كتب الأدب العربي الحديث

كتابة:
كتب الأدب العربي الحديث

الأدب

إذا عاد القارئ إلى جذور كلمة "أدب" ومعانيها فإنّه سيجدها في قول ابن فارس: الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه: فالأدْب أن تجمع النّاس إلى طعامك، ثمّ تطوّرت في صدر الإسلام إلى التأدّب؛ أيْ: أدبُ النّفس والدّرس، ومنه قوله -عليه الصّلاة والسّلام-: "أدّبني ربّي فأحسن تأديبي" [١]، ثمّ تطوّر المعنى إلى أن صار يعني ما يُعرف اليوم من أشكال التعبير عمّا يعتلج صدر الأديب من مشاعر وهموم وغيرها، والأدب العربي ينقسم عدّة أقسام بحسب العصور؛ فيبدأ تأريخه من العصر الجاهلي، ولعلّ أهمّ عصوره اليوم هو العصر الحديث، وإنّ أهمّ مصدر من مصادر معرفة الأدب الحديث هي كتب الأدب العربي الحديث.

الأدب العربي الحديث

بحسب كتب الأدب العربي الحديث فإنّ تاريخ الأدب العربي الحديث يعود إلى القرن التّاسع عشر، وتقول هذه الكتب إنّ حملة نابليون التي رمى من ورائها إلى احتلال مصر كانت الشّرارة التي أشعلت الأدب العربي الحديث؛ إذ كان الأدب العربي يعيش سباتًا طويلًا بسبب القرون الأربعة التي قضاها العرب بين أحضان السلطنة العثمانيّة؛ فقد كانت اللغة الرسميّة في دوائر الدّولة هي اللغة التّركيّة، وتأتي العربيّة لغةً للعلم، وكانت تقتصر على تعاملات العرب فيما بينهم، وعلى كتابات الأدباء التي لم ترقَ إلى كتابات الأدباء في العصور التي خلت، لا شعرًا ولا نثرًا، ولذا فقد تراجع الأدب تراجعًا ملموسًا في هذه المدّة، وبخاصّة الشّعراء؛ إذ ليس ثمّة حاكمٌ يفهم العربيّة فيمدحونه كما كان أسلافهم مثل المتنبي والأعشى وغيرهم، ولم يكن ثمّة شعب يعي الموضوعات الكبيرة للشّعر فيجتهد الشّعراء في الكتابة من أجله. [٢]

ولكنّ هذا الوضع قد تغيّر مع نهايات حكم العثمانيّين للبلاد العربيّة؛ إذ ظهرت ردّات فعل بعد حملة نابليون المعروفة، بعد الصدام الحضاريّ بين الأوربيّين الذين كانوا يسبقون العرب بأشواط بعيدة في التقدّم المدني، وبين العرب الذين كانوا يعانون أسوأ لحظات التخلّف في كثير من مجالات حياتهم، ولا سيّما الأدبي، فظهرت حركة البعث والإحياء التي كان يتزعّمها الشّاعر المجاهد محمود سامي البارودي، وهدفت هذه الحركة إلى إعادة إحياء الشّعر العربيّ القديم من خلال معارضة قصائد الشّعراء الفحول السّابقين كالمتنبّي والمعرّي وغيرهما، فكانوا ينظمون قصائدهم معارضة لقصائد الأوائل؛ حتّى يرتقوا بالشّعر إلى مكان أعلى من القاع التي كان فيها لقرون طويلة! [٣].

وكان من روّاد هذه الحركة أمير الشّعر العربيّ أحمد شوقي، وكذلك الأمر بالنسبة للنّثر، فبسبب التّرجمة استطاع العرب إدخال فنون جديدة على النّثر العربيّ، كالرّواية مثلًا، وكذلك اختراع أنواع جديدة لم تكن في أدب العرب، كالرّسائل العاطفيّة الفلسفيّة التي اخترعها-كما يعترف هو نفسه في مقدّمة كتابه أوراق الورد-مصطفى صادق الرّافعيّ الذي كان يلقّب بمعجزة الأدب العربي، ولم يكن هذا الفنّ قبله البتّة، وكلّ ما سبق عن الأدب العربي الحديث مستمدّ من كتب الأدب العربي الحديث التي سيكون القسم القادم من المقال مخصّصًا للحديث عليها، مع تعريف بأهمّها على نحو موجز إن شاء الله تعالى. [٤]

كتب الأدب العربي الحديث

عند الحديث عن كتب الأدب العربي الحديث فيجدرُ ذِكر كتب قد أحاطت بقدر كبير من المعلومات الكافية عن هذه الحقبة من التّاريخ؛ ليكون قارئ هذه الكتب قد أحاط بعلم كبير عن هذا العصر بعد أن يقرأ كتابًا في هذا الباب، وهذه الفِقرة من المقال ستحدّث على بعض كتب الأدب العربي الحديث، مع إضاءة سريعة عليه من حيث كاتبه ومحتواه:

