قصيدة محمود سامي البارودي عن الوطن

كتابة:
قصيدة محمود سامي البارودي عن الوطن


قصيدة محمود سامي البارودي عن الوطن

يُعدّ الشاعر محمود سامي البارودي من أكثر الشعراء الذين فاض شعرهم بقصائد عن الوطن وحبه والشوق إليه ونحو ذلك، وفيما يأتي وقفة مع أبرز قصائده عن الوطن:


قصيدة أترى الحمام ينوح من طرب معي

يقول البارودي:


أَتُرَى الْحَمَامَ يَنُوحُ مِنْ طَرَبٍ مَعِي

وَنَدَى الْغَمَامَةِ يَسْتَهِلُّ لِمَدْمَعِي

مَا لِلنَّسِيمِ بَلِيلَةً أَذْيَالُهُ

أَتُرَاهُ مَرَّ عَلَى جَدَاوِلِ أَدْمُعِي

بَلْ مَا لِهَذا الْبَرْقِ مُلْتَهِبَ الحَشَا

أَسَمَتْ إِلَيْهِ شَرَارةٌ مِنْ أَضْلُعِي

لَمْ أَدْرِ هَلْ شَعَرَ الزَّمَانُ بِلَوْعَتِي

فَرَثَى لَهَا أَمْ هَاجَتِ الدُّنْيَا مَعِي

فَالْغَيْثُ يَهْمِي رِقَّةً لِصَبَابَتِي

وَالطَّيْرُ تَبْكِي رَحْمَةً لِتَوَجُّعِي

خَطَرَاتُ شَوْقٍ أَلْهَبَتْ بِجَوَانِحِي

نَاراً يَدِبُّ أَزِيزُهَا فِي مسْمَعِي

وَجَوىً كَأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ لَمْ يَدَعْ

لِلصَّبْرِ بَيْنَ مَقِيلِهِ مِنْ مَفْزَعِ

يَا أَهْلَ ذَا النَّادِي أَلَيْسَ بِكُمْ فَتَىً

يَرْثِي لِوَيلاتِ الْمَشُوقِ الْمُولَعِ

أَبْكِي فَيَرْحَمُنِي الْجَمَادُ وَلا أَرَى

خِلاً يَرِقُّ إِلَى شَكَاتِي أَوْ يَعِي

فَإِذَا دَعَوْتُ بِصَاحِبٍ لَمْ يَلْتَفِتْ

وَإِذَا لَجَأْتُ إِلَى أَخٍ لَمْ يَنْفَعِ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّنِي أَشْكُو الْهَوَى

وَالذَّنْبُ لِي فِي كُلِّ مَا أَنَا مُدَّعِي

قَدْ طَالَمَا يَا قَلْبُ قُلْتُ لَكَ احْتَرِسْ

أَرَأَيْتَ كَيْفَ يَخِيبُ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ

أَوْقَعْتَ نَفْسَكَ فِي حَبَائِلِ خُدْعَةٍ

لا تُسْتَقَالُ فَخُذ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعِ

يَا ظَبْيَةَ الْمِقْيَاسِ هَذَا مَدْمَعِي

فَرِدِي وَهَذَا رَوْضُ قَلْبِي فَارْتَعِي

إِنْ كَانَ لا يُرْضِيكِ إِلَّا شِقْوَتِي

فَلَقَدْ بَلَغْتِ مُنَاكِ مِنْهَا فَاقْنَعِي

أَنَا مِنْكِ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا تَنْقَضِي

أَيَّامُهَا وَغَوايَةٍ لَمْ تُقْلِعِ

فَثِقِي بِمَا تُمْلِيهِ أَلْسِنَةُ الْهَوَى

وَهْيَ الدُّمُوعُ فَحَقُّهَا لَمْ يُدْفَعِ

لا تَحْسَبِي قَوْلِي خَدِيعَةَ مَاكِرٍ

إِنَّ الْوَفِيَّ بِعَهْدِهِ لَمْ يَخْدَعِ

إِنِّي لأَقْنَعُ مِنْ هَوَاكِ بِنَظْرَةٍ

وَأَعُدُّهَا صِلَةً إِذَا لَمْ تَمْنَعِي

هَذِي مُنَايَ وَحَبَّذَا لَوْ نِلْتُهَا

عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَهْيَ أَكْبَرُ مُقْنِعِ.[١]


