قصص من حياة التابعين

كتابة:
قصص من حياة التابعين

التابعون

التابعون هم المسلمون الذين جاؤوا بعد وفاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ومنهم من عاش في زمن رسول الله ولكنَّه لم يره أو يصاحبْهُ، كأويس القرني، ولا يكون التابعيُّ تابعيًا عند أكثر أهل العلم إلَّا إذا قابل أحد صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بينما يذهب بعض العلماء إلى أنَّ التابعيَّ هو من روى عن الصحابة وليس من قابلهم فقط، ولكنَّ الرأي الأول هو الراجح، وجدير بالذكر إنَّ عصر التابعين كان عصرًا من عصور الإسلام الذهبية، فقد سار التابعون على نهج كتاب الله سنة رسوله، ولم تكن الطوائف الإسلامية في عصر التابعين ظاهرة بعد، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على ما وردَ من قصص من حياة التابعين.

قصص من حياة التابعين

استمرَّ عصر التابعين قرابة قرنين من الزمن، فأعداد التابعين كثيرة، فكُثْرٌ همُ الناس الذين قابلوا صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقد وردَت في سِيَرِ السَّلف قصص من حياة التابعين -رحمهم الله-، ومن أشهره هذه القصص ما يأتي:

قصة أويس القرني وعمر بن الخطاب

إنَّ مما وردَ من قصص من حياة التابعين قصة التابعي الجليل أويس القرني مع الصحابي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد رواها أسير بن جابر -رضي الله عنه- قال: "كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إذَا أَتَى عليه أَمْدَادُ أَهْلِ اليَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ حتَّى أَتَى علَى أُوَيْسٍ؛ فَقالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: مِن مُرَادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَكانَ بكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لكَ وَالِدَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ له.."[١]، والله تعالى أعلم.[٢]

من قصص الحسن البصري

ومما ذكر من قصص من حياة التابعين قصة رُويت عن الحسن البصري، رواها رجل اسمه فرقد، قال فيها: "دخلنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟ فقال: ماله؟ فقلنا: دخلنا عليه آنفًا وهو يجودُ بنفسِهِ، فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق -وأومَأَ إلى صندوقٍ في جانب بيته- فقال: هذا الصُّندوق فيه ثمانون ألف دينار لم أؤدِ منها زكاةً ولم أصلْ منها رحمًا ولم يأكلْ منها محتاجٌ، فقلنا: يا أبا عبد الله فلمن كنتَ تجمعُها؟ قال: لروعةِ الزَّمان ومكاثرةِ الأقْرانِ وجفوةِ السُّلطان، فقال الحسن: انظروا من أين أتاه شيطانه، فخوفَهُ روعةَ زمانِهِ ومكاثرةَ أقرانه وجفوةَ سلطانه !؟ ثمَّ قال: أيُّها الوارث لا تُخدعن كما خُدع صويحبُك بالأمس جاءك هذا المال لم تتعبْ لك فيه يمينٌ ولم يعرقْ لك فيه جبينٌ، جاءك ممن كان له جموعًا منوعًا من باطلٍ جمَعَهُ ومن حقٍّ منعَهُ، ثمَّ قالَ الحسن: إنَّ يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيرهِ فيرزقه الله فيه الصَّلاح والإنفاق في وجوهِ البرِّ فيجدُ مالَهُ في ميزانِ غيرهِ"، والله أعلم.[٣]

من قصص محمد بن سيرين

ومما جاء من قصص من حياة التابعين، قصة جاءت عن التابعي محمد بن سيرين وهو تابعي جليل اشتهر في تفسير الأحلام، حيث جاء إليه رجل وقال له: "رأيتُ كأنَّ بيديَّ قدحًا من زجاجٍ فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء"، فقال له محمد بن سيرين: "اتَّقِ الله: فإنَّك لم ترَ شيئًا"، فقال الرجل: "سبحان الله"، فقال له ابن سيرين: "فمن كذبَ فما علي: ستلدُ امرأتكَ وتموتُ، ويبقى ولدُها"، وبالفعل ولدت امرأته ومات ولدها وماتت امرأته أيضًا، والله أعلم.[٤]

