محتويات
اللغة العربية لغة الضاد، ولكن!!
تسمّى اللغة العربيّة بلغة الضاد، نذكر فيما يأتي لماذا سمّيت بهذا الاسم:
السبب الأول: كثرة استعمال حرف الضاد مقارنة باللغات الأخرى
يكثر استخدام حرف الضاد في اللغة العربيّة، في حين أنه يغيب في اللغات الأخرى، فهيَ علامة فارقة في اللغة العربيّة،[١] ويستدّل على ذلكَ بعدّة أقوال ومراجع:
- قول الأصمعيّ
الذي نسبه إليه الجاحظ في القرن 3 للهجرة في كتابه البيان والتبيين: "ليسَ للروم ضاد، ولا للفرس ثاء، ولا للسريان ذال"، وهيَ مقولة تدلّ على تفرّد اللغة العربيّة بصوت الضاد.[٢]
- معجم مجهرة اللغة لابن دريد
لخّص ابن دريد في معجمه جمهرة اللغة، ما توصّل إليه اللغويون الذين تواصلوا مع غير العرب من مختلف الأجناس والأقوام على مدى 4 قرون، فقال إنّ اللغة العربيّة تشترك مع اللغات الأخرى بالعديد من الحروف باستثناء 6 أحرف، وهيَ: العين، والصاد، والضاد، والقاف، والطاء، والثاء.[١]
- قول مكي بن طالب
يوضّح مكي بن طالب أنّ تفرّد اللغة العربيّة بحرف الضاد هو بكثرة استعمالها على لسان العرب، وليسَ بغيابها في لغات العجم، وقد ذكرَ إلى جانب الضاد 6 حروف وهيَ: العين، والصاد، والضاد، والقاف، والظاء، والثاء، وتسّربَ قوله هذا لابن الجرزيّ.[١]
- الجاربردي وابن جماعة
أكّدَ على مقولة مكي السابقة فخر الدين الجاربردي في شرحه لمتن الشافية في الصرف، فقال: "أصل حروف المعجم تسعة وعشرون على ما هو المشهور ولم يكمل عددها إلّا في لغة العرب، ولا همزة في كلام العجم إلّا في الابتداء، ولا ضاد إلّا في العربيّة"، وكذلك الأمر بالنسبة لابن جماعة الذي أكدَ على قول مكيّ بأنّ تفرّد العربيّة بالضاد إنّما هو بكثرة استعمالها.[١]
- إبراهيم أنيس
يفسّر الدكتور إبراهيم أنيس تسمية اللغة العربيّة بلغة الضاد بصعوبة نطق هذا الحرف من قبل أهالي الأقطار التي فتحها العرب،[١] كما درس اهتمام العلماء بحرف الضاد تحديدًا، مع أن سيبويه عالم اللغة الأوّل لم يشر إلى تميّز اللغة العربية بحرف الضاد في كتابه.[٢]
- الدكتور حسن ظاظا
يصف الدكتور حسن ظاظا حرف الضاد بأنّه حرف من الأصول السامية التي احتفظت بها اللغة العربيّة.[٢]
السبب الثاني: اندثار حرف الضاد من اللغات السامية
احتوت حروف اللغات السامية القديمة على حرف الضاد، ولكنّه اندثرَ من هذه اللغات وتغيّر ليصبح صوته مختلفًا، ولكن بقيت اللغة العربيّة محتفظة بحرف الضاد، وقد افتخرَ الشعراء العرب بتفرّدهم بهذا الحرف، فتغنّى به خليل مطران في بيت من الشعر: (لُغةُ الضّادِ لا تَضَنّ عليكم *** إن جَدَدَتُّم بكلّ ما تبتغُونا)، كما امتدحها المتنبي في بيت من الشعرِ: (وبهم فخرُ كلّ من نطقَ الضاد *** وعوذُ الجاني وَغوث الطريدِ).[١]
ومن الشروحات التي وضّحت مفهوم بيت المتنبي بأنّ حرف الضاد لا يوجد إلّا في اللغة العربيّة، فقال البرقوقي في شرحِه للبيت أنّ معنى قول المتنبي "كلّ من نطق الضاد" أي العرب لأنّ الضاد لا يوجد في غير العربيّة، وقوله "وبهم وعوذ الجاني" أنّ أيّ شخص يرتكب جناية فإنّه سيلجأ لقومه يحتمي بهم، وقوله "وغوث الطريد" أي أنّه يستغيث بهم فيغيثونه وينصرونه.[٢]
السبب الثالث: الضاد القديمة الملازمة للغة العربية ليست الضاد المعاصرة
تختلف الضاد القديمة في اللغة العربيّة عن الضاد المعاصرة، فالضاد القديمة هيَ الضاد التي تحدّثَ بها العرب قبل عهد النبوّة، أمّا الضاد المعاصرة فهيَ التي تحدث بها العرب في زمن النبوّة، ثمّ اختلفت في زمن التدوين، فالضاد القديمة مخرجها من حافّة اللسان اليمنى أو اليسرى أو كليهما معًا، وهو مخرج قريب من حرفِ اللام، إلّا أنّها صوت مطبق.[٣]
