محتويات
الصلاة
تعد الصلوات الخمس أساس الإسلام، بل إنها آكد أركانه الخمسة بعد النطق بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقد جاءت فرضيتها ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة تأكيدًا على مكانتها وأهميتها، وكانت فرضيتها من خلال لقاء نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم بالله تعالى مباشرةً وذلك قبل الهجرة النبوية بسنة، وهي واجبةٌ على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، فلا تسقط لأي سببٍ ولا لأي طارئ سوى ما يعتري النساء من أحكام لها مكانها، ومن شديد عناية الله بالصلاة وحبه لها أن فرضها على المسلمين خمسين صلاةً ثم نزلت بعد ذلك حتى بلغت خمس صلوات في العمل وخمسين في الأجر،[١] والصلوات الخمس أولى الأعمال التي يُحاسب الله عليها عباده يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت صلاته فسدت أعماله الباقية كما مرَّ في حديث حُريث بن قُبيصة رضي الله عنه، وفي هذا المقال بيان كيف تنعكس قيم الصلاة على الحياة الاجتماعية وسلوكيات الأفراد والجماعات.[٢]
كيف تنعكس قيم الصلاة على الحياة الاجتماعية وسلوكيات الأفراد والجماعات
مما يُميز الدين الإسلامي عن باقي الأديان أن العبادات التي أمر أبناءه بها لم تأت بما يخالف طبائعهم ومعاملاتهم وظروف حياتهم، بل كانت تلك العبادات مما يتعامل به الناس بين بعضهم البعض، كما أنها تدعو إلى فضائل الأعمال في التعاملات اليومية بين الناس، بل كانت تلك العبادات تمتاز بأنها تظهر الانتماء العقدي للمسلم في تعامله وأخلاقه، من ذلك أن كلَّ عملٍ مشروعٍ يقوم به المسلم في حياته اليومية ويقصد به إرضاء الله يعد عبادةً يؤجر عليها المسلم ويتقرَّب بها من الله، لذلك فمن الممكن أن تتحول جميع أعمال المسلم الحياتية التي يقوم بها أي إنسان إلى عبادة بحق ذلك الشخص فيؤجر على فعلها نتيجة نيته الحسنة التي وجهها نحو إرضاء الله، فمن ذلك يجب على المسلم أن يتحرى الصدق في كلامه فلا يكذب، ويتعامل بالأمانة فلا يخون ولا يغدر ولا يسرق، ويحسن إلى ذي القربى ويعطف على المسكين، ويتذلل للمحتاج والضعيف، وغير ذلك من الأخلاق والتعاملات بين الناس.[٣]
أثر الصلاة في حياة الفرد
تظهر الآثار التربوية والاجتماعية للصلاة على حياة الفرد الذي يواظب على أداء الصلاة في وقتها، فتجده متأثرا بالصلاة وقيمها وأخلاقها الفاضلة التي تدعو لها، وقد جمع بعض المختصين تلك الآثار والقيم العديدة للصلاة التي تظهر في حياة الفرد ومن بعض تلك الآثار ما يأتي بيانه:[٤]
- الثقة بالنفس: فالصلاة تجعل الذي يواظب عليها واثقًا بنفسه وذلك من خلال ثقته بخالقه لاتباطه المباشر به، كما أن الذي يواضب على الصلاة يعتني بهندامه ومظهره فيزيده ذلك ثقةً بنفسه، إضافةً إلى كونه في علاقة مجتمعية واسعة بحكم تعامله مع رواد المساجد مما ينفي عنه العزلة الاجتماعية فيزيد كذلك من ثقته بنفسه.
- مقاومة التوتر: فيظهر أثر ذلك على الفرد من خلال وقوفه الطويل المتأني لأجل إتمام الصلاة فلا يتعجل في أدائها، مما يزيد من صبره ويؤدي إلى تخليه عن صفة الاستعجال التي توجد في الشباب عمومًا، لكن ذلك لا يتحقق لكل مصلٍ إنما يتحقق لمن يتأنى في صلاته فلا يتعجل فيها ولا ينقرها نقر الغراب، فيؤدي أركانها وحركاتها باطمإنان وتؤدة.
