قصة مثل: رب كلمة تقول لصاحبها دعني
التراثُ العربيُّ العريق يزخرُ بالحكمة والمعرفة والفَهم، وحينَ تسري الحكمة في عروقِ اللغة تنمو وتثمرُ العديدُ من التعبيراتِ المُختلفة بأشكالِها؛ لتُقدّم عُصارةَ تجاربٍ طويلةٍ بأكثرِ الجملِ إيجازًا وأقرَبِها إلىالبلاغةِ والأدب، وقد كانت الأمثالُ العربيةُ إحدى تلك الأشكالِ التي يُعبَّر فيها عن الموقف، فكانَ العرَبُ يوجِزونَ قِصّةً طويلةً في جملةٍ من عدةِ كلماتٍ؛ لتدلَّ عليها وتُشيرَ إلى هدَفِ القِصةِ ذاتها، ولعلَّ براعتهم في هذا المجالِ سبيلٌ واضحٌ إلى الوقوفِ على ذكائهم وبداهتهم وشدّة فصاحتهم في آنٍ واحد، وبعد أن تمَّ الحديث عن الأمثال عامةً سيقفُ هذا المقالُ عندَ مثَلٍ من أمثالِ العربِ، وهو قولهم ربَّ كلمةٍ تقول لصاحبها دعني، وفيما يأتي سيكون ذلك.
يُروى أنَ مَلِكًا من ملوكِ حِميَر في اليَمَن خرَجَ في رِحلةٍ يلتمس فيها شيئًا من الصيد، وقد اتَّخذَ في هذِهِ الرِّحلةِ نديمًا له كانَ يُصاحِبُهُ في أغلبِ رحلاتِهِ وأسفارهِ؛ ليسليه فيها فيقرّبهُ منهُ ويُكرِمهُ أشدَّ الكرم، فمرَّا أثناءَ رِحلتِهما بجانبِ صخرةٍ ملساءَ كوجه القمر، فوقفَ عليها النديمُ وقالَ للمَلِكِ: لو أنَّ رجلًا قتِلَ على هذهِ الصخرةِ فتراه إلى أيِّ مكانٍ سيصل دمه، فلم يتوانَ الملكُ عن تنفيذِ خاطِرٍ تبادرَ إلى ذهنهِ جرَّاء كلام النَّديم، وكأنَّ ذلك النديم قد ذكَّرَهُ بأمرٍ يحلو لهُ فعلُهُ.[١]
فأمر الملك أن يُذبح ذلك الغلام عليها ليرى إلى أين سيصل دمه، فذُبِحَ عليها ونفذ الأمر، فقالَ الملك: "رب كلمة تقول لصاحبها دعني"، فكأنَّ الكلماتِ تستنجد بذلك النديمِ كي لا يقولها حتى ينجو بنفسهِ من بطشِ الملكِ، وقد كانَ ذلكَ المثلُ تعبيرًا عن المعنى الذي يحثُّ الإنسانَ للتروّي والتفكيرِ بالكلامِ قبلَ النُطقِ بهِ، فرُبَّ كلمةٍ كانتْ وبالاً على صاحبها، وربَّ جملةٍ جرّتْ الويلات والعذاب لقائِلها.[١]
المراجع
- ^ أ ب "كتاب: مجمع الأمثال **"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-03. بتصرّف.