قيام الحُجّة على العباد
خلق الله -تعالى- الإنسان وأرسل الرّسل والأنبياء -عليهم السّلام- وأيّدهم بالمعجزات وبالكتب السماويّة ليكونوا مرشدين للنّاس على وجود الله تعالى، وليقيموا الحُجّة على البشر بوصول أمر الله -تعالى- لهم ليوحّدوه ويعبدوه، ولعلم الله -تعالى- في النّفس البشريّة وفطرتها حفّزها للعبادة بالتّرغيب والتّرهيب فمن اتّبع رضوان الله -تعالى- وقام بأوامره وانتهى نواهيه كان له جزاءً حسناً يوم القيامة بدخول الجنّة خالداً فيها، وكذلك فإنّ من حاد عن الطريق وانحرف ولم يشأ أن يكون من عباد الله الصّالحين فإنّ ذلك سيعود عليه بالخسران يوم القيامة، وهذا العذاب هو ولوج نار جهنّم خالداً فيها، وفصّل الله -تعالى- الثواب والعقاب لعباده ليتسنّى لهم تقديم الأعمال التي تقرّر مصيرهم، فيرغبوا بالثواب الحسن ويقبلوا عليه، ويخافوا العاقبة السّيئة فيبذلوا وُسعهم في الابتعاد عنها.
وَصْف نار جهنّم
يرى الإنسان النّار في حياته ويستعملها كلّ يوم وقد يظنّ أنّ عذاب جهنّم ونارها تشابه نار الدنيا التي يستخدمها في حياته، لكنّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أوضح حقيقة الفرق بين نار الدّنيا ونار الآخرة، حيث قال في الحديث الصّحيح: (نارُكم جزءٌ من سبعينَ جزءاً من نارِ جهنَّمَ، قيل: يا رسولَ اللهِ، إن كانتْ لكافيةً، قال: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتسعةٍ وستينَ جزءاً، كلُّهنَّ مثلُ حَرِّها)،[١] بل إنّ حرارة الصّيف التي يشكو منها الإنسان ويتعوّذ منها قال عنها الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّها نَفَس استأذنت جهنّم الله -تعالى- أن تتنفّسه فأذِن لها الله تعالى، وكذلك شدّة البرد الذي يعيشه الإنسان في أبرد أيّام الشّتاء كان من زمهرير جهنّم، والجنّة فيها درجات يتنافس العباد على الاستزادة منها، وكذلك جهنّم لها دركات وكلّ دركة أصعب وأشدّ أهوالاً وعذاباً من نار الدنيا، وكتب الله -تعالى- أن يكون المنافقون في أسفلِ درجة من النّار؛ حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).[٢][٣]
وأمّا طعام وشراب جهنّم فهو الضّريع والزّقوم حيث لا يشبع آكله ولا يغنيه عن شيء من جوعه، ويغصّ فيه إذا أكله فيستغيث ليشرب ما يعينه على الأكل فيُرفع إليه المُهْل والحميم، فإذا وصلت الماء وجهه حرقته من شدّة الحرارة، فإذا شربها قُطّعت أوصاله، وقيل: إنّ ممّا يشرب أهل النّار كذلك الصّديد؛ وهو القيح الذي يسيل من جلودهم فيشربونه لشدّة حاجتهم له، وووصف الله -تعالى- حال طعام وشراب أهل النّار في عدّة مواضع من القرآن الكريم؛ منها قوله: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ)،[٤] وقال أيضاً: (وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا)،[٥] وقال أيضاً: (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ).[٦][٧][٨]
والنّار تكون ضخمة وثقيلة وعظيمة جدّاً، يؤتى بها يوم القيامة تُجرّ بسبعين ألف زِمام، وكلّ زمام يُمسكه سبعون ألف مَلَك كما ورد في الحديث الصحيح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والملائكة الموكّلون بالنّار وصفهم الله -تعالى- بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)،[٩] والنّار تكون مغلقة على الكافرين بحيث لا يستطيعون الخروج منها مهما طال العمر وتوالت السّنين، فهم خالدين مخلّدين فيها كما وعدهم الله تعالى، وحتى يتأكّد أهل النّار وأهل الجنّة من الخلود الموعود، فيُؤتى يوم القيامة بعد دخول أهل الجنّة إلى الجنّة، وأهل النّار إلى النّار؛ يُؤتى بالموت على هيئة كبش فيعرفه أهل الجنّة والنّار، فيذبح على الصّراط ويُنادى في النّاس.[١٠]
أسباب دخول النّار
إذا اطّلع المسلم على تفاصيل نار جهنّم وعَلِم سوء العاقبة وما يحلّ بالكافرين يوم القيامة من شقاء وتعب، فعليه أن يحترز من أيّ عمل يؤدّي إليها، فيجتنب محارم الله -تعالى- ويأتي أوامره ليكون عن عذاب النّار، وأخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ النّار حُفّت بالشّهوات، لذلك كان أوّل ما على المسلم القيام به ألّا يتّبع هوى نفسه، ومن الأعمال التي قد ييقوم بها الإنسان التي تُدخل نار جهنّم يوم القيامة:[١٠]
- اتّباع الشّهوات وتحقيق رغبات النّفس التي تُغضب الله تعالى.
- عدم الإيمان بيوم القيامة وأهواله وأنّ الإنسان سيُحاسب على أعماله، وعدم القيام بالواجبات والتكاليف الشرعيّة التي أمر الله -تعالى- بها كلّ مسلم.
- النّفاق والكِبر؛ حيث أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ المتكبّر لا يدخل الجنّة؛ فقال: (ألا أخبركم بأهل النار؟ قالوا: بلى، قال: كلّ عتل جواظ مستكبر)،[١١] كما أنّ المتكبّرين من أكثر أهل النّار.
- أكل مالِ الحرام؛ فكلّ مال نما للإنسان بطريق حرام فيكون الأولى بالإنسان أن يكون في النّار، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ رجالاً يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ).[١٢]
- الظّلم وإلحاق الأذى بالنّاس؛ حيث يعدّ الظّلم من أعظم الذّنوب عند الله تعالى، حيث روى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ امرأة دخلت النّار في قطّة عذّبتها ومنعت عنها الطعام، حتى أنّها لم تدعها تأكل من الأرض، وروى البخاري في صحيحه عن الرّسول صلّى لله عليه وسلّم: (عُذِّبَتِ امرأةٌ في هِرَّةٍ سجَنَتْها حتَّى ماتت، فدخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطعَمَتْها ولا سَقَتْها إذ حبَسَتْها، ولا هي ترَكَتْها تأكُلُ مِن خَشَاشِ الأرضِ).[١٣]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3265، صحيح.
- ↑ سورة النّساء، آية: 145.
- ↑ "صفة النار من الكتاب والسنة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
- ↑ سورة محمّد، آية: 15.
- ↑ سورة الكهف، آية: 29.
- ↑ سورة الغاشية، آية: 6-7.
- ↑ "الصديد شراب أهل النار"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
- ↑ "طعام أهل النار"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
- ↑ سورة التّحريم، آية: 6.
- ^ أ ب "وصف النار وشيء من عذابها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حارثة بن وهب، الصفحة أو الرقم: 2853، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن خولة بنت قيس الأنصارية، الصفحة أو الرقم: 3118، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 3482، صحيح.