- مقاومة الخوف: فالصلة التي بين العبد وخالقه التي تظهر في الصلاة تنفي عنه الخوف لعلمه أنه بجوار الله تعالى وأنه في حفظه ورعايته وحمايته، وأن الله يؤيده وينصره ما دام محافظًا على صلاته مواظبًا عليها، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا غلامُ احفظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجده تجاهك، إذا سألت فاسألِ اللهَ، وإذا استعنت فاستعن بالله".[٥]
- التوازن النفسي: فإن الصلاة هي عبارة عن تفريغ الشحنات الثقيلة الإنفعالية التي تمر بالإنسان نتيجة ما يلاقي في يومه وليلته بعد تعامله مع الناس، ويتركز تفريغ تلك الشحنات خاصةً أثناء السجود لقرب الإنسان من خالقه وانكبابه على الأرض، فيفرغ المصلي همومه جميعها أثناء سجوده وهو يناجي ربه ويدعوه بما يحب.
- الصلاة سكينةٌ للنفس: يصلالمسلم في صلاته إلى سكينةٍ ونفسيةٍ عاليةٍ بسبب الحالة الناضجة التي يصل إليها في صلاته بعد بلوغه مرحلة اليقين بقربه من الله وتنفيذ أوامره والالتزام بها، ولا يمكن للمرء بلوغ هذه الدرجة من الاستقرار النفسي إلا بالصلاة والعبادة.
- الصلاة تُشفي صاحبها من عقدة الذنب: فالمصلي قريبٌ من ربه متصلٌ به، والصلاة تعالج عقدة الذنب وللأضرار التي تنتج عن تلك العقدة التي تنشأ لدى الإنسان فيحتقر حسناته وتعظم سيآته في عينه حتى يفكر في إيذاء نفسه واحتقارها، فإن لجأ للصلاة انحلت تلك العقدة فيرضى عن نفسه ويضعف شعوره بالتقصير.
أثر الصلاة في المجتمع
تنعكس آثار الصلاة على المجتمعات بحدٍ سواء كما تنعكس على الفرد، فالفرد هو نواة المجتمع، ومنه تنشأ الأمم وتزدهر وتتقدم إن كان الفرد صالحًا منتجًا، ومن أبرز الآثار الاجتماعية التي تظهر على المجتمعات التي تنتشر فيها ظاهرة الالتزام بالصلوات وتطبيقها على وجهها الأكمل ما يأتي:[٦]
- الصلاة في جماعة تزيد أواصر المحبة والقرب بين أفراد المجتمع؛ فإن حضر المسلم صلاة الجماعة وواظب عليها عرفه المصلون وسألوا عنه حال غيابه وعادوه في مرضه وواسوه في حزنه وفرحوا له في فرحه.
- صلاة الجماعة تجعل المجتمع متوحدًا متكاتفًا متماسكًا متعاضدًا، ينصر فيه القوي الضعيف، ويعطف الغني على الفقير والصغير على الكبير، وينتشر التعاون بين أبناء المجتمع مما يدعو للتحاب والتماسك.
- الصلاة تعكس على المجتمع أثرًا إيجابيًا من خلال أداء الصلوات وإتقان إدائها والإحسان فيها، فيحث الناس على فعل الخير والقرب من الله تعالى، وينعكس أثر ذلك على الجماعة والأمة فيظهر الإخلاص فيهم ويبدو نور الصلاة في وجوههم.
- صلاة الجمعة تعدُّ اجتماعًا أسبوعيًا للمسلمين قيمة عظيمة حيث دعا الإسلام إلى التعطر والتجمُّل والاستعداد لأجل الصلاة وعدم التهاون في تركها والحذر من ذلك، مما ينعكس أثره صحيًا واجتماعيًا على المجتمع من خلال الاهتمام والعناية بالنظافة الجسدية للأمة والعناية باللبس والمظهر، كما أن فيها حرصًا على حضور اجتماع المسليمن الأسبوعي.
المراجع
- ↑ "حكمة مشروعية الصلاة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
- ↑ "ممنزلة الصلاة في الدين"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
- ↑ "دور العبادة في بناء الفرد والمجتمع"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
- ↑ ياسين عبد الصمد كريدي التميمي، أثر الصلاة في تشكيل الفكر التربوي الإسلامي، صفحة 134-139. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:5232، حديث إسناده صحيح.
- ↑ اسحاق السعدي، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه، صفحة 760-763. بتصرّف.