كيفية إخراج زكاة الراتب الشهري
تَعدّدت آراء الفُقهاء في حُكم زكاة المسلم لِراتبه الشهريّ، أو ما يُسمّى بالمال المُستفاد على قولين، وهما فيما يأتي:[١]
- القول الأول: وجوب الزّكاة فيه إنْ كان الراتب يزيد عن النِّصاب الشرعيّ، من غير اشتراط حولان الحول عليه، وقد ذهب إلى هذا القول الدُكتور مُحمد أبو زهرة، والدُكتور عبد الوهاب خلاّف، والدُكتور يوسف القرضاويّ، واللجنة الدائمة للبُحوث العلميّة والإفتاء في المملكة العربيّة السُعوديّة، وغيرهم، واستدلَّ أصحابُ هذا القول بعدّةِ أدلّة منها النُصوص العامّة في الزّكاة التي تُبيّن الإنفاق من الكسْب الطَيب، ووجوب زكاته، ويعدّ الراتب الشهريّ من هذا النوع، كقول الله- تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)،[٢] والدليل العقليّ أنّ الإسلام أوجب زكاة الثّمار على صاحبها عند بُلوغها خمسة أوسق عند الحَصاد، فمن باب أولى وجوبها على من يَحصل على أكثر من ذلك شهرياً، كما استدلّوا بقياس الرّاتب الشهريّ على المال المُستفاد؛ بحيث تؤخذ الزّكاة من صافي الرّاتب.
- القول الثانيّ: عدم وجوب الزّكاة في الرّاتب الشهريّ إلا بعد بُلوغه النّصاب، وحولان الحول عليه، وذهب إلى هذا القول الشيخ ابن عثيمين، وابن حزم الظاهريّ، واستدلّوا بأنّ الرّواتب موجودةٌ مُنذ زمن النُّبوّة ومَن بعده من الخُلفاء، ومع ذلك لم يُوجبوا الزّكاة فيها، كما استدلّوا بالأدلة التي تُبيّن اشتراط الحَول في الزّكاة.
ويُمكنُ للعاملِ أو الموظف الذي يتقاضى راتباً شهرياً أنْ يزكّي ماله عند بلوغِه النّصاب قبل أن يَحول عليه الحول، حيث إنّه بذلك يعجّل الزّكاة وهو مستحبّ، أو يُزكّي المبلغ المُتوفّر من الرّواتب بعد حولان الحول عليه.[٣][٤] والأصل زكاة الراتب الشهريّ بعد حولان الحَول عليه عند امتلاكه له، وبُلوغه النّصاب، وإن صَعُبَ عليه تحديد ذلك؛ لاختلاطه مع باقي الأموال، فيجوز للشخص تحديدُ يومٍ في السّنة لزكاة جميع ما تقاضاه من الرواتب، فما حالَ عليه الحَولُ فهو زكاةٌ واجبة، وإن لم يحَل عليه الحَول فهو من الزّكاة المُعجَّلة؛ لأنَّ الزّكاة لا تجبُ فيه إلا عند توفّر شُروطه، وهو حولان الحول عليه عند من قال بذلك،[٥][٦] وفي حالِ كان الادّخار من الرّاتب الشهريّ قد بلغ النّصاب، فيكون ذلك بداية الحول، وإنْ نقصَ المال عن النّصاب خلال الحول، فإنه يَبدأ حولاً جديداً عند اكتمال النّصاب،[٧] ويجوز له تقديم زكاة الرّواتب الأُخرى مع أوّلِ راتبٍ يَحولُ عليه الحَول، وهذا أنفَع للفقير.[٨]
مقدار زكاة الأموال النقدية
مقدار الزّكاة الواجبة في النُّقود هو رُبع العُشر،[٩] ويُقدَّر نِصابها بنصاب الذّهب وهو 85 غرام، أو نِصاب الفضّة وهو 595 غرام،[١٠] فإذا بلغت الأموال المملوكة أكثر من سعر نصاب الذّهب أو الفضّة فتجب فيها الزّكاة بِمقدار رُبع العُشر؛ أي 2.5%.[١١]
شروط وجوب الزكاة
إنّ للزّكاة شروطاً يجب توفّرها لوجوبها، وهي كما يأتي:[١٢][١٣]
- الإسلام: فقد أجمع الفُقهاء على عدم وجوبها على غير المسلم، وذهب الشافعيّة إلى وجوبها على المُرتدّ في أمواله قبل ردّته، والدليلُ على عدم وجوبها على غير المسلمين، قوله -تعالى-: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)،[١٤] وعدم الوجوب لا يعني إعفاؤه منها، أو عدم حسابه عليها يوم القيامة.[١٥]
- الحُريّة: فلا تجب الزّكاة على العبد باتفاق العُلماء، وتجب عند الجُمهور على سيّده، وأما المالكيّة فقالوا بعدم وجوبها لا على العبد ولا على سيّده.[١٦]
- البُلوغ والعقل: تجب الزّكاة في مال الصبيّ أو المجنون عند الجُمهور، ويُخرجه وليّهما، ولا تجب عند الحنفيّة لاشتراطهم البلوغ والعقل.
- النّماء في المال الواجبة الزّكاة فيه.
- المِلك التّامّ للمال، والقدرة على التصرّف فيه.
- حولان الحول: وهو مُضيُّ عامٍ قمريٍّ على امتلاك صاحب المال للنّصاب، وذلك في غير الزّرع، وأن يكون النّصاب كاملاً في طرفيّ الحول، حتى وإن نقص خِلاله، وهو قول الحنفيّة، أمّا المالكيّة والحنابلة فلا يشترطون الحَول إلا في الأعيان؛ وهي الذّهب، والفضّة، وعُروض التِّجارة، والأنعام، ويرى الشافعيّة بُلوغ النّصاب في جميع الحَول، وإن نقص خلاله فلا زكاة فيه.
- الخُلوّ من الدَّين: وهو من الشُّروط عند الحنفيّة في غير الحَرث، واشترطه الحنابلة في جميع الأموال، وأمّا المالكيّة فيَرون خُلوّه فقط في الأعيان، ولم يَشترط الشافعيّة ذلك.
- الزّيادة عن الحاجات الأساسيّة؛ كالنّفقة، والسكن، وغيرها مما يُحتاج إليه.
المراجع
- ↑ عبد الله محمد ربابعة (2011)، زكاة الرواتب، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 6-13. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 267.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 32، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين، لقاء الباب المفتوح، صفحة 22، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن منصور الغفيلي (2009)، نوازل الزكاة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الميمان للنشر والتوزيع، صفحة 291-293، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 37، جزء 82. بتصرّف.
- ↑ لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 14080، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 13994، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 113، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1834، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيت الأفكار الدولية، صفحة 25، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوّى (1994)، الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)، الرياض: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 2376-2377، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 2، جزء 90. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 54.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1413 هـ)، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (الطبعة الأخيرة)، الرياض: دار الوطن، صفحة 16، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1424 هـ)، فتاوى أركان الإسلام (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الثريا للنشر والتوزيع، صفحة 421. بتصرّف.