محتويات
نبوة موسى وإرساله إلى فرعون
أرسل الله -عزّ وجلّ- نبيّه موسى -عليه السّلام- إلى بني إسرائيل ومن كان في عصرهم من الأمم، يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده،[١] وبيّن له منهاج الدّعوة وأسلوبها، فقال -تعالى-: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى*وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى).[٢]
وقد قامت دعوة موسى -عليه السّلام- على إصلاح عقيدة بني إسرائيل التي قامت على عبادة الأوثان، وحاول الحصول على حقوق بني إسرائيل، والعمل على إقامة دولة إسلاميّة تخلو من بطش فرعون وأمثاله، وكانت رسالة موسى كباقي رسالات الأنبياء من قبله؛ فقد قامت جميع الرّسالات السّماويّة على مبدأ توحيد الله والتّوجه إليه بالعبادة.[٣]
وقد أظهر الله على يد موسى تسع آيات بيّنات إلى فرعون وقومه، فقال -تعالى-: (وَلَقَد آتَينا موسى تِسعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَاسأَل بَني إِسرائيلَ إِذ جاءَهُم فَقالَ لَهُ فِرعَونُ إِنّي لَأَظُنُّكَ يا موسى مَسحورًا)،[٤][٥] ونذكر هذه الآيات فيما يأتي:[٤]
- العصا، فقال -تعالى-: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ).[٦]
- وضع يده في جيبه وإخراجها فإذا هي بيضاء من غير سوء، قال -تعالى-: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ).[٧]
- نقص الأموال والأنفس والثمرات، والجدب الذي أصاب الله به قوم فرعون، قال -تعالى-: (وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ).[٨]
- ما ذكره الله بقوله -تعالى-: (فَأَرسَلنا عَلَيهِمُ الطّوفانَ وَالجَرادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاستَكبَروا وَكانوا قَومًا مُجرِمينَ).[٩]
- طلبهم من موسى أن يدعو الله ليكشف عنهم الرّجز، قال -تعالى-: (وَلَمّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرِّجزُ قالوا يا موسَى ادعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفتَ عَنَّا الرِّجزَ لَنُؤمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرسِلَنَّ مَعَكَ بَني إِسرائيلَ).[١٠]
دعوة موسى لفرعون
أرسل الله موسى وأخيه هارون إلى فرعون، فخافا أن يظلمهما ويتجبّر بهما ويعاقبهما، فطمأنهما الله أنّه معهما يُعينهما وينصرهما، وأمرهما أن يأتيا فرعون ويقولا إنّا رسولا ربّك، فأرسل معنا بني إسرائيل، وعرض عليه موسى معجزته، فأدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء، لكنّ فرعون أخذ يجادلهما ويُنكر رسالتهما ودعوتهما، وسألهما عن ربّهما، وعن الأقوام السّابقة، فلمّا علما منه عدم الاستجابة أخبراه بالعذاب الدنيويّ والأخرويّ الذي سيحل على من كذّب وتولّى.[١١]
تحديد موعد للقاء موسى وسحرة فرعون
اتّهم فرعونُ موسى بالسّحر، فقال: (أَجِئتَنا لِتُخرِجَنا مِن أَرضِنا بِسِحرِكَ يا موسى)،[١٢] وأنّ ما جاء به موسى لا يتعدّى ما يُمكن أن يجيء به سحرة فرعون، وطلب فرعون من موسى أن يجعل بينهما موعداً للتّحدي بين موسى وسحرته، فقال: (فَاجعَل بَينَنا وَبَينَكَ مَوعِدًا لا نُخلِفُهُ نَحنُ وَلا أَنتَ مَكانًا سُوًى)،[١٣] فكان الموعد وقت الضّحى من يوم عيدهم، حيث يتفرّغ النّاس لمشاهدة التحدّي بوضوح دون أن يفوتهم منه شيء.[١٤]
ماذا حصل بين موسى والسحرة؟
جمع فرعون سحرته وأخبرهم بالتحدّي، فقال لهم موسى: (وَيلَكُم لا تَفتَروا عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا فَيُسحِتَكُم بِعَذابٍ وَقَد خابَ مَنِ افتَرى)،[١٥] لكنّهم اجتمعوا على موسى وأرادوا أن يتحدّوه، فلمّا التقوا به دعوه إلى التّراجع وخيّروه بين أن يبدأ هو أو يبدأوا هم، فطلب منهم موسى أن يُلقوا ما بأيديهم، وذلك من حسن تدبير موسى ليقدّموا كلّ ما لديهم، حتى إذا أتى دوره لا يستطيع أحد منهم معارضته.[١٦]
فلمّا ألقوا حبالهم وعصيهم خُيل للناس من سحرهم وحيلهم أنّها تسعى، فوقع الخوف في صدر موسى، فأوحى له الله تعالى ألّا يخاف، وأن يُلقي عصاه، فألقاها فإذا هي حيّةٌ تسعى بل وابتلعت حبالهم، فما كان من السّحرة إلّا أنّ آمنوا مع موسى -عليه السّلام-.[١٦]
ماذا فعل فرعون بالسحرة؟
