محتويات
الرقابة الذاتية
نحلم جميعنا، آباءً وأمّهات، بأنّ يكون طفل كلّ منّا الطفل الأفضل في العالم، الأوّل على صفّه، الأذكى بين أصدقائه، الأكثر تهذيبًا من بين جيرانه، الألطف والأحنّ على والديه، ببساطة، نريده أن يكون الطفل المثالي! ولعلّ هذا الشعور تجاه طفلك ليس خطأً، فمن منّا لا يريد الأفضل لأولاده؟ ولكن طريقتنا في تحقيق ذلك قد تكون هي الخاطئة، فالتحكّم في تصرّفات الطفل، متى يأكل، كيف يلبس، ماذا يلعب، إملاء الأوامر عليه لن يجدي نفعًا في تربيته وتنشئته، ولكن تعليمه كيف يراقب نفسه ويضبطها هي الطريقة الأسلم لتكوين شخصيّة حقيقيّة لديه، قادرة على مواجهة تحديات الحياة واتّخاذ القرارات الصائبة بدون مراقبة والديه! [١]
ما هي الرقابة الذاتية عند الأطفال؟
الرقابة الذاتيّة والانضباط الذاتي هما مصطلحان مرادفان لنفس المعنى، ألا وهو قدرة الطفل على التحكّم بدوافعه ليتمكّن من تحقيق أهدافه، وذلك من خلال اتّخاذ القرارات الصّائبة والتخطيط للمستقبل، والتخلّي عن الترفيه مقابل القيام بما هو أنفع، وتحمّل المسؤولية، كما يعني التحكم بمشاعر الغضب، والتحكّم في السلوك الاندفاعي والمشاعر السلبية وتجاوزهم بطريقة صحّية.
على سبيل المثال، اختيار الطفل للقيام بواجباته المدرسيّة أولًا قبلاللعب يعني أنّه منضبط ذاتيًّا، وتناول الطفل وجبته الصحيّة بدلًا من الشوكولاتة في فُسحة المدرسة، وبغياب رقابة المعلّمة، هو الانضباط بحدّ ذاته.[١][٢]
قد يبدو الأمر عصيًّا على الفهم لوهلة، فكيف لطفل لم يتجاوز الثانية عشر من عمره أن يخطط لمستقبله! في المقابل كثير منّا نحن البالغون لا نجيد ذلك! حقيقةً، الرقابة الذاتية والانضباط الذّاتي هي مهارات تحتاج لسنوات لتعلّمها، وتعليمها، ولا تأتي إلّا بالممارسة والصبر، وبتغيير أسلوب التربية التقليديّ، ولا نعني بذلك إزالة الحدود وإطلاق العنان للطفل لفعل ما يشاء، بل على العكس تمامًا! فرسم الحدود لسلوك الطفل وتعليمه كيفيّة التصرّف فيها يعلّمه ضبط نفسه، ولكن الفكرة تكمُن في طريقة رسم هذه الحدود، وباتّباع الترغيب وليس الترهيب والعقاب، فإذا فهم الطفل أهمّية هذه الحدود، سيتقبّلها، ويلتزم بها، أمّا إذا أُجبِرَ عليها، سينتابه الفضول يومًا لتجاوزها. وبهذه الطريقة، يستوعب الطفل قواعد أبويه وقيمهم، ويختار اتّباعها حُبًّا واقتداءً، وليس خوفًا.[٢][٣]
نصائح لتعزيز الرقابة الذاتية عند الأطفال
الالتزام بجدول أعمال روتيني
حيث يساعد الروتين الصباحي الجيد على تعويد الطفل على كل ما يجب القيام به في الصباح، فيعرف متى يستيقظ، ومتى يتناول الإفطار، متى ينظّف أسنانه، ويرتدي ملابسه. كما يساعده على تنظيم وقته ما بين الواجبات المدرسية واللعب، حتّى ليلًا، الالتزام بموعد نوم ثابت يساعده على النوم بشكل أسرع. مع مرور الوقت، يلتزم الطفل بهذا الروتين، ويبدأ بالقيام به لوحده دون مساعدة أبويه.[٤][٣]
استخدام الصور والملصقات لتذكير الطفل بجدوله اليومي
سيواجه الطفل صعوبة في تذكّر اولوياته في بداية الأمر، والترتيب الزمني لكل نشاط، فكان من المهم تذكيرهم بما سيفعلونه بطريقة لطيفة، مثل وضع ملصقات وصور على حائط غرفته، كصورة حمام في البداية، ثمّ صورة فرشاة أسنان، ثم صورة للملابس، وهكذا.[٣]
تجنّب إملاء الأوامر على الطفل
يفقتر الأطفال غالبًا إلى الحافز الذي يدفعهم لتنفيذ أمر ما، خاصّةً إن كانت مهمّة مملّة بالنسبة لهم، كالقيام بالواجبات المدرسية، ولهذا يجب على الأبوين إعطائهم حافز للقيام بها، من خلال تجنّب إلقاء الاوامر عليهم فحسب، فبدلًا من الصراخ عليهم وأمرهم بإتمام الواجب، يمكن تحفيزهم لاختيارهم القيام بالواجب المدرسي عوضًا عن اللعب، ولا ضير من توضيح أهمية كل مهمّة يرفضها الطفل بتروّي، وإضافة القليل من المتعة إلى تلك المهمّة.[٤]
ترك العواقب تأخذ مجراها
أي أن يترك الأبوين مجريات الحياة تسير كما هي، ليفهم الطفل أنّ كل ما سيفعله سيعود عليه بنتيجة إيجابيّة أو سلبيّة. قد يخلق الأبوين هذه النتائج، وقد نترك الحياة تعلّمه هذه الدروس، فعلى سبيل المثال، عندما ينسى أو يرفض الطفل ارتداء معطفه إلى المدرسة، سيعرف أهميّته عندما يشعر بالبرد في ذلك اليوم.
