قصيدة صوت صفير البلبل
تعدّ قصيدة يا ليتني أصمعي .. سمعت صوت صفير البلبل من القصائد الشهيرة، ونُسبت بالخطأ إلى الأصمعيّ، حيث شيعَ أنّ الأصمعيّ قالها أمام الخليفة العباسيّ أبي جعفر المنصور، والحقيقة أنّ كليهما بريءٌ منها؛ حيث إنّ القصيدة عُرضت على بعض القُصّاص وبيّنوا بالبراهين سبب عدم ثبوت هذه القصيدة عن الأصمعيّ وأنكروا نسبتها إليه، وبيّنوا أنّ الجهات التي أُخذت المعلومات عنها هي من الجهات غير الموثوقة، كما أنّ الرواية تقتضي إضافة صفة الاحتيال للخليفة أبي جعفر المنصور؛ والذي هو بريءٌ منها.
قصة القصيدة
يقتضي التنويه أنّنا سنذكر رواية القصيدة بذات الأسماء التي يتناقلها النّاس رغم عدم صحّتها؛ لعدم معرفة الشخوص الحقيقيين لها ولتعارف العامّة على ذلك.
كان الخليفة العباسيّ أبي جعفر المنصور يضيّق على الشعراء ويتحدّاهم في جلب قصيدة من تأليفهم لم يسمعها مسبقاً على الإطلاق، وكان الخليفة يحفظ القصيدة من أوّل مرّة يسمعها فيها، وكان يدّعي أنّه سمعها من قبل وحفظها، فما إن ينتهي الشاعر من سرد قصيدته حتّى يُعيد الخليفة سردها مرّةً ثانيةً له، وكان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرّتين، فكان يأتي به لسردها بعد أن يقولها الشاعر ويقولها هو، وكانت لديه جارية تحفظ القصيدة من المرّة الثالثة، فيأتي بها لتسردها بعد أن يسردها الشاعر والخليفة والغلام، ليؤكد الخليفة للشاعر بأنّ القصيدة قيلت من قبل، رغم أنّها واقعاً من تأليفه.
كان الخليفة يكرر الأمر مع كافّة الشعراء، مما أصابهم بالإحباط والخيبة، خصوصاً أنّ الملك كان وعد بمكافأة للقصيدة التي لا يتمكّن من سردها، وهي عبارة عن ذهب بوزن ما كتبت عليه القصيدة؛ فسمع الأصمعي ذلك، وأعدّ قصيدة تحمل كلمات متنوّعة ومعانٍ غريبة، ولبس رداء الأعراب وتنكّر؛ حيث إنّه كان معروفاً لدى الخليفة، فدخل عليه وأخبره أنّ لديه قصيدة يرغب بإلقائها عليه، ولا يعتقد أنّه سمعها من قبل، فطلب منه الخليفة إلقاءها، فردّد القصيدة.
أبيات القصيدة
صوت صفير البلبلي
- هيج قلبي الثملي
الماء والزهر معا
- مع زهرِ لحظِ المٌقَلي
وأنت يا سيدَ لي
- وسيدي ومولي لي
فكم فكم تيمني
- غُزَيلٌ عقيقَلي
قطَّفتَه من وجنَةٍ
- من لثم ورد الخجلي
فقال لا لا لا لا لا
- وقد غدا مهرولي
والخُود مالت طربا
- من فعل هذا الرجلي
فولولت وولولت
- ولي ولي يا ويل لي
فقلت لا تولولي
- وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا
- انهض وجد بالنقلي
وفتية سقونني
- قهوة كالعسل لي
شممتها بأنافي
- أزكى من القرنفلي
في وسط بستان حلي
- بالزهر والسرور لي
والعود دندن دنا لي
- والطبل طبطب طب لي
طب طبطب طب طبطب
- طب طبطب طبطب طب لي
والسقف سق سق سق لي
- والرقص قد طاب لي
شوى شوى وشاهش
- على ورق سفرجلي
وغرد القمري يصيح
- ملل في مللي
ولو تراني راكبا
- على حمار اهزلي
يمشي على ثلاثة
- كمشية العرنجلي
والناس ترجم جملي
- في السوق بالقلقللي
والكل كعكع كعِكَع
- خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هاربا
- من خشية العقنقلي
إلى لقاء ملك
- معظم مبجلي
يأمر لي بخلعة
- حمراء كالدم دملي
أجر فيها ماشيا
- مبغددا للذيلي
أنا الأديب الألمعي من
- حي أرض الموصلي
نظمت قطعا زخرفت
- يعجز عنها الأدبو لي
أقول في مطلعها
- صوت صفير البلبلي
ردة فعل الخليفة
قال الخليفة: يا غلام ويا جارية، فأجابا أنّهما لم يسمعا بها من قبل، فطلب الخليفة من الشاعر إحضار ما كتب عليه ليزنه ويعطيه وزنه ذهباً، فقال للخليفة أنّه ورث عمود رخامٍ عن أبيه لا يحمله إلا عشرة من الجنود، وكتب القصيدة عليه، فأحضروه فوزن الصندوق كلّه، فأشار الوزير للخليفة أنّه يعتقد أنّ هذا الفعل لن يصدر إلّا عن الأصمعيّ، فأمر الخليفة الأصمعي بإزالة اللثام، فأزال لثامه فإذا به الأصمعيّ، فتعجّب الخليفة من فعله، وأجابه الأصمعيّ أنّه اضطر لفعله ذلك بسبب قطعه لرزق الشعراء، فأمر الخليفة الأصمعي بإعادة المال، لكنّه رفض، وكرّر ذلك عليه، ثمّ وافق بشرط أن يُعطي الخليفة الشعراء عن قصائدهم، فوافق الخليفة.