كلمة شكر للوالدين
قد يجف مداد الحبر عندما يعقل أنّ الكلام الذي يعزم على كتابته موجهٌ للوالدين، كيف لا وهما تلك الشجرتان اليانعتان المثمرتان الطّيبان، وبأيّ منهما أبدأ كلامي ولأيّ منهما أنسج حروفي، أأبدأ بالأم التي شاء الله لها أن تحضن جنينًا بين أحشائها، فهي تتحمل ثقله على نفسها وجسدها وتشعر بنبضات قلبها تتمزق مع كل شهيق أو زفير، أم أبدأ بالأب الذي شاءت له الحياة أن يحمل ابنه ليس بين أحشائه وإنما بين أضلاع روحه فهو القيّم على أمره إلى أن يموت.
كيف للإنسان أن يكون شاكرًا لفضل إنسانين عاشا من أجله وربما ماتا من أجله أيضًا، كيف للكلمات ألّا تخجل وهي تلثم خمارها على وجهها، وتريد أن تخرج مواجهة ذلك الأب الذي تشهد طويات جسده على ما كابده في الحياة من قسوة وظلم وقهر، وهل تكون الحياة ناعمة حريرًا على أحد وقد أقسم الله أن يبلو أيًّا من خلقه بشيء من الخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، وكم عانى الوالدان من ذلك النَّقص حتّى أتمّا تربية أبنائهما ولم يجعلا للحياة عليهم سبيلًا.
ولو اصطفت الحروف بعضها جنب بعض وعزمت على شكر الوالدين تراها أيّ كلمات شكر ستختار، وهل يكتفي الإنسان بالشكر القوليّ في مثل ذلك الحال، أم لا بدّ من الأفعال التي تُبرهن على صدق ما وقر في القلب، أتراني أقول لكفيك يا أمي شكرًا فقد تجعّدتا وهما تُيسران السبيل أمامنا، تجعدتا وهما تربتان على أكتافنا في ليلة الامتحان لتُرسل لنا إشارات الحب دون أن تنطق بها، وتلك العينان الذابلتان النّاعستان اللطيفتان اللتان ضعف نورهما وهما تتراقصان طربًا برؤيتنا وحبًّا لنا.
هل أنسى يا أمي خوفك علينا في ليالي الشتاء لمّا كنّا نتأخر عن المنزل الذي أحطته وأبي بالرعاية الكاملة ونحن نُحاول إتقان الدّرس في بيت بعض أصدقائنا، أتراني أنسى وقفتك على باب بيتنا وأنتِ تحبسين دمعاتك التي تأبى إلا النزول على وجنتيك اللطيفتين النَّاعمتين اللتان تتورّدان فور رؤيتنا من بعيد، فتُخفين مشاعر الفرح بقدومنا وتحاولين العبوس الذي ما استطعت إتقانه يومًا لتُحاسبينا على ما جرى.
أجزم أنّي لا أفيكم حقكم فهيهات أن تستطيع الكلمات شكر عمرٍ مضى، وها أنا أترك حقائبي اليوم عند أقدامكما يا أبي وأمي لأعلن في محراب عينيكما عشقي وطاعتي، وأعقل خيوط نفسي لأكون بين يديكما ولدًا بارًّا لا يُجازيكم على إحسانكم وإنما يُحاول أن تتفضلا عليه بنظرةٍ من العطف والبر، فحياتي بدونكما صحراء جامدة لا تعدو كونها ذرة في مهب الريح تلتمس شفقة النَّاس أن يكونوا واسطة خير بيننا، ولكن لا واسطة الآن بيننا سوى الحب يا أمي وأبي، أشكركما على عمركما الذي مضى في سبيلي، وأسأل الله أن يُعينني لأكون ذلك الابن الذي ترجوانه، وأخيرًا يُمكن القول:[١]
من برّ والده وأمَّهْ
- فاقصده مختارًا وأُمَّهْ
واغنم فضائله فذا
- لك وحده في الدهر أُمَّهْ
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن الوالدين.
المراجع
- ↑ "من بر والده وأمه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/3/2021.