محتويات
حب الوطن
حُب الوطن والأرض من أسمى القيم التي يجب على الإنسان أن يتحلَّى بها وأن يزرعها في قلبه وردًا لا يذبل، وأن يحفظها شمسًا لا تعرف الغياب، وُحب الوطن هو شعور وإحساس فطري يشعر به الإنسان تجاه الأرض والمكان الذي ولد فيه وعاش فيه، وهو شعور فيه شيء من الإخلاص والامتنان للبلد التي يعيش فيها الإنسان، ويُعدُّ حب الوطن أمر عام، أي أنَّه موجود في جميع الشعوب وفي جميع البلدان، فهذا الشعور أو الإحساس يرتبط بالوطنية ارتباطًا وثيقًا، وجدير بالذكر إنَّ عددًا كبيرًا من المفكرين على مرِّ التاريخ كانوا يهتمَّون بمسألة حبِّ الوطن وتأجيج هذا الحب في صدور الناس، ويظهر حب الوطن جليًّا عند تتعرَّض الأوطان لأي عدوان خارجي، في هذه الحالة يُفتدى الوطن بالنفوس والدماء والأرواح، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على كيفية خدمة الوطن وعلى الطريقة المثلى التي يمكن للإنسان من خلالها أن يكون فاعلًا في موقعه في وطنه.[١]
كيف تخدم وطنك وتكون عنصرًا فاعلًا من موقعك؟
إنَّ خدمة الوطن من الأشياء المفروضة على الإنسان، يفرضه الدين والعادات والتقاليد والمجتمع والمنطق والقلب أيضًا، فحب الوطن والرغبة في خدمته من الأشياء التي تتفق عليها شعوب الأرض قاطبة، فلا يوجد شعب على هذه البسيطة لا يقف ويسعى بكلِّ ما أوتي من قوَّة ومقومات في سبيل أن يكون فاعلًا في موطنه وساعيًا في نهوض وطنه وبناء غدٍ أفضل لبلاده، ويمكن للإنسان أن يخدم وطنه وأن يكون فاعلًا في موقعه بعدَّة أشكال، فأنْ يكون الإنسان مخلصًا في عمله، مطبقًا لقوانين بلده، ينشر الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة حوله، فهو في هذه الحالة يخدم وطنه وهو عنصر فعَّال في موقعه الذي كُتب له أن يكون فيه، وفيما يأتي بعض الأشياء التي تُؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن خدمة الوطن وعن مدى قدرة الإنسان على أن يكون فعالًا في موقعه في وطنه:
واجبات الفرد تجاه الوطن
إنَّ النظر إلى الوطن من أي منظور كان، سيؤدي إلى وضوح حقوق الوطن المترتبة على الفرد، فللوطن حقوق ينبغي على كلِّ أبنائه أن يكونوا على قدر مسؤولية هذه الحقوق، وأن يحسنوا أداءها وتقديمها، فكما أنَّ الوطن يمنح الفرد والمجتمع بشكل عام الانتماء والترابط، ويمنحه قوَّة الوطن والتماسك، فينبغي على جميع أبناء الوطن أن يسعوا بشكلٍ دائم إلى تحقيق أمن الوطن واستقراره والمحافظة على حضارته وثقافته والمحافظة على ثرواته وتوزيعها بطريقة عادلة، ودفع الظلم والوقوف في وجه الطامعين بثروة الوطن ورزق أهله، ولعلَّ أبرز واجبات الفرد تجاه وطنه هي الدفاع عنه في وجه الطامعين والمعتدين، وهذه القضية قضية إسلامية عقائدية وطنية بشكل عام، فالدين والعُرف والأخلاق كلّها تحض وتشجع المرء على بذل الغالي والرخيص في سبيل الدفاع عن أراضي الوطن وتحقيق العدالة التامة فيه، فمن حق الشعوب ومن واجبها أيضًا أن تقف صفًا واحدًا وأن تقاتل بالمال والنفس في سبيل حرية أرضها وبلادها، وجدير بالذكر إنَّ الوطن الذي يُعطي لشعبه بلا كلل ولا ملل، من حقِّه أن يقابل أهله هذا الإحسان بالإحسان، قال تعالى في سورة الرحمن: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}،[٢]ومن حقوق الوطن على الشعب أو واجبات الشعب تجاه الوطن أن يحافظ الشعب على الوحدة الوطنية وعلى السلام والاستقرار على أرض الوطن، والسلم والتعايش السلمي مسؤولية الجميع بجميع الأعراق والديانات والانتماءات، وخير دليل هو أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عاش في المدينة المنورة مع اليهود وتقاسم معهم مدينة واحدة، فالوطن للجميع بكلِّ انتماءاتهم شريطة أن يكون قائمًا على السلام والاستقرار.[٣]
تحقيق مبدأ الانتماء للوطن
إنَّ مبدأ الانتماء للوطن من أهم المبادئ التي يجب على الإنسان أن يملكها وأن يحسن تنشئتها في نفوس من حوله، فالانتماء للوطن يحقق للمجتمع قوَّة ترابط تحميه من أعدائه الخارجيين أولًا وتساعده على تجاوز الأزمات الداخلية ثانيًا، وجدير بالقول أيضًا إنَّ للمؤسسات التربوية دورًا كبيرًا وهامًا في ترسيخ مبدأ الانتماء للوطن، فالأسرة لها دور هام في تربية الأطفال على حب الوطن والانتماء إليه والعيش على أرضه بسلام، وللمدرسة أيضًا دور هام في تربية الأجيال الجديدة وبنائها على مبدأ الانتماء للوطن وتقبُّل الآخر على أرض هذا الوطن، فعلى الإنسان أيًّا كان موقعه وعمله على أرض الوطن، أن يعمل ويسعى بجد وبإخلاص لإتقان عمله، فالتغيير الكُّلِّي يبدأ من الفرد وينتهي عنده، فالمدرس والطبيب والعامل والمهندس وغيرهم من المهن والأعمال يجب أن يكون أهلها على قدرٍ عال من المسؤولية التي بتحققها ينهض الوطن ويحقق الإنسان أسمى مراتب خدمة الوطن والسعي من أجله.[٣]
