محتويات
حركة الترجمة في العصر العباسي الأول
مورست الترجمة في العصر العباسي الأول، والذي وهو كان من أزهى العصور في تاريخ العالم والعرب، وقد كان للترجمة دور كبير في الازدهار الذي طال كل أركان الدولة وعلومها في شتى المجالات، والحق أنّ الخلفاء العباسيين كانوا من أهم الدوافع التي أدت إلى هذا الازدهار؛ وذلك بسبب تشجيعهم الدائم للعلم، والعلماء، والأدب.
دور الخلفاء العباسيين في دعم حركة الترجمة
قالت العرب قديمًا وصدقت "إنما الناس على دين ملوكها"، حيث ما لبث الاهتمام والرغبة الحقيقية في التعلم والتطور عند الخلفاء العباسيين إلى أن انتقل إلى مختلف شرائح الشعب عامة، ولا سيما النوابغ منهم والجادين في النهل من العلم، وقد كانت الترجمة حلقة الوصل الوحيدة بين هذه العلوم وبين العرب، أما عن الدور البارز الذي لعبه خلفاء العصر العباسي الأول في تطور الترجمة فقد تمثل بالنقاط التالية:[١]
- جلب الكتب العلمية باللغات المختلفة من شتى الأنحاء، بالاتفاق مع حكامها، كالخليفة الثاني أبي جعفر المنصور الذي طلب من بيزنطة ما عندها من كتب ومخطوطات يونانية لتتم ترجمتها إلى العربية، وقد كان الخليفة أبو جعفر المنصور من أوائل الخلفاء الذين اهتموا بحركة الترجمة ونقل العلوم إلى العربية.
- قيام الخلفاء باستبدال الغرامة المالية المفروضة على البلاد المفتوحة بكتب العلوم التي لديهم، وقد كان المأمون أول من فعل هذا، حيث طلب من ملك الروم بعد أن انتصر عليهم عام 215هـ بمنحه كل الكتب اليونانية التي لديهم لتتم ترجمتها إلى العربية.
- إنشاء ديوان الحكمة أو ما يُسمى ببيت الحكمة، والذي كان له الفضل في حفظ المخطوطات التي تمت ترجمتها عن اللغات الأخرى إلى اللغة العربية. ويعود فضل ازدهار بيت الحكمة للخليفة المأمون الذي لعب دورًا كبيرًا في تشجيع المترجمين، لكن الفضل في إنشائه يعود إلى الخليفة هارون الرشيد، الذي أسسه خلال خلافته، وأسند مهامه إلى ماسويه، وهو عالم مسيحي أوكلت إليه هذه المهمة بسبب معرفته الجيدة باللغة اليونانية وأسس الترجمة.[٢]
- إجزال العطايا والمنح من الخلفاء العباسيين لكل العلماء والأدباء بشكل عام، والمترجمين بشكل خاص؛ لما كان لهم من أثر واضح في ازدهار العلوم في الدولة.
- إرسال البعثات إلى البلدان المختلفة لنقل العلوم منها وترجمتها، بالإضافة إلى تكفل الدولة بكامل نفقاتها هناك، وتقديم كل سبل الراحة لأفرادها.
- إيمان الخلفاء العباسيين بأهمية نقل العلوم إلى العربية، والنظر إلى مشروع الترجمة على أنه مشروع قومي حقيقي تترتب عليه تبعات ستشهدها الأجيال القادمة، وهذا ما تحقق بالفعل.
- حرص الخلفاء على وضع الأكفاء المناسبين في الأماكن المناسبة، بغض النظر عن كونهم عربًا، أو عجمًا، أو مسلمين، أو مسيحيين، فالمهم أن يكونوا أصحاب علم وأمانة، وهذا ما أثبته المأمون لما أسند أمانة بيت الحكمة ليوحنا بن ماسويه، وربما كان هذا المبدأ من أهم الأسباب التي جعلت من العصر العباسي عصرًا ذهبيًا.
أهم المترجمين في العصر العباسي الأول
إنّ كل ما قُدم من دعمٍ لحركة الترجمة والعلماء، وتوسيعٍ لمدارك الشعب عامة، كان له الفضل ليس فقط في ازدهار العصر العباسي، بل وفي تقدم البشرية جمعاء وحفظ علومها حتى يومنا الحاضر، وذلك لأن النسخ الأصلية اليونانية التي تُرجمت فُقدت كلها أو معظمها ولم يتبق منها إلا النسخ العربية، وبالتأكيد فقد كان للمترجمين في العصر العباسي الأول فضلٌ كبيرٌ في ذلك، ومن أشهر الأسماء التي لمع نجمها في تلك الفترة:
- عبدالله ابن المقفع: ولد عبدالله ابن المقفع في العراق سنة 106هـ، وكان من مجوس بلاد فارس قبل أن يُسلم، وسمي بابن المقفع نسبة لمهنة أبيه، الذي كان يعمل في صناعة "القفة"، وهي وسيلة نقل عبر الأنهار تشبه القارب، وشكلها دائري، ويُعتبر ابن المقفع من أوائل من اهتم بالترجمة في الإسلام، وله العديد من الترجمات المهمة، والتي من أكثرها رواجًا كتاب كليلة ودمنة، الذي نقله من الفارسية إلى العربية.
- حنين بن إسحاق: من نصارى الحيرة ومن أهم وألمع رجالات الدولة العباسية، تميزت ترجماته بعمق النظرة وصحة الاستدلال، ذلك أنه كان يلتزم متن النص الأصلي، وغالبًا ما يلتزم بشكله كذلك، وقد كان قد تتلمذ على يد يوحنا بن ماسويه، ومن أروع ما جاد به في الترجمة العربية مؤلفات غالينوس، وأبقراط، وأرسطو، والعهد القديم من اللغة اليونانية.
المراجع
- ↑ نجيب غزاوي، الترجمة في العصر العباسي، صفحة 1-108. بتصرّف.
- ↑ "The House of Wisdom: Baghdad’s Intellectual Powerhouse", 1001inventions, Retrieved 23/3/2022. Edited.