كيف نفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس

كتابة:
كيف نفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس

الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس

إنّ الوساوس التي تأتي للإنسان لها أكثر من مصدر، فقد تكون وسوسة من الشيطان، وقد تكون وسوسة من نفسه -وهي النفس الأمّارة بالسّوء- أو من الناس، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ وسوسة النفس ووسوسة الشيطان كلاهما متقاربان، ولا فرق ظاهر بينهما، وعدّوا وسوسة النفس من الشيطان.[١]

ولكن هناك عدّة علماء اجتهدوا في ذلك وفرّقوا بينهما من عدّة حيثيات، وسيتمّ بيان ما ذكروه فيما يأتي:

التفريق الذي ذكره أبو حازم

ذكر أبو حازم -رحمه الله- تفريقاً لطيفاً بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان، ونقله ابن تيمية عنه، وكثيراً ما يستشهد العلماء به، حيث قال: "ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان، فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك، فانهها عنه".[٢]

ومعنى ذلك أنّ النفس توسوس لصاحبها فيما تحبّه من الشهوات، أما الشيطان فيوسوس بأمرٍ يكرهه الشخص لنفسه،[٣] لِذا فإنّ وسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة وذكر الله، أمّا وسوسة النفس فقد تحتاج إلى مجاهدةٍ أكثر لنهي النّفس عن أهوائها وشهواتها.

الفرق من حيث كيفية الحثّ على المعصية

ذكر بعض أهل العلم فرقاً آخر من حيث كيفية حثّ كلٍّ من النفس والشيطان، ومقاصد كلّ واحدٍ منهما، وبيان ذلك فيما يأتي:[٣]

  • وسوسة النفس

تحثّ النفس صاحبها على شهوةٍ أو معصيةٍ محبّبة للنفس بعينها، فتبقى تلحّ عليه في فعل ذات الشهوة والمعصية، وتكرّر طلبها لأنّها تحبّها بالرغم من معرفة أنّها تؤدّي إلى الإثم، فوسوسة النّفس تأتي من تركيبة النّفس البشريّة التي جُبلت على حبّ الشّهوات والمتع، وما يهذّبها هو الدّين والرّقابة الذّاتيّة، قال -تعالى-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا* كَذَّبَتْ ثَمُودُ).[٤]

  • وسوسة الشيطان

يقصد الشيطان من الوسوسة الإضلال والغواية، لِذا فهو يُزيّن للإنسان معصيةً ما حتى يرتكبها ويقع فيها، فإن صدّه المسلم انتقل الشيطان يوسوس له بمعصيةٍ أخرى حتى يقع فيها، فإنْ عجز انتقل إلى معصية ثالثة وهكذا، لأنّ همّه أن يُغضب الإنسان ربّه لا الوقوع في ذات المعصية فحسب، فيبقى يحاول إيقاع الإنسان في المعاصي من خلال الوسوسة بواحدةٍ تلو الأخرى.

ومثلاً قد يوسوس الشيطان للناس في عقيدتهم ودينهم، فيزيّن لهم الباطل على أنّه حقّ حتّى يبتعدوا عن الصّراط المستقيم والمنهج القويم، ويوسوس بإفساد العلاقات بين المسلمين بتشجيع الحسد والسّحر والغيبة والنّميمة وكلّ ما من شأنه أن يفرّق المسلمين، وتأتي وساوس الشّيطان بالعبادات أيضاً، فيشغل المسلم مثلاً عن صلاته بقوله اذكر كذا وكذا من أمور الدّنيا حتّى لا يحقّق الخشوع في صلاته.

ماذا يترتّب على التفريق بينهما؟

لا يترتّب غالباً على معرفة الفرق بين وسوسة النفس الأمّارة بالسّوء ووسوسة الشيطان شيئاً من حيث الحكم، فهما مشتركان في ذلك، أي لا يؤاخذ عليهما الإنسان ما لم يعمل ويتكلّم بهما،[٥] فهي من أثر فعل الشيطان أو النفس في القلب، فقد قال فتى موسى لموسى -عليه السلام-: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)،[٦] وهذا لا يؤاخذ عليه.[٧]

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَتَكَلَّمْ)،[٨] أمّا إذا استرسل الإنسان في هذه الوساوس وتهاون بها وبمدافعتها فقد يؤاخذ على هذا التهاون.

المراجع

  1. "بيان الفرق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان"، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2022. بتصرّف.
  2. جمال الدين القاسمي، تفسير القاسمي محاسن التأويل، صفحة 581، جزء 9. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "مصادر الوساوس وهل يؤاخذ المسلم عليها؟"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2022. بتصرّف.
  4. سورة الشمس، آية:7-11
  5. "الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2022. بتصرّف.
  6. سورة الكهف، آية:63
  7. ابن القيم، إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان، صفحة 75. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5269، صحيح.
2807 مشاهدة
للأعلى للسفل
×