محتويات
كيف أقضي العشر الأواخر من رمضان
إحياء الليل
كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يزيد من فعل الطّاعات بالعشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك لِما روته السيّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنه- فقالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ)،[١] والإحياء قد يُراد به اللّيل كلّه، وقد يُراد غالبه،[٢] والمقصود "بأحيا ليله" الواردة في الحديث السّابق؛ الدلالة على استغراق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- اللّيل كلّه بالصّلاة، وقد روت السّيدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حديثاً آخر قالت فيه: (ما رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حتَّى الصَّبَاحِ، وَما صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إلَّا رَمَضَانَ)،[٣] وذلك يؤيّد أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُحيي أغلب اللّيل لا كلّه.[٤]
ويكون إحياء ليل رمضان بالإكثار من التهجّد والصّلاة، كما أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أمر السّيدة عائشة -رضيَ الله عنها- بالدّعاء،[٥] وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-يتفرّغ عن الدّنيا في اللّيالي العشر الأخيرة من رمضان، ويعتزل نساءه، ويجعل عشاءه وقت السّحور، ويغتسل كلّ ليلة بين المغرب والعشاء، ويوقظ أهله، ويحثّ علي وفاطمة -رضيَ الله عنهما- على القيام وإحياء اللّيل.[٦]
الاعتكاف
حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فقد روى ابن عمر -رضيَ الله عنه- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- فقال: (كانَ يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،[٧] وعليه فإنّ الاعتكاف من السّنن المؤكدة التي واظب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عليها، وعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا)،[٨] وفي الاعتكاف قطع الاتّصال بالبشر ابتغاءً للاتّصال بخالق البشر، وكلما زادت المعرفة بالله -تعالى- ومحبّته والأُنس به؛ أحبّ الاعتكاف لخالقه العظيم والتفرّغ لعبادته.[٩]
ولا يقتصر الاعتكاف على ليالي رمضان وحسب، بل يُستحبّ للمسلم أن ينوي الاعتكاف في أيّ ليلةٍ من ليالي العام، لكنّ فضله أعظم في رمضان، ويُقصد بالاعتكاف لزوم المسجد لعبادة الله -تعالى- والتفرّغ لها، ويبدأ ببدء العشر الأواخر من شهر رمضان، وينتهي بانتهاء الليلة الأخيرة من شهر رمضان.[١٠] وقد كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يعتكف في العشر الأوسط من رمضان طلباً لليلة القدر، ولمّا علِم أنّها في العشر الأواخر اعتكف فيها، كما أنّه -عليه السّلام- اعتكف في عام وفاته عشرين ليلة زيادةً في الطّاعة، وطلباً للمزيد من الأجر، وفي ذلك العام دارسه جبريل -عليه السّلام- القرآن الكريم مرتين أيضاً.[١١]
الإكثار من الصدقات
اتّفق الفقهاء على أنّ أجر القيام بالطّاعات مضاعف في شهر رمضان،[١٢] وبالأخص العشر الأواخر من رمضان، وذلك لوجود ليلة القدر فيها، بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- قالت: (أنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ)[١٣][١٤] ومن الطّاعات الإكثار من الصّدقات،[١٢][١٥] واستحباب الصّدقة وفضلها عظيم بشهر رمضان كلّه، لكنّها في العشر الأواخر أعظم وأفضل وأكثر أجراً.[١٦]
تلاوة القرآن وتدارسه
سمّى الله -تعالى- شهر رمضان بشهر القرآن، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)،[١٧] ولذلك يجب على المسلم أن ينشغل في رمضان بالعلم وبخاصّة تلاوة القرآن الكريم، وأن يحرص على الأذكار، ففي ذلك اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يأتيه جبريل في كلّ ليلة من ليالي رمضان يدارسه القرآن،[١٨] فقد دارس جبريل -عليه السّلام- القرآن الكريم مرّتين على النبيّ -عليه السّلام- في رمضان من عام وفاته.[١٩]
وقد روى ابن عباس -رضيَ الله عنه- فقال: (كانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ)،[٢٠] وهو الشّهر الذي أنزل الله -تعالى- فيه القرآن الكريم إلى السّماء الدنيا،[١٥] وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ القرآن الكريم، وكلّما مرّ على آيةٍ فيها رحمة يسأل الله -تعالى- الرّحمة، وكلّما مرّ على آيةٍ فيها عذاب يسأل الله -تعالى- أن يُعيذه منها.[٥]
الإكثار من دعاء الله عز وجل
كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يأمر أهل بيته بالدّعاء،[٥] وقد أخبر الله -تعالى- أنّه قريب من عباده يجيب دعواتهم، فقال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)،[٢١] ووصف يحيى ابن أبي كثير الدّعاء أنّه أفضل العبادات، ولمّا سألت عائشة -رضيَ الله عنها- النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- ما تدعو في ليلة القدر، قال لها أن تقول: (اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي)،[٢٢][٩] فيحرص المسلم على الإكثار من الدّعاء طيلة شهر رمضان، ويتحرّى العشر الأخيرة منه، وخاصّة اللّيالي الفرديّة علّها تُوافق ليلة القدر،[٢٣] كما يجب تجنّب الكثير من القول وفضول الكلام، والحرص على الكلام بخير، عملاً بقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ).[٢٤][٢٥]
فضل العشر الاواخر من رمضان
ميّز رسول الله العشر الأواخر من رمضان عن بقيّة أيّام الشّهر، فهيَ أفضل أيام الشهر، ووصفها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّها عتق من النّار، فكان النبيّ -عليه الصلّاة والسّلام- يضاعف العبادات فيها،[٢٦] وذلك لأنَّ في هذه العشر ليلة القدر،[٢٧] حيث يقول -عليه السّلام-: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،[٢٨][٢٩] وكان -عليه الصّلاة والسّلام- يقوم ببعض العبادات التي لا يقوم بها في بقيّة رمضان؛ كإحياء اللّيل، وإيقاظ أهله للقيام،[٣٠] وظلّ النبيّ -عليه السّلام- يعتكف في العشر الأواخر حتّى توفاه الله.[٣١]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2024، صحيح.
- ↑ سيد العفاني، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، جدة: دار ماجد العسيري، صفحة 197، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 746، صحيح.
- ↑ ناصر آل متعب، قبسات من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان، صفحة 47. بتصرّف.
- ^ أ ب ت حسام الدين عفانة (2008)، يسألونك عن رمضان (الطبعة الأولى)، القدس: المكتبة العلمية، دار طيب، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم العمري (2001)، صفحات رمضانية (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: دار المآثر، صفحة 67. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1171، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2044، صحيح.
- ^ أ ب أحمد عرفة، "عظيم الأجر في اغتنام العشر"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2021. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الخياط (1413)، ما يجب أن يعرفه المسلم عن دينه (الطبعة الثالثة)، المملكة العربية السعودية: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 87-88. بتصرّف.
- ↑ محمد بن علان (2004)، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار المعرفة، صفحة 70، جزء 7. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 116، جزء 30. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1175، صحيح.
- ↑ الخطيب الشربيني (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 168، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الدّمِيري (2004)، النجم الوهاج في شرح المنهاج (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 325، جزء 3.
- ↑ محمد آدم الأثيوبي (1993)، شرح أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث المسمى «إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر» (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، صفحة 339، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 185.
- ↑ خالد الجريسي، الصوم جنة، صفحة 119. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الجزائري (2003م)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 599، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1902، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 186.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3119 ، صحيح.
- ↑ سعيد حوّى (1424)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 6618، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 47، صحيح.
- ↑ خالد الجريسي، الصوم جنة، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم العمري (2001)، صفحات رمضانية (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: دار المآثر، صفحة 67. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري (2010)، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربية السعودية: دار أصداء المجتمع، صفحة 624. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2020، صحيح.
- ↑ شمس الدين الكرماني (1981)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (الطبعة الثانية)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 160، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن بن قاسم، وظائف رمضان، صفحة 55-57. بتصرّف.
- ↑ عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 10، جزء 156. بتصرّف.