محتويات
متن الحديث
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ)،[١] وفيما يلي بيان شرحه.
شرح الحديث
أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فكان عليه الصلاة والسلام يجمع المواعظ والوصايا والحِكم في كلام قليل، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تربية الصغار وإرشادهم وتعليمهم عقيدتهم وأمور دينهم؛ ومن ذلك هذا الحديث العظيم الذي علّمه لابن عمّه عبد الله بن عباس، وقد كان غلاماً صغيراً حينها، وهذا الحديث أصل عظيم يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، في مراقبة الله تعالى، ومراعاة حقوقه، وتسليم الأمور إليه، والانقياده إليه، والتوكل عليه، والإخلاص له بالعبادة، والاستعانة به، والإيمان بالقضاء والقدر، وعجز الخلق وافتقارهم إليه، وفيما يلي بيان شرحه:[٢][٣]
احفظ الله يحفظك
أي احفظ حدود الله تعالى، وأوامره، ونواهيه، وحقوقه، وشرائعه، وهذا الحفظ يكون بالوقوف عند أوامره ونواهيه، ومراعاة حقوقه وحدوده، فيمتثل العبد ما أمر به، ويجتنب ما نهى عنه، ولا يتعدى حدود ما أمر الله به أو ما نهى عنه، ولا يتجاوزها، ويعبد الله تعالى وفق شريعته وأحكامه التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن فعل ذلك كان من الحافظين لحدود الله تعالى، وكان الجزاء من جنس العمل؛ فيحفظه الله تعالى في دينه، ونفسه، وعقله، وبدنه وأهله، وماله، في أمور دينه ودنياه، في الدنيا والآخرة، في جميع ما يحتاج إليه من الحفظ.[٤]
احفظ الله تجده تجاهك
إن من حفظ حدود الله تعالى وراعى حقوقه؛ وقد تم بيان معنى الحفظ فيما سبق، يجد الله أمامه؛ معه في كل أحواله، يدلّه على كل خير، ويقرّبه ويهديه إليه، ويسدّده ويرعاه ويحفظه، وينصره ويؤيده في تقلباته ومهاماته، ويسهّل أموره، ويحميه من جميع الشرور، ويكون معه في الشدائد والمصائب.
إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله
وفي هذا إرشادٌ منه صلى الله عليه وسلم إلى التوكل على الله، وعدم التعلق بغيره في جميع أموره، ومقصود ذلك أنه إذا سألت أو أردت أن تطلب أي حاجة من الحوائج من أمور الدين أو الدنيا فاتجه إلى الله؛ لأنه هو الذي بيده الأمور كلها، وهو القادر على الإعطاء والمنع، ودفع المضرة وجلب المنفعة، وإذا أردت العون أو طلبته فلا تطلبه إلا من الله، ولا تستعن إلا به، فهو يُعينك، وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه، أعانك وسددك.
واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك
أي أن الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اتفقت على أن ينفعوك بشيء لن يقدروا على ذلك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وكذا الضرّ، إن اتفقوا على أن يضروك بشيء لن يقدروا على ذلك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فيجب أن يكون العبد على علم ويقين أنه لن يكون إلا ما قدّره الله له من المنفعة والمضرّة، فالله تعالى هو الضار النافع والمعطي المانع، فالأمر كله يرجع إلى مشيئة الله وإرادته وإلى قضائه وقدره سبحانه.
رفعت الأقلام وجفت الصحف
إن مقادير الخلائق جميعاً وأقدارهم قد كُتبت وانتهت، ورفع القلم، فلا تغيير ولا تبديل، والكتابة التي كتبتها الأقلام على الصحف قد جفّت وفرغت منها، وانتهت، فكل شيء قد كتب في اللوح المحفوظ، ولا بدّ من وقوع ما هو مقدّر ومكتوب، وهذا تأكيد للجملتين السابقتين؛ وهو إثبات القدر ولا يقع من العباد إلا ما هو مقدر، سواء كان خيراً أو شراً.[٥]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، صحيح.
- ↑ "شروح الأحاديث"، الدرر السنسة الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 29/5/2022. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، شرح الأربعين النووية للعثيمين، صفحة 200-202. بتصرّف.
- ↑ شحاتهة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، صفحة 216. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 10. بتصرّف.