الصلاة على الميت
كان هدي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في التعامل مع الميت أكمل الهدي وأفضله، فشرع للمسلمين الإحسان له، ومعاملته بما ينفعه في دنياه وآخرته، كما شرع لهم إقامة العبودية لله -تعالى- حتى في ذلك، فكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقف هو وأصحابه صفوفاً عند الميت؛ فيستغفرون له، ويدعون له بالرحمة، والتجاوز عن الآثام، ثمّ يضعونه في القبر، ويدعون له بالثبات عند السؤال، وفي سياق كل ذلك الإحسان شُرعت صلاة الجنازة على الميت، وصلاة الجنازة شكلٌ من أشكال التعبّد لله -عزّ وجلّ- بالصلاة على الميت على صفةٍ مخصوصةٍ جاء بها الشرع، وحُكمها فرض كفايةٍ، فإذا قام بها بعض المسلمين، سقطت عن الباقين، وتسقط عنهم بأداء مكلّفٍ واحدٍ لها، والحِكَم من صلاة الجنازة متعددةٌ؛ منها القيام بحق الأخوة الإيمانية للميت؛ بأن يحرص إخوته على الدعاء له، والتوسّل عند الله -عزّ وجلّ- بأن يرحمه ويتجاوز عنه، ومنها جبر خواطر أهل الميت، ومساندتهم في مصيبتهم، وفيها كذلك أجرٌ عظيمٌ للمشّيع، كما أنّ حضورها يعطي الإنسان عبرةً عظيمةً، ويذكّره بالآخرة.[١][٢]
يسنّ الإسراع في تجهيز الميت، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ثمّ دفنه، ولا يجوز التأخّر في ذلك إلّا لعذرٍ، وقد ورد في فضل صلاة الجنازة أحاديثٌ كثيرةٌ، منها قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن اتبَعَ جِنازةَ مسلمٍ، إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصَلَّى عليها ويُفْرَغَ مِن دَفْنِها، فإنّه يَرْجِعُ مِن الأجرِ بقيراطين، كلُّ قيراطٍ مثلَ أُحُدٍ، ومَن صلَّى عليها ثم رَجَعَ قبل أن تُدْفَنَ، فإنه يَرْجِعُ بقيراطٍ)،[٣] والسنّة أن تقام صلاة الجنازة على كل مسلمٍ ميتٍ، رجلاً أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، حتى وإن مات بعد إقامة حدٍ من الحدود الشرعية عليه، وإنّ للإمام أو نائبه أن لا يصليا على قاتل نفسه من المسلمين، أو الغالّ من الغنيمة منهم؛ وذلك زجراً لغيرهما عن فعلهما، ولكن يصلّي عليهما باقي المسلمين.[٢]
كيفية الصلاة على الميت
إنّ لصلاة الجنازة كيفيةٌ محددةٌ بالشرع، وفيما يأتي تفصيلها وبيانها:[٢][٤]
- توضع الجنازة معترضةً لاتجاه القبلة، فيكون رأس الميت يمين القبلة، ورجلاه إلى يسارها.
- إذا كان الميت رجلاً، فإنّ الإمام يقف عند رأسه في الصلاة، وإن كان امرأة، فإنّ الإمام يقف عند منتصفها.
- إنّ لصلاة الجنازة أربع تكبيراتٍ، وهي أركانٌ فيها، إلّا أنّ بعض العلماء عدّوا التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام هي الركن فقط، واعتبروا باقي التكبيرات سنّةً، وقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في عددٍ من الروايات، أنّه كبّر أربع تكبيراتٍ في صلاة الجنازة، إلّا أنّه يجوز أن يجعلها الإمام خمساً أو ستاً إلى تسع تكبيراتٍ.
- يقرأ المصلي بعد التكبيرة الأولى سورة الفاتحة، وسورةٌ من القرآن الكريم، ودليل ذلك ما روى طلحة بن عبد الله بن عوف، أنّه صلّى خلف ابن عباس -رضي الله عنهما- صلاة الجنازة، فقرأ ابن عباس فيها سورة الفاتحة، وقال: (ليعلموا أنّها سنّةٌ)،[٥] والسنّة في صلاة الجنازة الإسرار في القراءة.
