كتاب الأمير لميكافيلي (كتاب في الفقه السياسي)

كتابة:
كتاب الأمير لميكافيلي (كتاب في الفقه السياسي)

التعريف بكتاب الأمير لميكافيلي

كتاب الأمير من تأليف الفيلسوف والمفكر الإيطالي نيقولا ميكافيلي، فعرف باسم مكافيلي نسبة لكاتبه الذي كتبه في إيطاليا قبل وفاته بأربعة عشر عامًا في القرن السادس عشر، وكُتب باللغة الإيطالية وهي لغة الكاتب الأم، وقد عني في كتابه بطرح الوسائل التي تحقق قوة الدولة، وتساعدها على توسيع سلطاتها في الخارج؛ لذا فقد اهتم ميكافيلي بتحقيق هذه الغاية المنشودة وغض الطرف عما إذا كانت وسائل تحقيقها تراعي المعايير الأخلاقية المسلَّم به. [١]

واستمد ميكافيلي مادة كتابه من تحليل ومراجعة التاريخ الروماني (كتاب المطارحات) ومن ملاحظة سياسات الدول، ورغم كل المحاولات التي بذلها ميكافيلي لينقذ نفسه من السمعة السيئة التي لاحقته بسبب سوء فهم الكتاب، إلا أنه من غير الممكن إنكار مدى أهمية الكتاب لدى العاملين في السلك الدبلوماسي والسياسي، وقيادة المؤسسات الضخمة.[١]

ويؤكد المتخصصون في القانون مدى أهمية الكتاب، فقد قام المحامي الدكتور فاروق سعد بتقديم ترجمة لها ضمنها في كتابه الذي يحمل عنوان تراث الفكر السياسي قبل الأمير وبعده، مع تقديم تعليقات وملحقات وشروحات لا غنى للقارئ عنها، نظرًا لصعوبة النص الأصلي المقتصر على مئة صفحة.[١]


موضوعات كتاب الأمير لميكافيلي

بالنظر إلى أهم الموضوعات التي طرحها الكتاب نجد بأن الكتاب تضمن مجموعة من الفصول وهي عبارة عن رسائل وجهها ميكافيلي إلى قائد البلاد لإصلاح حالها، وإنقاذها من الهلاك، أهمها:


رسالة ميكافيلي إلى الأمير، وأنواع الحكومات

أول هذه الرسائل السياسية تحمل عنوان "من نيقولا إلى لورونزو الابن العظيم لبيرو دي ميديشي"، وفي هذه الرسالة يقدم كتابه على أنه هدية للقائد، وهي نتيجة اطلاعه ومعرفته بإنجازات الرجال العظام في التاريخ، أما الفصل الأول فيناقش أنواع الحكومات المختلفة، وطرق إقامتها، ويستشهد بالتجارب المحيطه بالبلاد على أنواع الحكم، مثل الوراثي، أو الممالك الجديدة، وهنا يؤكد ميكافيلي على أن الوصول إلى الحكم بالوراثة أسهل بكثير من الوصول له بالممالك الجديدة.[٢]


السيطرة على الممالك المختلطة

هنالك نوع من الممالك يطلق عليه ميكافيلي اسم الممالك المختلطة، التي بعضها قديم وبعضها جديد فيحدث اضطراب نتيجة ضم ممالك جديدة، فيصعب السيطرة عليها، [٢] ويناقش ميكافيلي قضية تمرد الممالك، وذلك تحت عنوان "لماذا تتمرد مملكة داريوس التي احتلها الإسكندر على حلفائه بعد وفاته"، والسبب في التمرد هي طريقة الحكم، ويسهب ميكافيلي في طرق الحكم في الفصل اللاحق، خاصةً للمدن التي تم ضمها بعد احتلال، وكانت قبل احتلالها تسودها قوانين خاصة بها.[٣]


التوسع الجغرافي وضم دويلات جديدة

وعندما تقوم دولة بضم دويلات جديدة بقيادة الأمير، فإن سيطرته عليها تعتمد على قدرة الأمير، ويؤكد ميكافيلي على الصعوبات التي سيواجهها الأمير في هذه الحالة، وفي الفصل السابع يناقش ميكافيلي طريقة حصول الأمير على الممالك الجديدة واعتلاء منصب الإمارة، والصعاب التي تواجهه عندما يستقر في منصبه، ويوجه ميكافيلي العديد من النصائح للأمير، بهدف المحافظة على سلطته، وإمارته وأهم ما يجب أن يتحلى به الأمير هو الذكاء والعبقرية الفذة؛ ليعرف كيف يأمر وينهي.[٤]


