كيفية دفن الميت في الإسلام
- ذهب الفقهاء في مسألة كيفيّة دفن الميت في الإسلام إلى ثلاثة آراء، فرأي الحنفيّة أنّه يُستحب أن يُدخل الميّت من جهة القِبلة، فيوضع من جهتها، وذلك لشرف القبلة، فالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وُضع كذلك، بشريطة أن لا يُخشى أن ينهار القبر، فإن خيف ذلك فلا يفعلوها، والّذي يُنزله يكون مستقبلاً للقبلة، فيُحْمَل ويوارى التراب على الميّت، وقال المالكيّة أنّه الأولى وضعه في ناحية القِبلة، ولا بأس أن يوضع بأيّ شكل كان ومن أي ناحية، وذهب الحنابلة والشافعيّة أنّه يُستحبٌ أن يُدخل الميت القبر من عند رأسه أولاً، إن كان أسهل عليهم فِعل ذلك، وذلك بأن يتم إنزاله للقبر طوليا بدءا من رأسه، وذلك لِما صحَّ من قول عبد الله بن عباس -رضيَ الله عنهما- في كيفيّة دفن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّهم سلُّوه سَلًّا مِن جِهةِ رِجْلَيِ القَبْرِ).[١][٢][٣]
- وبعد ذلك تُحلّ عُقَدُ الرأس والرجلين من الكفن، والأساس ألّا تُربط، ولكن في العادة تُربط خوفاً ممّا قد يحصل خلال نقل الميّت، ومن السنّة أن يوضع الميّت على جنبه الأيمن، وتُمدّ يده اليمنى على مستوى جسده.[٢][٣]
- وقال المالكيّة أنّه لابد من تعديل رأس الميّت ورجلاه بالتّراب حتّى يستوي، ويرى الشافعيّة أنّه يُستحب أن وضع لبنة تحت رأسه، أو حجر، أو نحوهما، وقد وصّى سعد بن أبي وقاص -رضيَ الله عنه- من بعده فقال: (الحَدُوا لي لَحْدًا*، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كما صُنِعَ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.)،[٤][٢]ومعنى اللّحد هو الحفرة التي تعمل في جانب القبر، واللّبن هو الطوب المضروب من الطّين للبناء، ونصب اللبن يكون بوضعه مرصوصاً دون بنائه بالطّين،[٥]
- ويكره وضع أي شيء قابل للاحتراق في القبر، وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِالْمَدَرِ، وَالْقَصَبِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، كَيْ لاَ يَنْزِل التُّرَابُ عَلَى الْمَيِّتِ، وملخّص اختلاف الفقهاء بينهم هو في الأعمال أيُّها أولى من غيرها وكلّه صحيح ولا بأس به.[٣]
- ولابد من مراعاة بعض الأمور خلال دفن الميّت[٦][٢]:
- فيُسن التّسمية قبل وضع الميّت في القبر.
- الرّجل الميت يُنزله القبر الرّجال من أقاربه، والمرأة يُنزلها زوجها، أو محارمها من الرّجال، ممّن يجوز لها السّفر معهم، كإخوتها وأبنائها، أو ممّن تُحرمُ عليه في حياتها، فإن لم يوجدوا فيُنزلها القبر مجموعة نساء، فإن لم يوجدوا فينزلها شيوخٌ عُرفوا بالصّلاح من القوم ويكونوا قادرين على الدفن.
- ومن السّنة الدّعاء للميّت بالتثبيت بعد الانتهاء من دفنه، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ)،[٧]
- ويُسنّ عند الفراغ من دفن الميّت أن يكون القبر مرفوعًا عن الأرض قليلًا نحوًا مقدار شبر، ولا يُسوّى بالأرض ولا يُرفع كثيرًا، وذهب العلماء إلى كراهة الدّفن في التّابوت.
صفة القبر
القبر هو المكان الذي يُوضع به الميّت بعد وفاته، وله شكلان جائزان[٨]:
- الشّق: هو حفرة يتم حفرها في منتصف أرض القبر، بحيث يصبح جانبي الحفرة أعلى فيوضع الميت في الحفرة، وتوضع لبنات لتغطية الحفرة يتم وضعها عرضيا من أحد جانبي الحفرة إلى الجانب الآخر.
- اللحد: هو أن تحفر حفرة في جانب القبر (أي في حائط القبر) ليُوضع بها الميّت، وتكون الحفرة باتّجاه القبلة، وسُميَّ لحداً لأنّه مائل من جهة القبر، واللّحد أفضل من الشّق اتّباعاً لسنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فقد قال: (اللَّحدُ لَنا والشَّقُّ لغيرِنا)،[٩] ولكن لابأس بالشِّق إن احتيج له، خاصّة إن كانت الأرض لا تصلُح للَّحد كالأرض الطينية.
