من هم التابعون
هم الذين جاؤوا بعد عصر النبوة، ولم يلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما صحبوا أصحابه، وقد جاءت أحاديثٌ تزكيّهم، كما في الحديث الصحيح: "خَيرُ النَّاسِ قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونهم، ثمَّ الَّذين يَلُونَهم.."[١]، والخيرية فيهم إنما هي خيرية فردية لا جماعية؛ إذ لم يكن عصرهم خاليًا تمامًا من المخالفات لمنهج النبوّة، وذلك بخلاف الصحابة؛ فهؤلاء خيريتهم جماعية متفقٌ عليها، ولعلَّ القيمة العليا التي تمتع بها التابعون؛ أنهم تتلمذوا على يد خير الأمة بعد رسولها -عليه السَّلام-، وهم الصَّحب الكرام، وهذا يعطيهم منزلة يقصُر عنها غيرُهم من اللاحقين، وسيسّلط هذا المقال الضوءَ على واحدةٍ من قصص التابعين إن شاء الله -تعالى-.
قصة من قصص التابعين
قبل البدء بالحديث عن واحدةٍ من أجمل قصص التابعين، فإنّ من الأهمية بمكانٍ أن نُيقنَ أنَّ ذكرَ القصة وحدَها دون التقيّد بما ورد فيها من عِبرةٍ وعِظةٍ لا يجدي صاحبه شيئًا، ولا يقطعُ فتيلًا، وقصص التابعين -رحمهم الله- لا تحملُ في طيّاتها عبرًا وفوائدَ إلا بالقدر الذي يجبُ أنْ تحملهُ من نية التغيير وإرادة التأسّي بهم؛ وبذا تتحقق الغاية المنشودة.
والقصة تدور عن الفضيل بن عياض الذي كان لصًّا يقطع الطريق على الناس وحده، وخرج ذاتَ يومٍ يقطع الطريق كعادته، فإذا هو بقافلةٍ انتهت إليه ليلًا وأحد أفرادها يقول: هلمّوا نعرّج قليلًا إلى تلك القرية حتى ننجوَ من قاطعٍ للطريق يمكثُ هنا ولا يسلم منه أحد، يقالُ له الفضيلُ بن عياض، وحين سمعهم الفضيل رقَّ قلبه وخشي العاقبة، وأخبرهم أنه هو الفضيل، وأنه لن يتعرَّض لأحدٍ منهم البتة، وأقسم على ذلك، ومن ثَمَّ فإنّ بإمكانهم أن يكملوا طريقهم دون خوفٍ منه أو توجّس، بل خرج يسعى لهم في طعامٍ يطعمونه هم ودوابّهم، وحين رجع سمع أحدَ قرّائهم يتلو قوله تعالى:{ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[٢]، فقال: بلى والله قد آن يا ربّ، وكان هنا مبتدأ توبته.[٣]
وقد وردت في قصة توبته روايةٌ أخرى تختلف عن هذه التي بين أيدينا في أنه كان يعشق جارية، وبينما كان ذات ليلةٍ يتسلّق الجدران ليصَل إليها فإذا به يسمع صوت قارئٍ يتلو قول الباري –عزَّ اسمه-: {ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[٢]، فقال: بلى يا ربُّ قد آن، وأعلن توبته من حينها، وصار بعدها من كبار العابدين الزاهدين، حتى أطلقَ عليه: عابدَ الحرمين، وأضحت قصة توبته من أجمل قصص التابعين، ومن أعظمهم أثرًا في النفوس.[٤]
أقوالُ مأثورةٌ للفضيل بن عياض
لعلَّ ما يجعلُ من أقول هذا التابعيِّ الجليلِ شديدةَ الأثر والأهمية، هو تنقّله بين مرحلة الطاعة ومرحلة الالتزام؛ ومنْ هنا فإنَّ التجربة التي تشتملُ عليها أقواله ونصائحه أكبرُ من أنْ تحيطَ بها ثنايا سُطورٍ، ولكنّا نوردُ بعضًا من أهمّها:[٥]
- احتمل أخاك إلى سبعين زلة، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: لأن الأخ الذي آخيته في الله ليس يزلّ سبعين زلة.
- الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحًا فإذا نزل به الموت، فالرجاء أفضل من الخوف.
- من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق.
- إني لأستحي من ربي أن أحزن لرزقي بعد رضائه.
- لا يزال العالِم جاهلًا بما علِم، حتى يعملَ به، فإذا عملَ به، كان عالماً.
- الاستغفار بلا إقلاعٍ توبة الكذَّابين.
- من خاف الله لم يضرَّه أحد، ومن خاف غيرَ الله لم ينفعْه أحد.
المراجع
- ↑ رواه البوصيري ، في إتحاف الخيرة المهرة، عن جعدة بن هبيرة، الصفحة أو الرقم: 7/337، مرسل.
- ^ أ ب سورة الحديد، آية: 16.
- ↑ "توبة الفضيل بن عياض"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "توبة عابد الحرمين الفضيل بن عياض"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019. بتصرّف.
- ↑ "درر من أقوال أئمة السلف - الفضيل بن عياض"، kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-05-2019.