قصة قصيرة عن نعمة الماء
إنّ الحياة قائمة عليها فما من مخلوق على وجه البسيطة إلا وكان معظمه منها، فالنباتات تتألف منها والحيوانات والإنسان كذلك، إنها لمن النعم الكبرى التي منَّ الله تعالى علينا بها وقال تعالى في منزل تحكيمه:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.[١]
إنّها نعمة الماء التي تشكلّ ما يقارب 60% من جسم الإنسان ومعظم البشر يهملون ذلك أو لا يكترثون بأهميتها وهذا ما جرى بالفعل مع صالح الفتى الريفيّ ابن خمسة عشر ربيعًا، والذي كان فلاحًا صغيرًا يساعد والده المسنّ في أرضهم ولقمة عيشهم، كان والده شديد التذمّر من سلوك صالح اللامبالي في ترشيد مياه السقاية، فيراه دائم الإسراف فيغمر أحواض الأشجار والسواقي بالماء بشكل يوميّ، رغم توجيهات والده المستمرّة حول جفاف مياه البئر وماذا سيحلّ بهم إن حدث ذلك.
في صباح يوم تسفيه الرياح العاتية ذهب صالح ليشعل مولّد البئر ويضخّ المياه للسقاية وتأمين مياه المنزل قبل اشتداد العاصفة فبادره المولد بالصمت، ارتعدت فرائصه هنيهة وقرر إخراج الماء بشكل يدوي فألقى أشطان البئر ليخرج الماء فبادره القدر المعدني بصدى الفراغ، وفي هذه اللحظة انفجر صوت في داخله يردد كلمات والده: "يا صالح احذر عطش الغد" وبدأ عقله يحاول مرارًا إيجاد الحلول والرياح بدأت تنال منه وتيبّس أطرافه ليرى من نفسه مرتابًا عاجزًا عن فعل شيء.
عاد لمنزله خالي الوفاض شاحب الوجه نادمًا لهدره الماضي لمياه بئرهم، سأله والده: أين المياه يا صالح؟ لكن صالح لم ينبس ببنت شفة واكتفى بنظرات الذنب القاتلة تجاه والده المسنّ ووالدته العجوز المريضة، فأجابه صالح: لقد جفّت مياه البئر يا أبتي، الأب: سامحك الله يا ولدي سامحك الله، وفي عينيه الحسرة، وماذا تُرانا فاعلين الآن يا صالح؟ قال صالح: سأحفر بئرًا جديدة سأحاول حفرها بكلتا يدي، أرجوك لا تحزن يا أبي أرجوك، وخرج وقد اشتدّت العاصفة المطرية فبدأ صالح بوضع الأوعية والقُدور الكبيرة ليجمع فيها مياه الأمطار ويصرخ بأعلى صوته يا رب سامحني يا رب، لا تحرمنا رزقك.
بعد عودته مُبلّل الثياب وجد أبيه ووالدته يجلسان بحزن والهم قد اعتلى عيونهم، فقال لهم بنبرة حزينة مليئة باللهفة: لقد امتلأت الأوعية بفضل الله من مياه المطر، سكتا وبادراه بنظرات اللوم، فذهب لغرفته ليخلد إلى نومه وهو يرتجف وبدأ بالبكاء المرّ، فالذنب شعور كفيل بقتل صالح الذي عاش مع والديه مساعدًا لهم ومعيلًا فكيف له أن يقترف هكذا ذنب، طال ليل صالح بين بكاء حينًا ودعاء تارة، لعل الصباح يأتي بحلّ لمشكلته أو فرج من علم الغيب.
في الصباح استيقظ صالح ذات العينين المتورّمتين الناعستين، ويلفظ من صدره تنهيدة ساخنة بفعل نار صدره المتلوّع، نظر إلى الساعة فوجدها الثامنة صباحًا فصرخ وقام بسرعة تأخرتُ على والدي ثلاث ساعات، ارتدى وشك اللمح بالبصر ليخرج من غرفته بقفزات ليكمل ارتداء جزمته، وعندما فتح باب منزله صُعق بوالده الذي يجلس مع والدته وأمارات الفرح ظاهرة وسمع صوت المولّدة تصدح في أرجاء الأرض، فصرخ بصوت مرتجف تعلوه الضحكات المتتالية: البئر البئر يا أبي المياه عادت نعم عادت، فأجابه والده: نعم عادت، فأنا من قطع التيار الكهربائي عن المولّد ووضع في قعر البئر لوحًا خشبيًا لكيلا تستخرج منه الماء، فتهافتت ضحكات صالح وقبلاته لوالديه ودموع الذنب المغفور تلألأت على وجنتيه قائلًا بكلمات متقطّعة، لن أهدر الماء ما دمت حيًّا يا أبتي.
العبرة المستفادة من القصة أنّ أثر السلوك التقويمي في إصلاح أفعال الأبناء أكثر تأثيرًا من العِظات والتنبيهات اللفظية، فالسلوك يضع الإنسان بالتطبيق العملي للموقف مما يجعله يعيش الموعظة.
المراجع الوهمية:[٢]
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 30
- ↑ "موسوعة الديوان"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 14/02/2021م.