفر في الأرض ليواري سوءة هابيل، قال تعالى: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ" [٥] [٨].
مواضع ذكر قصة قابيل وهابيل في القرآن الكريم
لقد حملَ كتابُ الله تعالى كثيرًا من القصص التي جاءَتْ للموعظة والعبرة، فقد وردَتْ قصص الأنبياء في كثير من آيات الكتاب مفصّلةً تفصيلًا كبيرًا، وفيما يخصُّ قصة قابيل وهابيل فقد وردتْ قصة قابيل وهابيل في كتاب الله تعالى في سورة المائدة بشكل تفصيلي، حيث قال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" [١] [٩].
فيديو عن قصة قابيل وهابيل
في هذا الفيديو يوضح فضيلة الدكتور عبد الرحمن إبداح قصة قابيل وهابيل. [١٠]
المراجع
- ^ أ ب {المائدة: الآية 27-31}
- ^ أ ب ت {المائدة: الآية 27}
- ↑ {المائدة: الآية 28}
- ↑ {المائدة: الآية 30}
- ^ أ ب {المائدة: الآية 31}
- ↑ قصة قابيل وهابيل, ، "www.kalemtayeb.com"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف
- ↑ الراوي: من شَهِدَ خطبة النَّبي بمنى، المحدث: ابن تيمية، المصدر: اقتضاء الصراط المستقيم، الصفحة أو الرقم: 1/412، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
- ↑ قصة قابيل وهابيل في القرآن, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف
- ↑ قصة قابيل وهابيل, ، "www.alukah.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 11-11-2018، بتصرّف
- ↑ قصة قابيل وهابيل، "www.youtube.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 19-12-2018، بتصرف