حكم الإمارات المدنية

أما أهم الأمور التي تناولها ميكافيلي في كتابه هو حكم الإمارات المدنية، وفي حكم مثل هذه المدن لا يمكن للأمير أن يعتمد على الحظ، بل يجب أن يكون ماكرًا وقويًا؛ لأن هذا المنصب في الإمارات المدنية لا يصل إليه الأمير إلا برغبة من الشعب أو من خلال مساندة الطبقة الأرستقراطية له، ومن يصبح أميرًا من خلال مساندة النبلاء والأرستقراطيين يواجه مشكلات كبيرة في الحفاظ على سلطته، أهمها صعوبة إرضاء النبلاء ومن يصل إلى منصب الإمارة عن طريق استفتاء الشعب ونزولًا عند رغبته فلا بد أن يحافظ على محبتهم له بأي وسيلة. [٥]


دور المعجزات في السياسة كخاتمة للكتاب

وفي الفصل الأخير من كتاب الأمير، كتب مكيافيلي نصيحة تتسم بأنها عاطفية للأمير للاستيلاء على إيطاليا وتحريرها من البرابرة، مثل فرنسا وإسبانيا، وهي أن يكون أميرًا مقدامًا تمامًا، مثلما قاد موسى شعب إسرائيل إلى أرض الميعاد وهذه من المعجزات، وهنا يعول ميكافيلي على دور المعجزات في تحفيز الأمير والمضي قدمًا، وأخيرًا ختم ميكافيلي باقتباس من إحدى القصائد الوطنية.[٦]


منهج الكتابة في كتاب الأمير لميكافيلي

ينبغي الإشاررة إلى أن ميكافيلي لا يستخلص وصاياه من الفلسفات المثالية في الدولة، وإنما من خلال اطلاعه على تاريخ الدول المحيطة بإيطاليا، والحضارات السابقة مثل الحضارة الرومانية، وبالتالي فإن كتاب الأمير يعد نقطة تحول في تاريخ الفلسفة السياسية عبر العصور وهو ما يجعله مختلفًا عن كتابات أفلاطون حول طبيعة الحكم في كتابه الجمهورية، فهو ينتمي إلى التيار الواقعي الذي يعتمد على التجربة، ويستشهد بشكل كبير بالأحداث التاريخية، ويوظف المنهج التاريخي كأداة للوصول إلى قواعد لضمان بقاء السلطة في يد الأمير.[٧]


أهمية قراءة كتاب الأمير لميكافيلي

تكمن أهمية كتاب الأمير في عدة أمور أهمها:

  • يوجه العديد من النصائح المهمة للقارئ مثل التحكم الصحيح في الشعوب، والعكس فالشعوب تستطيع التحكم بالسياسين، وفي حالة كانوا فاسدين، ينبغي معرفة الطريقة التي يفكرون بها.
  • يشكل خارطة فهم الساحة السياسية؛ فالهدف من هذا الكتاب هو توضيح رغبات الحكام والقادة السياسيين سواء كانت معلنة أو مخفية، ويبين العلاقة الواقعة بين الأخلاق والسياسة، وكيفية توظيف المكر للحفاظ على السلطة.
  • محاولة معرفة الإجابة على سؤال هل على القائد أن يكون محبوبًا، وصل إلى السلطة برغبة من الشعب، أم أن يكون مهيبًا يخافه الشعب، ومن هنا يوظف ميكافيلي الهيبة والمظهر الخارجي والشخصية القوية التي ينبغي على الأمير أن يتحلى بها، ولا مانع من أن لا يفي بعهوده، أو أن يكذب في حالة اضطر للجوء إلى مثل هذه الأساليب.[٨]
  • للكتاب أثر كبيرعلى الفلاسفة والأدباء، ومن الممكن ملاحظة تأثير مكيافيلي في العديد من الشخصيات المهمة عبر التاريخ، مثل الفيلسوف سبينوزا، وهوبز، وروسو، فهناك شخصيات أدبية تأثرت بكتاب الأمير مثل جون ميلتون وشكسبير، الذي يعتقد بعض النقاد أنه كان مصدر إلهام لشخصية ياغو في المأساة عطيل.[٨]
  • تأثرت العديد من الشخصيات الثورة وقادة الدول عبر التاريخ، بكتاب الأمير، فمعظم الثوريين الأمريكيين استلهموا أفكارهم منه، وقرأه شخصيات سياسية دكتاتورية مثل ستالين وموسوليني وكان المافيا الإيطاليون والأمريكيون يعدونه إنجيل المافيا.[٨]
  • يشكل الكتاب خريطة فهم للأوضاع السياسية، وللسلطات التي تصمد أمام نوائب الدهر، ويؤكد المفكرون على أن الأجزاء الخاصة بالرأي العام من كتاب الأمير بالغة الأهمية في زمننا الحاضر.[٨]