  • كتاب الأدب العربي الحديث: ألّفه أ. د. أيمن ميدان، وأ. د. أبو اليزيد الشرقاوي، ود. أحمد صلاح محمد، ويتحدّث هذا الكتاب على الأدب العربي الحديث من خلال تقسيم الكتاب ستّ وحدات: الأولى كانت بمثابة مِهاد تاريخيّ عن الإرهاصات التي سببت نشوء الأدب العربي الحديث، والوحدة الثانية كانت عن الاتجاهات الشعرية والمدارس التي نشأت في بداية هذا العصر، وأمّا الوحدة الثالثة فقد أفردها المؤلفون للحديث على الأدب المهجري، والرابعة تحدّثت على القصة القصيرة مع إضاءة على جذورها، والوحدة الخامسة كانت عن الرواية، والخامسة عن المسرحية بأشكالها كافّة. [٥]
  • كتاب في الأدب الحديث: ألّفه عمر الدسوقي، وهذا الكتاب من كتب الأدب العربي الحديث التي تخصصت بدراسة الأدب العربي الحديث في مصر فقط؛ كون مصر آنذاك كانت تضمّ معظم عمالقة الأدب العربي الحديث إن نثرًا أو شعرًا، وهذا الكتاب يقسم جزأين، يتحدّث في الجزء الأوّل على الأدب العربيّ الحديث منذ النشأة وحتّى بدايات القرن العشرين، ويتحدّث فيه على الشعر والنثر، كلّ على حدة، وفي الجزء الثاني يتحدّث على مظاهر النهضة القومية في مصر بأشكالها الثلاثة كما يذكر في كتابه هو، ويُعرّج فيه إلى الحديث على المدارس الأدبية التي كانت متنافسة آنذاك، من حيث الأفكار والرموز. [٦]
  • كتاب الأدب العربي المعاصر في مصر: ألّفه أحمد شوقي عبد السلام ضيف، المشهور بشوقي ضيف، وكان الأدب المعاصر وقتها هو الأدب الحديث عندنا اليوم، وهذا الكتاب كذلك هو من كتب الأدب العربي الحديث التي اختصّت بمصر، وظاهر ذلك من عنوان الكتاب، وتحدّث في هذا الكتاب على بدايات الشّعر الحديث، والإرهاصات التي سبقته، وعن التّيارات الأدبيّة التي كانت تتصارع على مدّ النفوذ أكثر من أيّ شيء آخر، ثم يتحدّث بعد ذلك على نهضة الشّعر، ومن ثَمَّ يتحدّث على أعلام الشّعر في مصر، ويعدّد ابرز الأعلام، ويمرّ على أبرزهم واحدًا واحدًا، ثمّ يتحدّث على النثر وفنونه، وبعدها يمرّ على أعلام النّثر أيضًا، ويعدّد أبرزهم، مع المرور عليهم سريعًا. [٧]

أعلام الأدب العربي الحديث

بعد الحديث حول كتب الأدب العربي الحديث التي أرّخَت لهذه الحقبة الزّمنيّة، لابدّ من الوقوف على أبرز اعلام الأدب الحديث الذين يرتبط اسمهم بلفظ الأدب الحديث فور ذِكرِه، وستكون هذه الفِقرة للحديث على علمين من أعلام الشّعر الحديث، وعلم من أعلام النّثر؛ علّهم أن يكونوا كافِينَ للقارئ الذي يريد التوسّع في الأدب الحديث، ومن أعلام الأدب العربيّ الحديث:

الشّاعر أحمد شوقي (1868-1932)

هو أحمد بن علي بن أحمد شوقي الملقّب أمير الشّعراء، ولد ومات في القاهرة، من أصول كردية، نشأ في قصر الحكم في مصر، تعلم في المدارس الحكومية، وبعدها درس سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا ليتابع دراسة الحقوق في مونبلييه، وفي رحلته هذه اطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م، كتبَ في معظم الفنون الشعرية كالمديح والرثاء والوصف والغزل والرثاء، وتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي أيضًا [٨]، وجدير بالذّكر أنّه رائد المسرح الشعري في الأدب العربي الحديث كما يظهر في مسرحيّاته: مجنون ليلى، مصرع كليوباترا، عنترة، وغيرها. [٩]

الشاعر بدر شاكر السيّاب (1926-1964)

