كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم

كتابة:
كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم

القرآن الكريم

هو معجزة الإسلام الخالدة، الراسخة على مر العصور، الباقية إلى يوم القيامة، عجائبها لا تنتهي، كلما تقدم العلم لا يزداد إلاّ قوة وإعجازاً هو نعمة عظيمة وفضلٌ جليلٌ تفضّل به علينا ربنا عزّ وجل، القرآن الكريم أنيس في لحظات الوحشة، نصير في أوقات الشدة، ظهير في وقت الضعف، صديق في وقت الزّلّة، لا تسنطيع كلمات اللغة أن تعبّر عن جمال وجلال قدره؛ فهو كلام الله المنزّل بواسطة الوحي جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربنا، يقول الله تعالى في كتابة العزيز:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[١]، وقد تكفل الله عزّوجل بحفظه إلى يوم القيامة حيث قال ربنا عز وجل :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ}[٢] وسيطرح هذا المقال إجابة سؤال كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم.

معنى الجمع لغة واصطلاحا

الجمع في اللغة يعني الاستقصاء والإحاطة بالشيء، وجمع فلان شيئًا إذا استوعبه وأحاط به، وأما اصطلاحًا ًفله معنيان؛ الأول جمعه بمعنى حفظه في الصدور، وقد ورد هذا المعنى في خطاب الله لنبيّه عندما كان صلّى الله عليه وسلم يحرّك شفتيه ولسانه بالآيات التي كان جبريل عليه السلام يقرؤها عليه فكان النبي يفعل ذلك قبل انتهاء جبريل من قراءتها خوفاً من نسيانها قال الله تعالى :{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ *فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[٣]. وأما المعنى الثاني فجمع القرآن يعني كتابته كله[٤]، فكيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم في عهد الرسول؟ والجواب أنها تمت بطريقتين وهما الحفظ في الصدور والكتابة في السطور.

كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم

أولاً- جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور : وقد كان ذلك في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ إن الآيات كانت تتنزل عليه مفرّقة في ثلاث وعشرين سنة وكان النبي يحفظها كما وعده الله فكان بذلك أول الحفاظ ثم بدوره يعلمها للصحابة[٥] وجاء في الحديث في ثلاث روايات في صحيح البخاري أسماء سبعة من الحفاظّ وهم عبد الله بن مسعود سالم بن معقل مولى أبي حذيفة معاذ بن جبل أبيّ بن كعب زيد بن ثابت أبو زيد بن السكن وأبو الدرداء -رضوان الله عليهم أجمعين-، وذكر أسمائهم لا يعني الحصر فقد عُرف عن الصحابة جميعهم حرصهم على حفظه وتحفيظه لأزواجهم وأولادهم وكان يُسمع صوتهم في جوف الليل وهم يقرؤونه، وكيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم كتابة حتى وصل إلينا بالشكل الحالي فاستطعنا أن نتعبد به ربنا ونتلوه آناء الليل وأطراف النهار، لذلك كان لابدّ من جمعه وتوثيقه كتابة، فالطريقة الثانية هي جمع القرآن بمعنى كتابته في السطور فعندما كان القرآن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر كُتّاب الوحي بكتابته، ومنهم زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب ومعاوية وأبي بن كعب وغيرهم فكان يأمرهم بكتابة الآيات ويرشدهم إلى موضعها في السورة[٦] بالإضافة إلى أن الصحابة كانوا يكتبونها لأنفسهم، وأما أدواتهم فكانت من الرقاع وقطع الأديم والأكتاف وغيرها مما تيسر، ولا يخفى علينا مقدار المشقة في ذلك، فتضافرت الطريقتان الحفظ والكتابة لتحقيق هذا الجمع للقرآن الكريم فكيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم بواسطة الطريقتين السابقتين وكيف كان جبريل عليه السلام يعرض على الرسول -محمد صلى الله عليه وسلم- القرآن مرة كل سنة في شهر رمضان ومرتين في السنة التي توفي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم:"إَنَّ جبريلَ كان يعارضُنِي القرآنَ كلَّ سَنَةٍ مرةً ، و إنَّهُ عارضَنِي العامَ مرتينِ ، و لا أراهُ إلَّا حضرَ أجلِي ، و إنَّكَ أولُ أهلِ بَيتِي لحاقًا بي ، فَاتَّقِي اللهَ و اصْبِرِي ، فإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ"[٧] ثم بدأ عهد الصحابة ولم يكن القرآن الكريم مجموع في صحف أو بين دفتين بل كانت آياته مفرقة بين الصحابة حفظاً وكتابة وهذا هو الجمع الأول، فكيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم حتى وصلت بهذه الصورة.

جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه

ارتد كثير من المسلمين في عهد أبي بكر رضي الله عنه فكانت حروب الردة ومنها معركة اليمامة التي استشهد فيها سبعمائة من الحُفّاظ لكتاب الله فشعر سيدنا عمر بن الخطاب بالخشية على كتاب الله من النسيان والضياع فأشار على سيدنا أبي بكر بجمع القرآن لكنه كان وقّافاً عند حدود أفعال الرسول فلم يرض أول الأمر ثم مازال سيدنا عمر بن الخطاب يراجعه حتى شرح الله صدره لهذا الجمع[٨] فطلب من زيد بن ثابت أن يتولى هذه المهمة فكان فعله كفعل أبي بكر، ولم يرضَ في أول الأمر لكن الله شرح له صدره لهذه المهمة الشاقة، حيث بدأ بجمعه من صدور الرجال ومن الرقاع وقطع الأديم، ورغم حفظه لكتاب الله كاملاً وحضوره العرضة الأخيرة إلا أنه كان يتحرى الدقة وغاية التثبت فكان لا يقبل آية إلا بعد أن يشهد شاهدان على أنها كتبت بين يدي -رسول الله صلى الله عليه وسلم- ، وبعد هذا العمل الهام والشاق جُمع القرآن في صحف، مرتب الآيات والسور، كتابته مشتملة على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم وبقيت هذه الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر ثم انتقلت إلى حفصة بنت عمر، ولكن الإجابة على السؤال -كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم- موضوع المقال ماتزال غير كاملة، لذا فإن هنالك جمع آخرفي عهد عثمان رضي الله عنه.

جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه

بعد اتساع الفتوحات الإسلامية تفرق القراء في الأمصار، وكان كل قارئ يعلم الناس الذين جاء إليهم قراءته التي تعلمها، فكانت وجوه القراءة مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل بها القرآن الكريم فإذا اجتمع القرّاء عجبوا لهذا الاختلاف مع اقتناعهم أن قراءاتهم منسوبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- لكنّ طلابهم لم يدركوا الرسول فدخل الشك إليهم وبدأت تظهر علامات فتنة، ثم إنّ الصحابي حذيفة بن اليمان شارك في غزوات على أرمينيا وأذربيجان فرأى هذا الاختلاف في القراءة المشوب باللحن أي الخطأ في بعض الأحيان، ولمس تمسك كل واحد من القراء بقراءته مما أدى إلى نشوء الفتنة بينهم ثم تكفير بعضهم لبعض، ففزع إلى عثمان رضي الله عنه يخبره فخاف والصحابة من التحريف والتبديل في آيات الله، عندئذ قرروا نسخ الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر[٩] وأرسل عثمان إلى حفصة يطلب تلك الصحف، ثم جمع الصحابة زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام -رضوان الله عليهم- وأمرهم أن يكتبوها، حتى إذا انتهوا رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل بالمصاحف إلى الأمصار وأمر أن يحرق ماسواها[١٠] لأنّ النسخ كانت قد جمعت ماثبت من الأحرف والقراءات بإجماع الصحابة حتى يقطع دابر الخلاف ويجمع المسلمين على مصحف واحد، وبذلك نتيقن أنّ القرآن كله كُتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستطيع معرفة كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم.

لماذا لم يجمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

هذا سؤال هام، والإجابة عليه تتفرع إلى سببين اثنين، أولاهما أنّ القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة بل نزل منجماً كما ذكرنا، فجمعه كان من الصعوبة بمكان، كما أنّ الآيات كانت تنزل غير مرتبة ثم يُعلم ترتيبها، ولو جُمع لكان لا بدّ من إعادة كتابته وجمعه كلما نزلت آية أو أكثر، وهذا فيه من المشقة مافيه، والسبب الثاني أنّه لم يكن هنالك دواعي لكتابته فقد كان -الرسول صلى الله عليه وسلم- بينهم أماناً من أي خوف أو ضياع لآيات الله، وكيف خطّ -صلى الله عليه وسلم- طريقه هو وصحابته في السعي حفظ كتاب الله إلى يوم الدين ، وكان تاريخهم المشرق المشرف وأعمالهم الخالدة سبباً في الإجابة على السؤال المطروح ألا وهو كيف تمت عملية حفظ القرآن الكريم، فاللهم اجمعنا بهم في جنات النعيم.[١١]

المراجع

  1. سورة البقرة ، آية: 2.
  2. سورة الحجر، آية: 9.
  3. سورة القيامة ، آية: 16-19.
  4. "بحث واسع حول جمع القرآن"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  5. "مراحل جمع القرآن الكريم "، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019.
  6. "كتاب الوحي والذين شهدوا العرضة الأخيرة للقرآن رقم الفتوى: 100265"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم: 2054، صحيح.
  8. "جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  9. "جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  10. "الأسباب التي حملت عثمان على جمع القرآن في مصحف واحد وحرق ما عداه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
  11. "لماذا لم يُجمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم?"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2019. بتصرّف.
3828 مشاهدة
للأعلى للسفل
×