قصة: لقد أسمعت لو ناديت حيًا
جاءَ هذا المثل في صورة بيت شعري، فهو لم يذكر في الأصل بشكلٍ نثري، بل هو بيتُ دريد بن الصمّة:[١]
لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّاً
:::وَلَكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي
وأصبح يُقال في مواقف تصلح أن يقال فيها، من ذلك أنّه كان هنالك رجل كثير المال غني بين الناس، وكان كل يوم يجالس رجلا فقيرًا، ويأكل معه الخبز والماء، وكان له ولدٌ واحد، وكان هذا الولد مسرفًا مُقترًا، لا يحسب حسابًا للزمن وعواقبه، ولا يستمع إلى نصيحة أو لقول يهذب سلوكه، وقد كان له صحب يعتاشون عليه يزيدونه في طيشه وإسرافه، وكان والده يحاول أن ينصحه ويردعه، لكن ابنه لم يستمع لنصحه، واستمرّ على حاله.
ولمّا أحس الرجل باقتراب أجله، واشتدّ عليه مرضه، جمع أفضل خدمه وأكثرهم أمانةً وثقةً، وأمرهم أن يبنوا له سقفًا في موضعٍ من قصره، وأن يجعلوا لهذا السقف بابًا ينفتح إذا تمّ شده، وأمرهم أن يخزنوا في هذا السقف المال والذهب، ولمّا جهز نادى ابنه المسرف، وحاول نُصحه، إلا أن ابنه لم يستمع كعادته للنصيحة، فأنشد الأب بيت دريد بن الصمة.
لكن الأب أخذ من ابنه العهود والمواثيق ألا يبيع هذا القصر مهما صار حاله، وإن أصبح فقيرًا معدمًا لا يطيق حياته، أمره بأن ينتحر ويشنق نفسه تحت السقف الجديد، معللاً له ذلك بأن موته في قصره وبيته استر له من التسول، وطلب المعونة من الناس.
وبعد أن توفي الرجل، استمرّ ابنه في إسرافه وبذخه، وصحبة رفاق السوء، حتى نفد مال والده، فباع أملاكه، وصرف أمواله على ملذاته هو وأصحابه، حتى نفد كل ما عنده، وأضحى صحبه يتنكرون له، وينفضون من حوله، وكلما قصد أحدهم صده ورده، ولم يستقبله أحد سوى صديق والده الفقير الذي كان يحضر له كل يوم خبزًا وماء حتى ضاقت به الحياة.
فلما اشتد الحال به قرر أن يشنق نفسه، وأن يمتثل لوصية والده، ويعلق حبل المشنقة بالسقف الجديد، لكنه عندما شد الحبل على عنقه، انفتح الباب، وسقط الذهب والمال الذي خزنه والده له، ثم عمل بتجارة والده، وقرب صديقه الذي لم يتخلّ عنه.
وعندما علم صحبه السابقون بحاله وقصته، أعدّوا له وليمة فاخرة، وعندما حضرها، غمس كمّ ثوبه بالطعام ثم نهض، وأخبرهم أنهم قدموا دعوتهم لا له، إنما للباسه وهيئته، وقد لبّى لباسه الدعوة، أمّا هو فلم يلبها، فذهب هذا البيت الشعري مثلًا يُضرب، للشخص الذي لا يسمع النصيحة، ويستمر بالخطأ.
المراجع
- ↑ "لقد أسمعت لو نديت حيًا"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/1/2022.