كان إيمان السّحرة بدعوة فرعون إيماناً قويّاً راسخاً، لن يُغيّره تهديد فرعون وتخويفه لهم، والذي اتّهمهم بالاتّفاق مع موسى، فلمّا رأى منهم التّمسك والإصرار توعّدهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، والقتل والصلب في جذوع النّخل، فلم يهتموا بما توعّدهم، قال تعالى: (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم إِنَّ هـذا لَمَكرٌ مَكَرتُموهُ فِي المَدينَةِ لِتُخرِجوا مِنها أَهلَها فَسَوفَ تَعلَمونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُم وَأَرجُلَكُم مِن خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُم أَجمَعينَ)،[١٧] فلم يخافوا أو يتراجعوا عن إيمانهم لأنّ همّهم كان الآخرة وليس الدنيا.[١٨]
خروج موسى ببني إسرائيل
توعّد فرعون وحاشيته لموسى وقومه بالعذاب، وأضمروا لهم الأذى والقتل ليتخلّصوا منهم، وبدأ قوم فرعون بتحريضه ضد من آمن مع موسى، فكان التّهديد بقتل بني إسرائيل واستحياء نسائهم، فلمّا سمعوا بذلك خافوا، فطمئنهم موسى وأمرهم بالاستعانة بالله والصّبر على ما أصابهم، وأنّ العاقبة والجزاء سيكون لهم من عند الله على صبرهم، لكنّ خوفهم من تهديد فرعون كان قد طغى عليهم.[١٩]
وأذن الله تعالى لموسى بالخروج بهم من أرض مصر ليلاً، فخرج بقومه متوجّهاً ناحية البحر، فلمّا وصل البحر أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق حتى صار يبساً فسار بداخله هو ومن معه.[٢٠]
غرق فرعون
علم فرعون بخروج موسى مع القوم، فجمع جيشه ولحق بهم، واتّبع الطريق الذي اتّبعوه معتقداً أنّه طريق عام، حتى إذا صار وقومه في نصف البحر أطبق البحر عليهم فأغرقهم جميعاً، فقال وهو في الماء ما جاء الآية الكريمة: (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ)،[٢١] لكنّ الله أغرقه وجنوده أمام موسى ومن آمن معه.[٢٢]
المستفاد من قصة موسى وفرعون
شاءت إرادة الله واقتضت سنّته في خلقه أن ينصر عباده الذين آمنوا به، ويُهلك أعداءه الذي كفروا وتجّبرواً وطغوا في الأرض، وهذا هو ميزان الله العادل الذي يُعامل به خلقه منذ أن خلق آدم -عليه السّلام- إلى يوم القيامة، لا يختلف هذا الميزان ما بين جيل وجيل على مرّ الأزمان، وعندما طغى فرعون وبطش وتجبّر ونشر الفساد في الأرض، كان مصيره الهلاك، ونصر الله عباده المستضعفين في الأرض وأنعم عليهم بالنّعم الكثيرة.[٢٣]
أرسل الله موسى إلى بني إسرائيل الذين كان يحكمهم فرعون، فتوجه إليه موسى وعرض عليه معجزاته، لكنّه اتّهمه بالسّحر وواعده بالتّحدي بينه وبين سحرته، فلمّا اجتمعوا علموا أنّ ما جاء به موسى إنّما هو معجزة من عند الله آمنوا معه، وخرج موسى مع من آمن من بني إسرائيل، فلقيهم البحر فضرب موسى عصاه بالبحر فصار يابساً، وأتبعه في البحر فرعون وجنوده، حتى إذا خرج موسى من البحر أغرق الله فرعون ومن معه.
المراجع
- ↑ شمس الدين القرطبي ، الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام، القاهرة:دار التراث العربي، صفحة 462. بتصرّف.
- ↑ سورة النازعات ، آية:17-19
- ↑ مجموعة من المؤلفين ، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 153. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد أبو زهرة ، المعجزة الكبرى القرآن، القاهرة :دار الفكر العربي ، صفحة 289. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء ، آية:101
- ↑ سورة الشعراء ، آية:45
- ↑ سورة النمل ، آية:12
- ↑ سورة الأعراف ، آية:130
- ↑ سورة الأعراف ، آية:133
- ↑ سورة الأعراف ، آية:134
- ↑ محمد حجازي (1413)، التفسير الواضح (الطبعة 10)، بيروت:دار الجيل الجديد، صفحة 490-491، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة طه ، آية:57
- ↑ سورة طه ، آية:58
- ↑ عبد الكريم الخطيب ، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة :دار الفكر العربي، صفحة 802-803، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة طه ، آية:61
- ^ أ ب عبد الكريم الخطيب ، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة :دار الفكر العربي، صفحة 803-805، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:123-124
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة 1)، دمشق:دار الفكر، صفحة 706، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة 1)، دمشق:دار الفكر، صفحة 709-710، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد حجازي (1413)، التفسير الواضح (الطبعة 10)، بيروت:دار الجيل الجديد، صفحة 497-498، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة يونس، آية:90
- ↑ محمد حجازي (1413)، التفسير الواضح (الطبعة 10)، بيروت :دار الجيل الجديد ، صفحة 498، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة 1)، دمشق:دار الفكر ، صفحة 716، جزء 1. بتصرّف.