آراء نقدية حول كتاب الأمير لميكافيلي

وجهت العديد من الانتقادات إلى كتاب الأمير، أهمها:

  • التعقيدات التي تواجه أي قارئ للكتاب تصل إلى درجة صعوبة الحصول على قراءة عادلة لنوايا ميكافيلي الحقيقية، فيقال إنه كُتب لغايات شخصية، وللتقرب من الأمير، ونيل مكانة مرموقة.[٩]
  • جعل الأعمال غير الأخلاقية ذات دور مهم للبقاء في السلطة، مما يجعل كتاب الأمير نقطة تحول في كتب الفكر السياسي، والتنظير السياسي، وكذلك فإنه برر العنف لغايات البقاء في السلطة، وفي حال تطلب الأمر التخلي عن الأخلاق، فيجب التخلي عنها، حسب وجهة نظر ميكافيلي.[٩]
  • التشكيك في علمية الكتاب وتأثيره في العلوم السياسية الحديثة.[٩]
  • ارتباط اسم ميكافيلي بالشر، بعد صدور كتابه وطباعته؛ وذلك نظرًا لما تضمنه الكتاب من أفكار أدت إلى فصل السياسة عن الأخلاق، ووصفه البعض بأنه أمير الشر، وقال أحد النقاد أنه يريد تدمير البشرية بهذه الأفكار.[٩]
  • اتباع الفكرة التي تقول بأن الطبيعة البشرية هي بالأساس سيئة، والإنسان بطبيعته كائن شرير، ويرجع السبب في ذلك إلى الواقعية السياسية التي سار عليها كمنهج، والبحث فيما هو كائن وواقع، بدلًا من البحث فيما يجب أن يكون، وبهذا برر سوء الأمير في بعض المواقف، كضرورة للسلطة.[١٠]


اقتباسات من كتاب الأمير لميكافيلي

يقول ميكافيلي في كتاب الأمير:

  • "من يريد الخير لن ينعم به أبدًا إذا كان حوله الكثير من الأسرار، بذلك يجب على الأمير الذي يريد الحفاظ على نفسه أولًا، أن يعرف كيف يكون خيرًا وليس شريرًا، ومتى يستخدم هذه الصفة، ومتى لا يستخدمها حسب الضرورة".[١١]
  • "يجب على الأمير ألا يعبأ بأن يوصف بالشدة؛ مادامت هذه الشدة من أجل الحفاظ على مواطنيه وولائهم له".[١٢]
  • "يجب على الأمير أن يعرف كيف يقلد الثعلب والأسد". (كناية عن المكر والقوة)[١٣]



المراجع

  1. ^ أ ب ت فاروق سعد، تراث الفكر السياسي قبل الأمير وبعده، صفحة 246_247. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ميكافيلي، الأمير، صفحة 17-23. بتصرّف.
  3. ميكافيلي، الأمير، صفحة 32-36. بتصرّف.
  4. ميكافيلي، الأمير، صفحة 42-43. بتصرّف.
  5. ميكافيلي ، الأمير، صفحة 56-57. بتصرّف.
  6. "The Prince of Niccolò Machiavelli", britannica, Retrieved 2/9/2021. Edited.
  7. ستيفن ديلو ، التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني، صفحة 148-155. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث "Top 5 Reasons Why Machiavelli’s The Prince is A Must Read", medium, Retrieved 2/9/2021. Edited.
  9. ^ أ ب ت ث "A critical review of Machiavelli’s The Prince", sitater, Retrieved 2/9/2021. Edited.
  10. "A Critique of The Prince by Niccolo Machiavelli (Part II)", theforeignpolicyanalyst.wordpress, Retrieved 2/9/2021. Edited.
  11. ميكافيلي، الأمير، صفحة 80. بتصرّف.
  12. ميكافيلي، الأمير، صفحة 85. بتصرّف.
  13. ميكافيلي، الأمير، صفحة 89-90. بتصرّف.
9200 مشاهدة
للأعلى للسفل
×