نية الصدقة
الأصل في نية الصَّدقة أنّها من الأعمال الخفية بين العبد وربه؛ فلا يُطلع عليها أحدٌ أيًّا كان، وقد جاء في الصحيحين: (سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)؛ وذكر منهم: (ورجلاً تصَّدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)؛[١] ففي الحديث الشريف زيادة مبالغة بالاستتار؛ لقرب اليمين من الشمال، ولو أمكنَ المتصدقَ أن يُخفي صدقَته عن نفسه لفعل، فالأولى به أن يخفيها عن غيره.[٢]
كما أنّ الأفضل والأكمل أنْ تكون الصدقة خالصةً لوجه الله -تعالى-؛ لا يقصد بها المُتصّدق رياءً، ولا سُمعةً، ولا مِنَّة على الفقير أو المحتاج، وأنْ تكون صادرةً عن نفس طيبةٍ كريمةٍ، تجود بالخير دون انتظار مقابلٍ من أحدٍ من النَّاس؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى).[٣][٢]
تعريف الصدقة
جاء الدِّين الإسلاميّ بمبدأٍ عظيمٍ؛ ألا وهو الحثّ على التكافل الاجتماعي، ومساعدة الفقراء والمساكين، وتفريج أزماتهم الماديّة؛ من خِلال فرض الزكاة، وجعلها ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وإلى جانب الزكاة الواجبة حثّ ورغّب بالصدقة، ودلّت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على عظيم فضلها، والترغيب بها وثوابها العميم في الدُّنيا والآخرة.
قال الله -تعالى-: (وأنْ تَصَدّقوا خيرٌ لكم إنْ كنتم تعلمون)،[٤] وقال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنّ الصَّدقة لتطفئ غضب الرَّب وتدفع ميتة السُّوء)،[٥]
ويمكن تعريف الصَّدقة على أنها: كُلُّ مالٍ، أو متّاعٍ، أو طعامٍ، أو شرابٍ، أو كساءٍ؛ يُدفع للفقراء، والمساكين، والمحتاجين في أيّ وقتٍ، وأيّ مكانٍ، من غير تحديدٍ لكميةٍ أو مقدارٍ، أو كيفيةٍ؛ وإنمّا تطوعاً لله -سبحانه وتعالى-، وطلباً لمرضاته.[٦]
أفضل الصدقة
الصَّدقة مستحبةٌ على كل حالٍ، وفي أيّ وقتٍ؛ ولكن هناك تفضيلٌ لبعض الحالات عن غيرها، وإليها رغّبت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ومن ذلك ما يأتي:
- صدقة السِّر
التي تُؤدى بعيداً عن أعين النَّاس وفي الخفاء تجنباً للرِّياء وستراً على الفقراء، قال -تعالى-: (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).[٧][٨]
- الصَّدقة حال الغِنى والعافية
فعندما سُئل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أي الصدقة أفضل؟ قال: (أنْ تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تأمل الغنى وتخشى الفقر).[٩]
- الصَّدقة داخل الحرمين الشريفين
الحرم المكيّ والحرم المدنيّ؛ حيث أمر الله بذلك في قوله -تعالى-: (فكُلوا منها وأطعموا البائس الفقير).[١٠]
- الصَّدقة في شهر رمضان
فقد صحّ أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عُرف بالجود والكرم؛ فهو أجود النّاس دوماً؛ ولكنّه في رمضان كان أشد جوداً وكرماً؛ لكثرة ما كان يعطي من الصَّدقات لمستحقيها.[١١]
- الصَّدقة وقت الشِّدة
أي التصدق في وقت الحاجة، والأزمات، أو الحروب، والمجاعات، والكوارث؛ لما في ذلك من تخفيف معاناة النّاس وتقليل خسائرهم.
- الصدقة على الأقارب والجيران
فهم أولى بها من البعيد؛ لما في ذلك من مساعدتهم، ووصل رحمهم قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصَّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم اثنتان صدقةٌ وصلّةٌ).[١٢][١٣]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:660، صحيح.
- ^ أ ب [بدر الدين الدماميني]، مصابيح الجامع، صفحة 366. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:264
- ↑ سورة البقرة، آية:280
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:58، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ [أحمد مختار عمر]، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 1283. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:271
- ↑ [الثعلبي]، تفسير الثعلبي الكشف والبيان عن تفسير القرآن، صفحة 319. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1419، صحيح.
- ↑ سورة الحج، آية:28
- ↑ مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 145. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سليمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم:658، صحيح.
- ↑ [سعيد بن وهف القحطاني]، صدقة التطوع في الإسلام، صفحة 16. بتصرّف.