تربية الأبناء على حب الوطن
إنَّ تربية الأطفال أمر يحتاج إلى جهد وعمل كبيرين، ويحتاج إلى تواصل دائم وتدريب مستمر ودراسة لسلوكيات الطفل، ومن أراد أن يكون لأطفاله شأن ونفع للوطن والمجتمع، عليه أن يحرص على تربية أطفاله وأن يجد وجهد في سبيل بنائهم كما يريد، وتربية الأطفال على حب الوطن من الأشياء السامية التي ينبغي على الآباء الاعتناء بها، وهي من أسمى الأشياء التي يبرهن من خلالها المرء على انتمائه لوطنه، فبناء جيل جديد يحمل هم الوطن ويسعى إلى بنائه هو خير دليل على استمرارية الوطن واستقرار مستقبله وسلام مستقبل أبنائه من الأجيال القادمة، فحبُّ الوطن من الإيمان حتَّى أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان قد حزن حزنًا شديدًا على خروجه من مكة المكرمة عندما هجر إلى المدينة المنورة، كما أنَّ السيرة النبوية تبيِّن كيف أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سعى لنهضة بلاده وأمته عن طريق نشر العدل والخير بين الناس، كما أنَّه حارب الظلم وأتباعه، وأنشأ جيلًا من الناس قائمًا على هذه القيم والنبيلة، ويمكن استخلاص عِبرة هامة من سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وهي أنَّ الأوطان تستحق البذل والعطاء، وتستحق أن يربِّي المرء أولاده تربية قائمة على حب الوطن والانتماء إليه بكلِّ تفاصيله، وتكون تربية الأبناء على حب الوطن من خلال دفعهم بشكل دائم إلى العمل بإخلاص في كلِّ تفاصيل حياتهم، إضافة غلى اصطحاب الأطفال إلى الأماكن التي تكثر فيها الروح الوطنية والأماكن التي من شأنها أن تربي حب الوطن وتعززه في قلب الطفل، وتبرز تربية الأطفال على حبِّ الوطن أيضًا من خلال تعليمهم وتشجيعهم على إظهار حبهم لوطنهم من خلال التعبير عن هذا الحب بالقول أو العمل أو الكتابة أو الرسم أو الشعر، ومن أسمى مظاهر تربية الأطفال على حبِّ الوطن هي توعية الطفل على كيفية بناء هذا الوطن، والعمل على تعليمهم وتدريسه حتَّى يكون في مستقبله إنسانًا عاملًا وعنصرًا فعالًا في بناء الوطن وتشييد حضارته، كما أن تربية الأطفال على التعايش السلمي وعلى مبدأ قبول الآخر بغض النظر عن دينه وانتمائه من أهم أسباب خدمة الوطن والمحافظة على استقراره وتفادي الفتن والنزاعات الأهلية على أرض الوطن.[٤]
الانتماء للوطن في ظل الشريعة الإسلامية
إنَّ مما لا شكَّ فيه أنَّ الانتماء إلى الوطن قيمة من أهم القيم الإسلامية على الاطلاق، فالوطن جزء من الإسلام والدفاع عنه وعن أهله ومؤسساته وثرواته جزء من هذا الدين الحنيف أيضًا، فالإسلام يدعو إلى الانتماء للوطن والدين والدفاع عنهما، فالإسلام في أحكامه يدعو إلى الانتماء إلى الدولة الواحدة، ويدعو أيضًا إلى توحيد راية المجتمع تحت رأي واحد يصب في مصلحة العامة، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "والسَّمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن وَلِي الخلافة واجتمع الناس عليه، ورَضُوا به، ومن غلَبهم بالسيف، حتى صار خليفة وسُمِّي أمير المؤمنين"، ولأنّ الإسلام دين الفطرة الإنسانية السليمة، وحب الوطن من فطر الإنسان، ذكر القرآن الكريم أنَّ خروج الإنسان من دياره لا يكون إلّا بحالات خارجة عن قدرة المرء، ولأهمية انتماء المرء للأرض ربط القرآن الكريم حب هذا الانتماء بحب النفس، قال تعالى في سورة النساء: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}،[٥]كما ربطه الله -سبحانه وتعالى- بالدين في سورة الممتحنة، حيث قول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}،[٦]فانتماء الإنسان إلى وطنه في المنظور الإسلامي لا يقل أهمية عن انتمائه لروحه وعن حبِّه لدينه، لأنَّ للأرض تأثيرًا كبيرًا على طبيعة الإنسان التي فطره الله تعالى عليها.[٧]
المراجع
- ↑ "حب الوطن"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ سورة الرحمن، آية:60
- ^ أ ب "ملخص بحث: الانتماء للوطن في ميزان الإسلام (بحث ثالث)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ "كيف نربي أولادنا على حب الوطن ؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:66
- ↑ سورة الممتحنة، آية:8
- ↑ "ملخص بحث: الانتماء للوطن ما بين عوامل تؤثر فيه أو تتأثر به في ظل الشريعة الإسلامية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-21. بتصرّف.