كيف يوزع النذر

كتابة:
كيف يوزع النذر

النذر في الإسلام

فَرضَ الله سُبحانه وتعالى على عِباده بعضَ العبادات على سبيل الوجوب، وطَلَب مِنهم أداء بعضها على وجه التخيير؛ فبعضُ الأشخاص إذا حَصَلت لهم نعمةٌ معينةٌ، أو واجهوا أمراً عصيباً ثم نجّاهم الله منه أو تعرّض أحد أقاربهم لأذى ثم صرفه الله عنه فإنهم يُلزمون أنفسهم بأداء بعض العبادات والطاعات وذلك شُكراً لله على ما أنعم به عليهم، أو على ما صرفه عنهم من البلاء والمصائب، وذلك يُطلق عليه النذر، فما هو النذر؟ وكيف يُوزّع؟


معنى النذر

للنذر في اللغة والاصطِلاح عِدّة تعريفات بيانها كالآتي:

  • النذر في اللغة: مَصدر نَذَرَ يَنذُر ويَنذِر، نذْرًا ونُذورًا، فهو ناذِر، ومَنْذور، ونذَر الشّخصُ: أوجبَ شيئاً من الأفعال أو الأقوال على نفسه، كأن يكونَ صدقةً أو غير ذلك، ونذر نفسَه لخدمة العلم: فرّغها للعلم وخَصّصها له، ونَذَرَ وَلَدَهُ: جَعَلَهُ قَيِّماً أو خَادِماً لِلْمَعْبَدِ، والنَّذْرُ هو: ما يُقدّمه المرءُ قُربةً لرَبّه، أَو هو ما يوجبُه على نفسه من طاعةٍ كصَدقة أَو عبادَة أَو غير ذلك، ونذْر العفَّة: أن يفرض شخصٌ على نفسه الامتناع عن الملذّات الجنسيّة كُليّاً، ونَذْر المجازاة: أن يُلزم الشَّخصُ نفسه بواجبٍ مُعيّنٍ إذا حدثت له نعمة.[١]
  • النذر في الاصطلاح: هو أن يُلزم المكلّف نفسه بشيءٍ قربةً لله، لم يكن لازماً عليه شرعاً، وذلك بأن يتكلّم بما يوجب عليه ذلك، كأن يقول: لله عليَّ نذر كذا وكذا، أو يقول: لله عليَّ عهد كذا وكذا، أو لله عليَّ أن أفعل كذا، أو لله عليَّ أن أترك كذا، وغير ذلك من الصيغ التي لا تَرتبط بصيغةٍ معينة إنما ترتبط بكلام الناذر نفسه.[٢]


أنواع النذر حسب صيغته

ينقسم النذر حسب صيغته التي يتلفّظ بها الناذر إلى نذرٍ منجزٍ، ونذرٍ معلق، وبيان ذلك كالآتي:[٢]

  • النَّذر المنجز: هو أن يُنذر الناذر أمراً لا يقف على انتظار تحقيق شيءٍ للناذر بل يكون مطلقاً، كأن يقول الناذر مثلاً: (لله عليَّ أن أصوم ثلاثة أيام) أو يقول: لله عليّ أن أقوم الليل خمس ليال، أو غير ذلك من العبادات والأعمال الصالحة.
  • النَّذر المعلَّق: يكون بأن يُعلِّق الناذر فعل النَّذر على تحقيق شيءٍ له أو لمن يخصُّه من الناس، كأن يقول مثلاً: (إن شفى الله مريضي فللّه عليَّ أن أتصدق بألف دينار، أو لله عليّ إن تحقّق لي كذا سأذبح شاةً، أو نحو ذلك من الأعمال والطاعات.


كيفية توزيع النذر

لا توجد للنذر كيفيةٌ مُعينةٌ يُتوزّع بناءً عليها، إنما يعود ذلك إلى حال الناذر واللفظ الذي ذكر به كيفيّة إخراجه لنذره، فإن كان لفظ النذر مُطلقاً كأن يقول، لله علي أن أذبح شاةً فإنّه يجوز له أن يُوزّع ذلك النذر كيفما شاء على الفقراء والمساكين وأهل بيته والأغنياء، ويُوزّعها حسب ذلك أثلاثاً أو أرباعاً أو إلى نصفين، فكلّ ذلك جائز، أمّا إن نذر أن يذبح شاةً ويُوزّعها على أهله وأقاربه والمساكين فإن ذلك يشمل أهل بيته وأهله (أخوانه وأخواته ووالدته وأعمامه وعماته ) فجميع هؤلاء يدخلونَ ضمن أهله، ويدخل بها كذلك الفقراء والمساكين، وإن نَذرها للفقراء والمساكين فقط فيُوزّعها على الفقراء والمساكين فقط، فإن نوى إخراج طرفٍ مُعيّن لم يجز له أن يُطعمه أو يُعطيه من الشاة وفاءً لنذره.[٣][٤]


حسب ما ذهب إليه جُمهور الفقهاء فإنّ الناذر لا يَجوزُ له أن يأكل من نذره؛ حيث اختلفوا في هذه المسألة على النحو الآتي:[٣][٥]

