محتويات
الحكمة من خلق آدم وذريته
خلق الله -تعالى- آدم وذريته لأجل عددٍ من الغايات والحِكم، وهي كما يأتي:
تحقيق الخلافة في الأرض
لمَّا خلق الله -تعالى- آدم -عليه السَّلام- أخبر الملائكة بأنَّه سيجعله خليفةً في الأرض، وأنَّ وُجوده في الجنَّة سيكون مؤقتاً، وأنَّه سينزل إلى الأرض لإصلاحها وإعمارها،[١] وجعل الله -تعالى- هذه الخلافة بإرادة الإنسان واختياره، وتكون بالبناء والعلم، وخدمة الإنسانيَّة، فالخلافة تكون بعمارة الأرض وفق النِّظام الذي وضعه الله.[٢]
وقد ذكر أهل التَّفسير أنَّ المقصود بالخليفة هو آدم -عليه السلام- وذُريته، وأن خلافتهم تكونُ بتنفيذ أمر الله في إقامتهم للحياة على الأرض، وذلك في جميع أعمالهم ونشاطاتهم،[٣] فالمقصدُ والغاية من خلق آدم وزوجته هو استخلافهم في الأرض، لقوله -تعالى-: (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).[٤][٢]
عبادة الله تعالى
ذكر الله -تعالى- صراحةً أنَّ السَّبب في خلق آدم وذُريته هو عبادته، فقال -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)،[٥][٦] والمقصود بعبادته: هو الخُضوع له ولقضائه ومشيئته، وعدم الخُروج عما خلقهم لأجله،[٧] والعبادة في اللُغة تعني: الذُل والانقياد والخُضوع، وأمَّا معناها عند أهل السُنَّة: فهي المعرفة بالله والإخلاص له، وقال مُجاهد إن معنى العبادة: اتِّباع أوامر الله، واجتناب نواهيه.[٨]
وتكون العبادة بإظهار الذُلِّ لله -تعالى-، والاعتقاد بأنَّه النَّافعُ والضَّار،[٩] وتتحقَّق العبادة بالامتثال،[١٠] وعبادة الإنسان لربِّه أمرٌ مفطور عليه؛ ذلك أنَّ العبادة من الفطرة المُتركزة في النَّفس الإنسانيَّة، وهي من الحاجات النفسيَّة الضروريَّة كحاجة الشَّخص للأكل والشُرب.[١١]
تشريف الله تعالى لبني آدم
شرَّف الله -تعالى- آدم وذُريته بالعديد من الأُمور، ومنها ما يأتي:
أمر الملائكة السجود لأبي البشر آدم عليه السلام
شرَّف الله -تعالى- آدم وأكرمه بأمره للملائكة بالسُجود له بعد اكتمال خلقه، قال الله -تعالى-: (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)،[١٢][١٣] وكان هذا هو التكريم الأوَّل لآدم وذُريته،[١٤] وكان في هذا السُجود إظهاراً لفضل الإنسان، وتنبيهاً على مكانته ومنزلته، فهو ليس سجود عبادة وإنما سجود تكريم وتعظيم وبأمرٍ من الله.[١٥]
خَلق الله تعالى بني آدم في أحسن تقويم
كان من تكريم الله -تعالى- لآدم وذُريته بأنَّه خلقهم في أحسن صورةٍ، وفضَّلهم بالعقل والنُطق والقامة المُعتدلة،[١٦] قال الله -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)،[١٧] قال ابن عباس: أي أحسن تقويم وتعديل لصورته،[١٨] فخلقه مُعتدل القامة في أحسن صورةٍ وميّزه بذلك.[١٩]
تكريم الله تعالى لبني آدم بالعقل والفكر
ميَّز الله الجنس البشريَّ وكرَّمه على من سواهم من العوالم الأُخرى،[٢٠] ومن صور هذا التكريم؛ العقل والنطق،[١٦] فقد جعل الله لهم عُقولاً وتمييزاً، وأسبغ عليهم نعمه، وجعلهم خير الأُمم التي أُخرجت للناس، بالإضافة إلى أنهم يأكلون ويشربون، ويتكلمون ويخطّون، وسخَّر للإنسان ما في الكون له.[٢١]
ومن تكريمهم تفضيلهم على باقي البهائم والسباع،[٢٢] ورزقهم نعمة الإدراك والتفكّر والعقل، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).[٢٣][٢٤]
المراجع
- ↑ علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، صفحة 333. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد دروزة (1383)، التفسير الحديث، القاهرة:دار إحياء الكتب العربية ، صفحة 352، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، صفحة 336-338. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:30
- ↑ سورة الذاريات، آية:56
- ↑ محمد زينو (1997)، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة 9)، الرياض:دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 70، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي الواحدي (1994)، الوسيط في تفسير القرآن المجيد (الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 181، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر ، صفحة 48، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 26، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ صفي الدين الهندي (1996)، نهاية الوصول في دراية الأصول (الطبعة 1)، مكة المكرمة :المكتبة التجارية ، صفحة 3321، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ على أحمد مدكور (2001)، مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها، صفحة 25. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية:29
- ↑ وهبة الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة 1)، دمشق:دار الفكر ، صفحة 1219، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 4426، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، صفحة 712-713. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو البركات عبد الله النسفي (1998)، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة 1)، بيروت:دار الكلم الطيب، صفحة 269، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة التين، آية:4
- ↑ صديق حسن خان (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 301، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 4، جزء 173. بتصرّف.
- ↑ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 453، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي الماوردي، تفسير الماوردي النكت والعيون، بيروت:دار الكتب العلمية ، صفحة 257، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد المري (2002)، تفسير القرآن العزيز (الطبعة 1)، القاهرة:الفاروق الحديثة، صفحة 32، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:70
- ↑ مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (1993)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، صفحة 783، جزء 5. بتصرّف.