وُلد في قرية جيكور جنوب شرقي محافظة البصرة العراقيّة، فقد والدته وهو بعمر الست سنوات، وكان لذلك اثر عميق في حياته، درس الابتدائية وما بعدها في مدارس البصرة، وانتقل بعدها إلى بغداد ليتابع تعليمه العالي في دار المعلمين العليا، واختار اختصاص اللغة العربيّة، ولكنّه بعد عامين انتقل إلى دراسة اللغة الإنكليزيّة، وتخرّج في دار المعلمين عام 1948. انخرط في سلك التّدريس، ولكنّه أوقف عن ذلك، وأودع السّجن بسبب ميوله السياسية اليساريّة، ودعواته لتحرير فلسطين من الإنكليز والصهاينة، وبعد خروجه من السجن بقليل اضطُر إلى الهرب إلى إيران، وبعدها إلى الكويت، وعاد أخيرًا إلى بغداد عام 1954، ولكنّه لم ينسجم مع أيّ من الأمكنة السابقة ولا حتّى بغداد، بل ظلّ يحنّ لمسقط رأسه قرية جيكور.

ويعدّ السيّاب من روّاد الشّعر الحر، ووقف من الشعر العربي الحديث موقفًا رافضًا معاديًا له، وانقلب على الأوزان وجعل الوزن يتبع حالته التي يمليها عليه شعره، وربما يعود ذلك إلى طبيعته الثوريّة التي كان عليها.[١٠]

الكاتب مصطفى صادق الرّافعي (1880-1937)

هو مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن عبد القادر الرافعي الذي يعود نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ولد في قرية بهتيم من محافظة القليوبيّة لأسرة هاجرت من طرابلس الشّام وكانت تعمل في القضاء. حفظ القرآن الكريم وهو بعد لم يبلغ العاشرة من عمره، وكان والده رئيسًا للمحاكم الإسلاميّة، وكان يأتي إلى بيته كبار العلماء والأدباء آنذاك؛ ممّا أتاح للرافعي أن يتعرّف إلى هذا الجو الأدبي والديني الكبير. نال الرافعي الشهادة الابتدائية وهو بعمر السابعة عشرة، ولكنّه لم يستطع إتمام تعليمه بسبب مرض ألمّ به وجعله يفقد سمعه تدريجًا، حتّى فقده تمامًا وهو في عمر الثلاثين.

بدأ الرافعي شاعرًا، ولكنّه انتقل بعدها إلى النثر ليخطّ كتبًا من أعظم الكتب التي كتبت في العربيّة، بل لا يعدو القارئ ان يكرّر بعدها شهادة الشيخ علي الطنطاوي حينما قال في كتابه فصول في الثقافة والأدب إنّ الأدب العرب انقسم قسمين، قسم مضى عليه أربعة عشر قرنًا، وقسم كتبه الرّافعي![١١]

وقد بدأ مع كتابه حديث القمر الذي كتبه في لبنان عام 1912 على طريقة النثر الشعري بأسلوب رمزي عالي الطبقة، ثمّ بعده صاغ كتابه المساكين من وحي البؤس الذي خلّفته الحرب العالمية الأولى، ثمّ رسائل الأحزان، فالسحاب الأحمر فأوراق الورد الذي صاغه على نحو لم يكن قبله في العربيّة. ومؤلفات الرافعي كثيرة إذ لا يمكن الوقوف عليها جميعًا، ولكن من اهمّها كتابه تحت راية القرآن الذي كتبه للدّفاع عن الأدب الجاهلي الذي كان بعض الأدباء في مصر يطعنون به على سبيل تقليد بعض المستشرقين الذين كان هدفهم البعيد الطعن ببلاغة القرآن الكريم وإعجازه، كطه حسين على سبيل المثال، فكان الرافعي حادًّا معهم في الدّفاع عن معتقداته، ومعتقدات المسلمين، واخيرًا كتابه الأهم وحي القلم الذي نشره على هيئة مقالات في مجلة الرسالة بين عامي 1934-1937، وقد جُمع أكثر هذه المقالات في كتاب بعد وفاته، وسمي الكتاب وحي القلم.

وفي العاشر من أيّار عام 1937 استيقظ الرافعي لصلاة الفجر، وشعر بألم في معدته، فجلس يقرأ القرآن بعد ان تناول بعض الدواء، ثمّ بعد ساعة ازداد الألم، فنهض ليمشي، ولمّا كان في بهو بيته سقط ومات، وفاضت روحه إلى بارئها بعد أن قضى سبعة وخمسين عامًا في الحياة الدنيا. لقّب بالقاب كثيرة منها: معجزة الأدب العربي، أديب العربية الأكبر، فيلسوف الإسلام، حجّة العربيّة.[١٢]

شواهد من الأدب العربي الحديث

وبعد أن وصل مقال كتب الأدب العربي الحديث إلى الختام، لا بدّ من وقفة مع شواهد للشعر العربي الحديث من بطون كتب الأدب العربي الحديث، وستكون الشواهد منوّعة بين شعر ونثر للأدباء الأعلام آنفي الذّكر:

  • قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي: [١٣]

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ

أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ

الحُرُمِ رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا

يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ

لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً

يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي

جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي

جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ

رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ

إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ

يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ

لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ

لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ

وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ

يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا

أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ

أَفديكَ إِلفًا وَلا آلو الخَيالَ فِدًى

أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ

سَرى فَصادَفَ جُرحًا دامِيًا فَأَسا

وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر
أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمر
عيناكِ حين تبسِمان تورِقُ الكُروم
وترقصُ الأضواء كالأقمارِ في نهر
يرجُّه المجداف وهنًا ساعة السَّحر
كأنما تنبضُ في غوريهما النّجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء
فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر!
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر...
وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودةُ المطر ..
مطر ..
مطر ..
مطر ..
  • مقدّمة كتاب وحي القلم للرافعي:

الحقّ أنّ المرء يحار ما ينتقي من كتبه! ولكن يقف هذا المقال مع مقدمته لكتابه وحي القلم، وهو الكتاب الذي ضمّ أنضج كتابات الرافعي، وفي هذه المقدّمة يلاحظ القارئ فلسفة الرافعي في الكتابة، فيقول:

"نَقْلُ حقائق الدنيا نقلاً صحيحًا إلى الكتابة أو الشعر، هو انتزاعها من الحياة في أسلوب، وإظهارُها للحياة في أسلوبٍ آخَر، يكون أوفى وأدقَّ وأجمل؛ لوضْعه كل شيء في خاصِّ معناه، وكشْفه حقائق الدنيا كشفةً تحت ظاهِرها المُلتبِس، وتلك هي الصناعة الفنيَّة الكاملة: تَستدرِك النقص فتُتمُّه، وتتناول السرَّ فتُعلِنه، وتَلمَس المُقيَّد فتُطلقه، وتأخذ المُطلَق فتَحُدُّه، وتَكشِف الجمال فتُظِهره، وترفع الحياة درجة في المعنى، وتجعل الكلام كأنه وجَد لنفسه عقلاً يعيش به. إن دورة العبارة الفنية في نفس الكاتب البياني دورةُ خَلْقٍ وتركيب، تخرج بها الألفاظُ أكبرَ مما هي؛ كأنما شبَّت في نفسه شبابًا، وأقوى مما هي، كأنما كسَبتْ من رُوحه قوة، وأدلُّ مما هي؛ كأنما زاد فيها بصناعته زيادة، فالكاتب العِلمي تَمر اللغة منه في ذاكرة، وتَخرُج كما دخلت عليها طابَعُ واضعيها، ولكنها من الكاتب البياني تمرُّ في مصنَع وتَخرج عليها طابَعه هو، أولئك أزاحوا اللغة عن مرتبةٍ ساميةٍ، وهؤلاء عَلَوا بها إلى أسمى مراتبها، وأنت مع الأوَّلِين بالفِكر، ولا شيء إلا الفِكر والنظر والحكم، غير أنك مع ذي الحاسة البيانيَّة لا تكون إلا بمجموع ما فيك من قوة الفكر والخيال والإحساس والعاطفة والرأي. ويختم-رحمه الله-كلامه بقوله: وربما عابوا السموَّ الأدبي بأنه قليل؛ ولكن الخير كذلك، وبأنه مُخالِف؛ ولكن الحق كذلك، وبأنه مُحيِّر؛ ولكن الحَسَن كذلك، وبأنه كثير التكاليف؛ ولكن الحرية كذلك. إن لم يكن البحر فلا تَنتظِر اللؤلؤ، وإن لم يكن النجم فلا تنتظر الشعاع، وإن لم تكن شجرة الورد فلا تَنتظِر الورد، وإن لم يكن الكاتبُ البيانيُّ فلا تنتظر الأدب". [١٥]

المراجع

  1. رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 41، صحيح.
  2. "اللغة العربية في الدولة العثمانية والهوية الحضارية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  3. "الأدب العربي في السنين المائة الأخيرة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  4. "أوراق الورد رسائلها ورسائله"، books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  5. "الأدب العربي الحديث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  6. "في الأدب الحديث"، shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  7. "الأدب العربي المعاصر في مصر"، shamela.ws، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019.
  8. "أحمد شوقي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  9. "مسرح شوقي والأدب المقارن 1"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  10. "بدر شاكر السياب"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  11. "فصول في الثقافة والأدب"، books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  12. "مصطفى صادق الرافعي"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  13. "ريم على القاع بين البان و العلم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  14. "أنشودة المطر"، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
  15. "وحي القلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-6-2019. بتصرّف.
6618 مشاهدة
للأعلى للسفل
×