  • ذهب عُلماء الحنفيّة إلى أنّه ليس للناذر أن يأكل من نذره، فإن أكل شيئاً منه ضمن قيمته للمساكين؛ أي يَجب عليه أن يُخرج قيمة ما أكل للفُقراء والمساكين، وحُجّتهم بذلك أنّ الذبيحة إذا كانت مُنذرةً للمساكين مثلاً فهي مَحصورةٌ عليهم، فليس للناذر أن يُخرج منها شيئاً ويصرفه لنفسه أو لغيره.
  • ذهب الشافعية إلى أنّه يحرم على الناذر ومن تلزمه نفقته أن يأكلوا من نذره مطلقاً، وحُجّتهم بذلك أنّ نذر الذبح فيه إلزامٌ للنّفس بالتنازل عن الذبيحة المنذورة لله سبحانه وتعالى، لذلك اقتضى أن لا يأكل الناذر أو من تلزمه نفقته منها شيئاً.
  • أجازَ فقهاء المالكية وبعض فقهاء الشافعية للناذر أن يأكل من الذبيحة المنذورة إن كان نذره مُطلقاً؛ بحيث لم يُخصّص الجهة التي سيُخرجها فيها لا باللفظ ولا النيّة.


حكم النذر

النذر في أصله مشروع، إلا أنّه من حيث الحُكم يَحتمل الجَواز والكراهة، والأصل فيه الكراهة؛[٦][٧] لما رُوي عن ابنِ عمر- رضي الله عنهما - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهى عن النذر، وقال: (إنه لا يَرُدُّ شيئًا، وإنما يُستخرَجُ به من الشَّحيحِ)،[٨] وكذلَك لأنّ الناذر فيه يُلزم نفسه بما لم يُفرض عَليه شرعاً، فيُسبّب لنفسه المَشقّة بلا داعٍ، ولأنَّ فعل الخير مَطلوبٌ من المُسلم دون أن يُلزم نفسه به بطريق النذر إنّما يفعل ذلك البخيل.


النذر في فعل طاعة

إن كانَ النّذر في فعل طاعةٍ يجب على الناذر أن يفي بنذره؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)،[٩] وروت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من نذر أن يُطيعَ اللهَ فليُطِعْهُ ومن نذر أن يعصي اللهَ فلا يَعْصِه)،[١٠] كما أنَّ الله - سبحانه وتعالى مدح الذين يوفون بنذورهم وأثنى عليهم في كتابه العزيز حيث قال عزّ من قائل: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)،[١١]


أمر الله - سبحانه وتعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوفاء بالنذر، مما دلَّ على أنّ النَّهي الوارد في الحديث المروي عن النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما هو على سبيل كراهة النذر لا تَحريمه، أمّا الوفاء بالنذر فواجبٌ في أصله إلّا أن يكون بمعصيةٍ للهِ سبحانه وتعالى، أمّا من نذر لغير الله أو في تقرّبٍ لقبرٍ، أو نذر في أمرٍ شركي فقد أشرك بالله.[٦][٧]


النذر في فعل معصية

إن كان النذر في معصية الله؛ كأن ينذر الشخص ما فيه مخالفةٌ للتسوية بين أبنائه أو حرمان وريثٍ من حقّه الشرعي، أو إعطاء وارثٍ زيادة عن حقّه أو نذر بما لم يأذن به الله، أو أوجب على نفسه فعلاً لم يشرعه الله تعالى ولم يوجب عليه، أو كان النذر بما شَرعه الله تعالى وأباحه لكنّ الناذر لا يُطيق فعله لمرضٍ أو عجزٍ أو غير ذلك فإنّ عَليه كفّارة يمين يُخرجها تكفيراً عن نذره، ثمّ يَجب عليه بعد ذلك عدم الوفاء به، أمّا إن كان الناذر مُشركاً أو كتابياً ثم أسلم وكان ما نذر به مَشروعاً لزمَه الوفاء بنذره، فإن نَذَر شخصٌ بجميع ماله فإنّ نذره لا يُنفّذ إلا بثلث ماله فقط، أمّا إن نذر رجلٌ بقربةٍ ثم مات فأدّاها عنه أحد أبنائِه أو أقاربه جاز ذلك.[٦][٧]


المراجع

  1. "تعريف ومعنى نذر"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، مختصر الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: بيت الأفكار الدولية، صفحة 271، جزء 5.
  3. ^ أ ب محمد صالح المنجد (10-2-2006)، "من نذر ذبيحة للمساكين هل له أن يأكل منها"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
  4. "نذر شاة فهل يأكل منها"، اسلام ويب، 10-5-2001، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
  5. لجنة الإفتاء (7/5/2012)، "حكم الأكل من النذر"، دائرة الإفتاء العام ، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني (1987)، الدراري المضيئة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 312، جزء 2. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت "تعريف النذر، ومشروعيته، وحكمه"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 30-5-2017. بتصرّف.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1639.
  9. سورة البقرة، آية: 270.
  10. رواه المحلى، في ابن حزم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 7/9، رواته ثقات.
  11. سورة الإنسان، آية: 7.
5478 مشاهدة
للأعلى للسفل
×