- يكبّر المصلّي التكبيرة الثانية، ويصلّي بعدها على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأيّ صيغةٍ من الصيغ الصحيحة الواردة في التشهّد أثناء الصلاة المكتوبة.
- يكبّر المصلّي باقي التكبيرات، ويدعو بعد كل واحدةٍ منها للميت، ولم يرد دليلٌ صريحٌ في السنة أنّ الدعاء بعد التكبيرة الرابعة يكون لعامة المسلمين، وإنما تدلّ الأحاديث على أنّ الدعاء يكون للميت نفسه فقط، ومن الأدعية المسنونة بعد التكبيرات قول: (اللهمَّ عبدُكَ وابنُ أمتِكَ احتَاجَ إلَى رحمَتِكَ، وأنتَ غَنِيٌّ عنْ عَذَابِهِ، إن كانَ مُحْسِناً فزِدْ في إحسانِهِ، وإن كان مُسِيئاً فاغْفِرْ له).[٦]
- ينهي المصلّي صلاة الجنازة بالسلام، ويجوز له أن يسلّم تسليمةً واحدةً، أو تسليمتين كما في الصلاة المكتوبة.
أحكام متعلقة بالصلاة على الميت
إنّ لصلاة الجنازة أحكامٌ متعلقةٌ بها، جاء تفصيلها في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفيما يأتي بيان بعضها:[٤]
- لا تجوز الصلاة على الكافر أبداً، فلا تكون إقامة صلاة الجنازة إلّا على ميتٍ مسلمٍ، ولا يجوز الدعاء له بالمغفرة كذلك.
- كلّما كان جمع المصلين على الميت أكبر، وعددهم أكثر، كلّما كان ذلك أفضل للميت، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ فيقوم على جنازتِه أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً، إلّا شفَّعهم اللهُ فيه).[٧]
- يندب إكثار الصفوف خلف الإمام عند أداء صلاة الجنازة، فتكون ثلاثة صفوفٍ فأكثرٍ.
- يجوز للمرأة أن تصلّي صلاة الجنازة، ولم يرد دليلٌ يمنع ذلك، بل ورد عن زوجات النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنهنّ صليّن صلاة الجنازة.
- يكون الوصي على الميت هو الأحقّ بالإمامة في صلاة الجنازة، ثمّ الوالي أو نائبه، ويدخل في ذلك إمام المسجد، ثمّ أقرؤ الحضور لكتاب الله تعالى، ثمّ أعلمهم بالسنة النبوية الشريفة، ثمّ أقدمهم هجرةً، ثمّ أكبرهم سناً.
- إذا اجتمعت عدّة جنائزٍ في مكانٍ واحدٍ، جاز أن يُصلّى على كلّ واحدةٍ صلاةً منفردةً، وجاز كذلك أن يصلّى عليها جميعاً صلاةً واحدةً.
- يجوز أداء صلاة الجنازة في المسجد، والأفضل أن تؤدى خارج المسجد في مكانٍ خاصٍ معدٍّ لذلك.
- المشروع في رفع اليدين من التكبير في صلاة الجنازة، أن يرفعهما المصلّي في التكبيرة الأولى فقط.
- لم يرد في السنة قراءة دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، فهو غير مشروعٍ فيها.
المراجع
- ↑ د.أمين بن عبد الله الشقاوي (2017-10-14)، "كيفية صلاة الجنازة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ".حكم صلاة الجنازة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-16. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 47، صحيح.
- ^ أ ب الشيخ عادل يوسف العزازي (2013-5-28)، "كيفية صلاة الجنازة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-16. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1335، صحيح.
- ↑ رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن يزيد بن ركانة، الصفحة أو الرقم: 1/596، صحيح أو حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 948، صحيح.