أمّا بالنسبة للعواقب الأخرى التي يخلقها والديه، فقد تتمثّل بحرمانه من اللعب بالهاتف الذكي إن استخدمه بطريقة خاطئة، كرميه أو كسره مثلًا. ولا يكون ذلك بإجباره على الامتثال بالأوامر، وإنّما من خلال تفسير تلك العواقب وربطها مع سلوكه السيّء، الأمر الذي يساعده على تعلّم اتّخاذ القرار الصحيح بمفرده في المستقبل.[٤]
التعلّم بالقدوة
يتعلّم الأطفال من خلال المشاهدة والمراقبة لسلوك كل من حولهم أكثر من الاستماع لما يُملى عليهم، فعندما يتحلّى الأبوين بأخلاقيّات الرقابة الذاتية ومهارة الانضباط الذاتي، يقتدي بهم طفلهم، ويلتقط عاداتهم. على سبيل المثال، يتعلّم الطفل من والده ضرورة إنهاء واجباته المدرسيّة قبل اللعب عندما ملاحظته أن والده يُنجز أعماله المكتبيّة قبل مشاهدة التلفاز. ولهذا من المهم الانتباه لكل ما نقوم به أمام الأطفال، فنبدأ بإصلاح أنفسنا وترتيب أولوياتنا ليتعلّم الطفل منّا، وليس عيبًا أن نقرأ كتابًا مثلًا عن كيفيّة السيطرة على مشاعر الغضب والتحكّم بالانفعالات، أو الاشتراك في الورشات التدريبية المنعقدة حول تطوير الذّات.[٤]
اتّباع أسلوب الترغيب والمكافآت
من المهمّ أن نُكافئ الطفل ونثني عليه عند قيامه بسلوك جيّد، كاتّخاذه قرار مساعدة والدته في أعمال المنزل مثلًا، دون أن يُطلب منه ذلك، أو ادّخاره لمصروفه اليومي بدلًا من إنفاقه على الشوكولاته والأطعمة غير الصحيّة. ويكمُن السرّ في جعل المكافآت قصيرة الأمد، بحيث يمكن التنويع بها، والتخلّص منها تدريجيًّا إلى أن يتحوّل هذا السلوك إلى عادة يوميّة، فعندما كان الطفل في الثالة من عمره، يكافئه أبويه على تنظيف أسنانه بالفرشاة والمعجون، لكن بعد سنّ معيّن يصبح تنظيف الأسنان عادة روتينيّة.
تتنوّع المكافآت ما بين زيادة ساعات اللعب الأسبوعيّة بالإلكترونيات لمدّة أسبوع، أو منحه الإذن بمشاهدة التلفاز في ذلك اليوم، أو أخذه في نزهة في الحديقة العامّة، وغيرها من الجوائز والألعاب التي يفضّلها الطفل.[٤]
المراجع
- ^ أ ب Amy Morin (2019-06-13), "The Importance of Teaching Kids Self-Discipline", verywellfamily, Retrieved 2020-10-11. Edited.
- ^ أ ب Laura Markham (2017-07-24), "The Secret of Raising a Self-Disciplined Child", psychologytoday, Retrieved 2020-10-11. Edited.
- ^ أ ب ت Gwen Dewar, "Teaching self-control: Evidence-based tips", parentingscience, Retrieved 2020-10-11. Edited.
- ^ أ ب ت ث ج Amy Morin (2019-06-23), "8 Ways to Teach Kids Self-Discipline Skills", verywellfamily, Retrieved 2020-10-11. Edited.