ويعدّ مخرجها أقرب من مخرج حرف الظاء فهيَ ذات زائدة انحرافيّة، أي أنّ مخرجها حيثُ يقترب طرف اللسان من الثنايا، ويجري النفس خلال نطقها من جانبيّ اللسان، أمّا الضاد المعاصرة فمخرجها من طرف اللسان مع اللثة،[٣] وفيما يأتي جدول يلخص الاختلافات بينَ الضاد القديمة والمعاصرة:[٤]
مكمن الاختلاف | الضاد القديمة | الضاد المعاصرة |
المخرج | من أول حافة اللسان وما يليها من مخرج الأضراس | مخرج الدال باعتباره تفخيمًا لها أي من طرف اللسان وأصول الثنايا |
الصفة المخرجية | لثوي – حنكي (شجري) | أسناني – لثوي |
كيفية حدوث الحرف | ينحرف اتجاه الهواء إلى حافتي اللسان مما يلي الأضراس وبذلك تتحقق صفة الاستطالة | يكون اتجاه حركة الهواء من فوق ظهر اللسان ولا يجري انحباسه إلّا في نقطة واحدة عند المخرج |
الشدة والرخاوة | يخرج الهواء مصحوبًا بحفيف ناشئ عن الاحتكاك بالمجرى الضيق فالصوت فيه رخاوة (احتكاكي) | انحباس الهواء خلف العضوين المتصلين قبل انفصالهما بشكل مفاجئ ومن ثم فهو صوت شديد (انفجاري) |
ويمكن وصف الفرق بينَ كيفيّة نطق حرف الضاد القديمة وحرف الظاء بأنّ حرف الظاء له صوت رخو، مجهور، مفخم ينطق بطريقة قريبة من نطق حرف الذال، إلّا أنّ مؤخرة اللسان في حرف الظاء ترتفع نحو الطبق، أمّا حرف الضاد فقريب من نطق حرف الدال المفخم، فهوَ ذو صوتٍ شديدِ، مجهورٍ، مفخم، إلّا أنّ مؤخرة اللسان في حرف الضاد ترتفع نحوَ الطبقِ.[٣]
السبب الرابع: التعصب إلى كون اللغة العربية لغة الضاد
لقد شاع كون اللغة العربية لغة الضاد بين بعض المتعصبين لها، والذين أثروا على غيرهم بهذا الفكر، ولكن هذا الكلام فيه مبالغة وتعصب، إذ إنه ليس مبنيًا على أسس وأدلة.[٥]
- لا يمكن إثبات أن اللغة العربية لغة الضاد
إن الحكم على تفرد لغة بحرف ما يحتاج إلى دراية وعلم بجميع اللغات، وهو أمر يستحيل على الإنسان، إذ ذكر الشافعي رحمه الله: (لا يحـيط باللغة إلا نبي)، إذ قصد به رجل يوحى له، فحتى علماء العرب لم يستطيعوا الإحاطة بالكلم العربي ككل، بل أخذوا المشهور منه، وتجدر الإشارة إلى أن علماء اللغات المقارنة قد يستطيعون الحكم فيما إذا كانت العربية مختصة بالضاد أم لا، ولكنهم لن يستطيعوا الإيحاط بعلوم اللغات كاملة.[٦]
مع أن نسبة الضاد في الكلم العربي لا تتجاوز الستة من الألف، إلا أنه يمكن القول إن تميز العرب بلغة الضاد يعود إلى كثرة استعماله مقارنة باللغات الأخرى، وما يميز اللغة العربية عن اللغات السامية الأخرى هو اختفاء حرف الضاد من اللغات الأخرى، مما يدل على نقاء وثبات أصول العربية، ولكن لا يوجد أصل لكون العربية لغة تختص بالضاد دون غيرها.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح نضال الشريف، صوت الضاد في اللغة العربية، صفحة 8 9 10. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث الدكتور رجاء الهوساوي، النور الوضّاء في الفرق بين الضاد والظاء، صفحة 293 295. بتصرّف.
- ^ أ ب ت الدكتور محمود عكاشة، أصوات اللّغة، صفحة 46 73. بتصرّف.
- ↑ غمير زوبري، فضيلة زوبري، توظيف الضاد والظاء في القرآن الكريم، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ نضال أحمد الشريف، صوت الضاد في اللغة العربية دراسة وصفية تاريخية، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ رجاء محمد يعقوب الهوساوي، النور الوضاء في الفرق بين الضاد والظاء، صفحة 292-293. بتصرّف.