ذهب الشافعيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أن أقل ما يُجزئ من القبر أن تكون حفرته بحيث تكتم رائحة الميّت، وتمنع الحيوانات المفترسة من إمكانية الوصول إليه، فلا تتمكّن من نبش القبر، وقال الحنفيّة إنَّه لابد أن يكون عمقه بمقدار نصف قامة على الأقل، وقد تعدّدت الأقوال لعدم ورود نصّ في الكتاب والسّنة يُبيّن المقدار الواجب، ويعدّ تعميق القبر مقدار قامة إنسان أفضل، وتوسيعه مقدار بسط اليد وقبضها،[١٠] لقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (احْفِروا وأَوسعوا)[١١][١٢] ورأى المالكيّة أنّه لا حدّ لعمق القبر، ولكن الأفضل عدم تعميقه.[١٠]
بعض المسائل المتعلقة بالدفن
يتعلّق بالدّفن مسائل متعدّدة، نذكر بعضها فيما يأتي:[١٣]
- يُسنّ دفن الميّت نهاراً، ويجوز الدفن ليلاً.
- يدفن الميّت في القبر لوحده، فلا يجوز دفن أكثر من ميّت بنفس القبر إلّا لضرورة، ككثرة القتلى بعد معركة، وقلّة من يدفنهم.
- لا يُستحب للمسلم أن يحفر قبره قبل أن يموت.
- يجوز نقل الميّت من قبره إلى قبر آخر، إن كان هناك مصلحة للميّت كأن يكون مدفوناً في مقبرة للكفار فيُنقل لمقبرة المسلمين.
- يُحرَمُ كسرُ عظمِ الميّت لأيّ سبب كان.
- يُسنّ تعليم قبر الميت بعلامة حتّى يُستدلّ بها أهله عليه، أو حتّى يُدفن أقرباءه حوله.
- يُعتبر مَن يموت في وسط البحر كمن يموت في سفينة ويخشى أن تتغيّر جثته لصعوبة الوصول إلى الأرض، فيُغسّل ويُكَفّن، ويُصلّى عليه ثم يرسّب في الماء.
- لا يجوز إحراق العضو المقطوع من المسلم الحيّ لأيّ سبب كان، ولا يغسّل ذلك العضو، ولا يُصلّى عليه، بل يُلف في خرقة ويُدفن في المقبرة.
- يُستحب للمسلم أن يتّبع الجنائز إن مرّت به.
- يُسنّ الجلوس إذا وُضِعَت الجنازة، وكذلك أثناء الدّفن.
- يُسنّ تذكير المسلمين بالموت وما بعده من حين لآخر.
- يُشرع للمسلم أن يقوم بدفن قريبه المشرك كأبيه، وأمّه ونحوهما.
- يُغطَّى قبر المرأة عند إدخالها في القبر، حتّى لا يظهر أو لا يبرز من معالم جسمها شيء، قال الإمام الخرقي -رحمه الله-: (والمرأة يخمّر قبرها بثوب).[١٤]
- يُدفن المسلم في مقابر المسلمين لأنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يقوم بدفن المسلم في مقابر المسلمين، ويُدفن الكافر في مقابر المشركين.[١٥]
- يُسنّ دفن الأموات في المقابر، فقد كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يَدفن أموات المسلمين في البقيع، أمّا قبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فليس في مقبرة وهذه حالة خاصّة له.[١٥]
المراجع
- ↑ رواه الرباعي، في فتح الغفار، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 753/2، إسناده صحيح.
- ^ أ ب ت ث وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق - سوريا: دار الفكر، صفحة 1561-1563، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين (1404هـ - 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 13-15، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص ، الصفحة أو الرقم: 966، صحيح.
- ↑ "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13-04-2021.
- ↑ عبد الله الطيار (2012 م)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 503-507، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3880، صحيح.
- ↑ عبد الله الطيار (2012 م)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض - المملكة العربية السعودية: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 503، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1045، حسن غريب من هذا الوجه.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (من 1404 - 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى )، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 246، جزء 32. بتصرّف.
- ↑ رواه الوادعي، في أحاديث معلة، عن هشام بن عامر، الصفحة أو الرقم: 385، ظاهره على شرط الشيخين لكنه منقطع.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003 م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 661-662، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1433 ه)، الموسوعة الفقهية، .: موقع الدرر السنية، صفحة 224، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، أحكام الجنائز، الرياض - المملكة العربية السعودية: مطبعة سفير، صفحة 303-305. بتصرّف.
- ^ أ ب ناصر الدين الألباني (1986 م)، أحكام الجنائز (الطبعة الرابعة)، دمشق - سوريا: المكتب الإسلامي، صفحة 136-137. بتصرّف.