قصة قصيرة عن الحب
الكثير من القصص ما يُروى للتسلية والسّمَر، ولكنّ قصص الحب والتضحية ستنحى منحًى آخر، ومن هذه القصص قصة قصيرة عن الحب والتضحية لتضرب للبشرية أروع الأمثلة في الإخلاص والتفاني، ففي إحدى القرى البعيدة والرابضة على تلك الهضاب الهادئة، نشأت فتاة صغيرة تأسر القلوب بجمالها وحسنها، بشعرِها الفاحم الأسود ووجهها الذي استعار من الثلج بياضه وصفاءه، والزهر الذي خجل من حمرة وجنتيها، ولكن شاءت الأقدار أن يُطفَأ بصرُ هذه الطفلة.
عاشت الطفلة ظلامًا أبديًا لا تعرف ما الفرق بين الليل والنهار، أم ما هو النور والظلام، سمعت تلك المفردات من هنا وهناك ولكنها لم تكن تعلم ما الذي ترمي إليه تلك الألفاظ، حاولت والدة تلك الطفلة أن تشرح لها الحياة أن تزيل الغموض عن بعض الألفاظ والمفردات التي تستفسر عنها تلك الطفلة، ولكن باءت جميع محاولاتها بالفشل، فكانت استفسارات تلك الطفلة وتساؤلاتها لا حصر لها، فكثير ما قالت لأمها ما الذي يعنيه اللون الأخضر، بل ماذا تدل كلمة اللون.
كانت تلك الأسئلة تتردّد على خاطر الطفلة دون إجابة لها، وكأنّها ارتطمت بجدار أصمّ، وكانت الأم تشعر بالأسى لحال طفلتها التي كانت تشبه الملاك بجمالها ورقتها، كبرت تلك الطفلة وترعرت وهي ترسم صورةً خاصةً بها لعالمها الخاص الذي لم تتدخل به يد بشري، أصبحت تلك الطفلة شابةً كوردةٍ يانعة لا يضاهي جمالها شيء، ما رآها أحدٌ إلا تعجّبَ من شدّةِ جمالها، كانت تسمع الإطراءات الكثيرة عن جمالها وحُسنها، ولكن فقدانها لبصرها كان يقف حاجزًا بينها وبين الجنس الآخر، فتحولت لتلك الفتاة الذابلة المنعزلة عن المجتمع.
وفي أحد الأيام ذهبت الشابة إلى نبع الماء الذي حفظت طريقه غيبًا، إذ كانت تشعر بالراحة هناك وحيدةً لتترنم هناك ببعض الألحان الموسيقية، جلست الفتاة على إحدى الصخور بجانب المياه ليمتزج صوتها مع خرير الماء وزقزقة العصافير، وعلى مسافة غير بعيدة كان يقف شابٌ جميل، قد أسره جمال تلك الشابة وصوتها الشجي، جلس يرقبها بالساعات بدون كلل أوملل ليدق قلبه ويكتب قصة قصيرة عن الحب الذي سيعيشه لهذه الشابة، اقترب منها ليسألها عن اسمها فشعرت بالفزع وتراجعت لينسدل شعرها الأسود على وجهها الأبيض، قائلة: من هناك؟ هنا شعر الشاب بأنها فتاةٌ ضريرة ولكن لم يثنيه هذا الأمر.
تقرَّب هذا الشاب منها إلى حدٍّ أصبح فيه عينيْها التي ترى بهما، فاستطاع هذا الشاب أن يصور لها العالم ويريها ألوانه، استطاع أن يجعلها ترى الغروب من خلاله فقد كانا يقضيان الساعات الطوال وهما يرمقان الأفق، ويتحدثان عن الحياة والمستقبل الخير والشر، فتعلقت به الفتاة كما باتت تلك الفتاة كل حياته وأحلامه، وأشرقت شمس الحب على الشاب ليتقدم لأهلها خاطبًا إياها، فرفضت تلك الفتاة عرض الشاب وقالت: أنا ضريرة ولا أريد الزواج، حاول هذا الشاب كثيرًا أن يقنعها ولكنه لم يفلح، فقالت له: لن أتزوّج حتى أبصر.
وفي أحد الأيام جاء الشاب سعيدًا ليزفّ البشرى لحبيبته، بأنه قد وجد متبرعًا لها وستبصر الحياة ليتشاركا المستقبل، وأُجريت لها العملية الجراحية اللازمة لتفكّ الضماد بعد عدة أيام، وترى النور يتسلل لعينيها اللتان لم تقويا على كمية تلك النور دفعة واحدة فأغمضت عينيها واضعةً يدها عليهما، فجاءت لمسة الحبيب، لينزل لها يدها وهو يقول لها: أريدك أن تبصري الحياة التي طالما كنت أصفها لك، فتحت الشابة عينيها لترى الشمس والسماء والنور، لترى الأهل وترى الشاب الذي وقف بجانبها ممسكًا يدها.
وما هي إلا لحظات حتى بدأت الفتاة بالبكاء وهي تنظر لفارس أحلامها، وتقول له: هل أنت أعمى، أأنت ضرير مثلي؟، يا لحظي العاثر كيف لك أن ترى جمالي الذي أتمتّع به، فقال لها: سأراه ببصيرتي وقلبي فأنا لا أحتاج للبصر معك، فقالت له: كيف سترى طريقك ونبني حياتنا وأنت لا تملك النور في عينيك، فقال لها: ستكونين عيوني ونوري.
سحبت الفتاة يدها منه معتذرةً، وقالت له: لن أستطيع مشاركتك حياة الظلام فلتتزوج ضريرةً مثلك، كانت تلك الكلمات بمثابة خنجر مزق قلب ذاك الشاب وفؤاده، ولكن كرامته وقفت حائلًا بينه وبين عبارات التذلل لها بالرجوع إليه واستجداء رحمتها، وقال كلمته الأخيرة التي نزلت عليها كالصاعقة، فقال لها: سأذهب ولكن أرجوك اعتني بعينَي، فقد وهبتك إيّاهما. وغاب الشاب ليبقيها بحسرتها وألمها لخيانتها حبه وتضحيته العظيمة.