من قصص سعيد بن المسيب

وفي قصة من قصص سعيد بن المسيب، حجَّ عبد الملك بن مروان، وعندما وصل إلى المدينة، أرسل إلى سعيد بن المسيب ووقف على باب المسجد، فعندما أتى رسول عبد الملك إلى سعيد، قال له سعيد: "ما لأمير المؤمنين إليَّ حاجة، وما لي إليه حاجة، وإنَّ حاجته لي لغيرُ مقضيَّة"، فعاد الرجل إلى الملك وأخبره برد سعيد بن المسيب، فقال عبد الملك: "ارجع فقل له: إنَّما أريد أن أُكلِّمك، ولا تحركه"، فرجع الرجل وقال لسعيد ما طلب منه عبد الملك، فأجابه سعيد نفس الإجابة السابقة، فقال الرجل: "لولا أنَّه تقدم إليَّ فيك، ما ذهبتُ إليهِ إلا برأسِكَ؛ يُرسلُ إليك أميرُ المؤمنين يُكلِّمك تقول مثل هذا!"، فقال سعيد: "إن كان يُريد أن يصنع بي خيرًا فهو لك، وإن كان يريد غير ذلك، فلا أُحِلُّ حبوتي حتى يقضي ما هو قاضٍ"، فأتاه فأخبره، فقال: "رحم الله أبا محمد، أبى إلا صلابة"، والله أعلم.[٥]

أحاديث عن فضل التابعين

بعد ما ورد من قصص من حياة التابعين، سار التابعون على نهج النبوَّة، فحكموا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ويُفسَّر هذا في أنَّ التابعين أخذوا العلم والدِّين من صحابة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- مباشرة، وقد ذكر رسول الله فضل التابعين في بعض أحاديث، ومنها:[٦]

  • عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِن بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَتُهُمْ أيْمانَهُمْ، وأَيْمانُهُمْ شَهادَتَهُمْ"[٧].
  • روى جابر بن سمرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "أحسِنوا إلى أصحابي ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم.."[٨].

من هم أتباع التابعين

بداية يمكن القول إنَّ أهل العلم أجمعوا على أنَّ الصحابة هم الذين التقوا برسول الله وهم مؤمنون به وماتوا على الإيمان وتشير الروايات إلى أنَّ عهد الصحابة انتهى سنة 110 للهجرة، وأمَّا التابعون فهُمُ المسلمون الذين التقوا بأحدٍ من الصَّحابة الكرام وصاحبوه وأخذو عنه، ثم ماتوا على الإسلام حصرًا، وتشير الروايات إنَّ عصر التابعين انتهى سنة 181 للهجرة، أمَّا أتباع التابعين فهم المسلمون الذي التقوا بالتابعين وأخذوا عنهم العلم والفقه والدين، فأتباع التابعين لم يلتقوا الصحابة أبدًا وإنَّما صاحبوا التابعين وروا عنهم وماتوا على الإسلام، والله تعالى أعلم.[٦]

آخر من توفي من التابعين وأتباع التابعين

في ختام ما وردَ من حديث عن التابعين وقصص من حياة التابعين وأتباع التابعين، جدير بالذكر إنَّه ذكر أهل العلم إنَّ آخر صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- موتًا هو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي -رضي الله عنه- المُتوفَّى سنة 110 هجرية، أمَّا آخر التابعين موتًا فهو التابعي خَلَفُ بن خَلِيفَةَ الكوفي المعمَّر، وقد تُوفِّي في بغداد سنة 181 للهجرة وهو تابعي رأى الصحابي عمرو بن حُريث في صغره، أمَّا آخر أتباع التابعين موتًا فهو الحسن بن عرفة العبدي البغدادي، وقد تُوفِّي في مدينة سامراء سنة 257 هجرية، وقد روى الحسن عن آخر التابعين موتًا وهو خلف بن خليفة الكوفي المعمَّر، والله أعلم.[٩]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسير بن جابر، الصفحة أو الرقم: 2542، صحيح.
  2. "أويس القرني المرادي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
  3. "وقفات ومواعظ من حياة الحسن البصري"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
  4. "محمد بن سيرين .. رائد تفسير الرؤى والأحلام"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
  5. "سعيد بن المسيب"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "من هم التابعون؟ ومن هم أتباع التابعين؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6429، صحيح.
  8. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 6728، أخرجه في صحيحه.
  9. "خر من مات من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-07-2019. بتصرّف.
3819 مشاهدة
للأعلى للسفل
×