قصيدة واطول شوقي إليك يا وطن

يقول البارودي:


وَاطُولَ شَوْقِي إِلَيْكَ يَا وَطَنُ

:::وَإِنْ عَرَتْنِي بِحُبِّكَ الْمِحَنُ 

أَنْتَ الْمُنَى وَالْحَدِيثُ إِنْ أَقْبَلَ الـ

ـصُبْحُ وَهَمِّي إِنْ رَنَّقَ الْوَسَنُ

فَكَيْفَ أَنْسَاكَ بِالْمَغِيبِ وَلِي

فِيكَ فُؤَادٌ بِالْوُدِّ مُرْتَهَنُ

لَسْتُ أُبَالِي وَقَدْ سَلِمْتَ عَلَى الدْ

دَهْرِ إِذَا مَا أَصَابَنِي الْحَزَنُ

لَيْتَ بَرِيدَ الْحَمَامِ يُخْبِرُنِي

عَنْ أَهْلِ وُدِّي فَلِي بِهِمْ شَجَنُ

أَهُمْ عَلَى الْوُدِّ أَمْ أَطَافَ بِهِمْ

وَاشٍ أَرَاهُمْ خِلافَ مَا يَقِنُوا

فَإِنْ نَسُونِي فَذُكْرَتِي لَهُمُ

وَكَيْفَ يَنْسَى حَيَاتَهُ الْبَدَنُ

أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِمَضْيَعَةٍ

تَكْثُرُ فِيهَا الْهُمُومُ وَالإِحَنُ

بَيْنَ أُنَاسٍ إِذَا وَزَنْتَهُمْ

بِالذَّرِّ عِنْدَ الْبَلاءِ مَا وَزَنُوا

لا فِي مَوَدَّاتِهِمْ إِذَا صَدَقُوا

رِبْحٌ وَلا فِي فِرَاقِهِمْ غَبَنُ

مِنْ كُلِّ فَظٍّ يَلُوكُ فِي فَمِهِ

مُضْغَةَ سُوءٍ مِزَاجُهَا عَفِنُ

يَنْضَحُ شِدْقَاهُ بِالرُّؤَالِ كَمَا

عُلَّ بِنَضْحِ الْعَتِيرَةِ الْوَثَنُ

شُعْثٌ عُرَاةٌ كَأَنَّهُمْ خَرَجُوا

مِنْ نَفَقِ الأَرْضِ بَعْدَ مَا دُفِنُوا

لا يُحْسِنُونَ الْمَقَالَ إِنْ نَطَقُوا

جَهْلاً وَلا يَفْقَهُونَ إِنْ أَذِنُوا

أَرَى بِهِمْ وَحْشَةً إِذَا حَضَرُوا

وَطِيبَ أُنْسٍ إِذَا هُمُ ظَعَنُوا

وَكَيْفَ لِي بِالْمُقَامِ فِي بَلَدٍ

مَا لِي بِهَا صَاحِبٌ وَلا سَكَنُ

كُلُّ خَلِيلٍ لِخِلِّهِ وَزَرٌ

وَكُلُّ دَارٍ لأَهْلِهَا أَمَنُ

فَهَلْ إِلَى عَوْدَةٍ أَلُمُّ بِهَا

شَمْلِي وَأَلْقَى مُحَمَّداً سَنَنُ

ذَاكَ الصَّدِيقُ الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ

فَهْوَ بِشُكْرِي وَمِدْحَتِي قَمِنُ

عَاشَرْتُهُ حِقْبَةً فَأَنْجَدَنِي

مِنْهُ الْحِجَا وَالْبَيَانُ وَاللَّسَنُ

وَهْوَ إِلَى الْيَوْمِ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ

بِيَ الرَّزَايَا مُخَيِّلٌ هُتُنُ

يَنْصُرُنِي حَيْثُ لا يَكَادُ حَمٌ

يَمْنَحُنِي وُدَّهُ وَلا خَتَنُ

قَدْ كَانَ ظَنِّي يُسِيءُ بِالنَّاسِ لَوْ

لاهُ وَفَرْدٌ يَحْيَا بِهِ الزَّمَنُ

فَهْوَ لَدَى الْمُعْضِلاتِ مُسْتَنَدٌ

وَعِنْدَ فَقْدِ الرَّجَاءِ مُؤْتَمَنُ

نَمَّتْ عَلَى فَضْلِهِ شَمَائِلُهُ

وَنَفْحَةُ الْوَرْدِ سِرُّهَا عَلَنُ

لَوْ كَانَ يَعْلُو السَّمَاءَ ذُو شَرَفٍ

لَكَانَ بِالنَّيِّرَاتِ يَقْتَرِنُ

فَلْيَحْيَ حُرّاً مُمَتَّعاً بِجَمِيـ

ـلِ الذِّكْرِ فَالذِّكْرُ مَفْخَرٌ حَسَنُ.[٢]


قصيدة هل من طبيب لداء الحب أو راقي

يقول البارودي:


هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي

يَشْفِي عَلِيلاً أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ

قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً

حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي

حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي

يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ

أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ

وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ

لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ

وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وَإِطْرَاقِي

أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقَاً

فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي

تَقَلَّدَتْ مِنْ جُمَانِ الشَّهْبِ مِنْطَقَةً

مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرِ مِقْلاقِ

كَأَنَّ نَجْمَ الثُّرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ

دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ

يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ

وَلا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ

وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي حُلَلٍ

مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ

يَا حَبَّذَا نَسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ

يَسْرِي عَلَى جَدْوَلٍ بِالْمَاءِ دَفَّاقِ

بَلْ حَبَّذَا دَوْحَةٌ تَدْعُوالْهَدِيلَ بِهَا

عِنْدَ الصَّبَاحِ قَمَارِيٌّ بِأَطْوَاقِ

مَرْعَى جِيَادِي ومَأْوَى جِيرَتِي وَحِمَى

قَوْمِي وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي

أَصْبُو إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ وَيُعْجِبُنِي

أَنِّي أَعِيشُ بِهَا فِي ثَوْبِ إِمْلاقِ

وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارَاً قَدْ تَرَكْتُ بِهَا

أَهْلاً كِرَاماً لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي

إِذَا تَذَكَّرْتُ أَيَّامَاً بِهِمْ سَلَفَتْ

تَحَدَّرَتْ بِغُرُوبِ الدَّمْعِ آمَاقِي

فَيَا بَرِيدَ الصَّبَا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي

أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِي وَمِيثَاقِي

وَإِنْ مَرَرْتَ عَلَى الْمِقْيَاسِ فَاهْدِ لَهُ

مِنِّي تَحِيَّةَ نَفْسٍ ذَاتِ أَعْلاقِ

وَأَنْتَ يَا طَائِرَاً يَبْكِي عَلَى فَنَنٍ

نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ

أَذْكَرْتَنِي مَا مَضَى وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ

بِمِصْرَ وَالْحَرْبُ لَمْ تَنْهَضْ عَلَى سَاقِ

أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحاً

فِي فِتْيَةٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ

فَيَا لَهَا ذُكْرَةً شَبَّ الْغَرَامُ بِهَا

نَاراً سَرَتْ بَيْنَ أَرْدَانِي وَأَطْوَاقِي

عَصْرٌ تَوَلَّى وَأَبْقَى في الْفُؤَادِ هَوىً

يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ

وَالْمَرْءُ طَوْعُ اللَّيَالِي فِي تَصَرُّفِهَا

لا يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ

عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ

وَمَا عَلَيَّ إِذَا ضَنَّتْ بِرَقْرَاقِ.[٣]

المراجع

  1. "أترى الحمام ينوح من طرب معي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2022.
  2. "واطول شوقي إليك يا وطن"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2022.
  3. "هل من طبيب لداء الحب أو راقي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 9/2/2022.
5607 مشاهدة
للأعلى للسفل
×