ما الحكمة من العدة

كتابة:
ما الحكمة من العدة


ما الحكمة من العدة؟

العدّة هي مدّة حدّدها الله -تعالى- في القرآن الكريم بعد التفرقة بين الزوجين، ويجب على المرأة الانتظار فيها بدون زواج حتى تنقضي تلك المدة، وقد اتّفق الفقهاء على أنّه ليس هناك عدّة للمرأة غير المدخول بها.[١]


بدليل قول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)،[٢] وأجمع الفقهاء على أنّ المرأة المدخول بها عليها العدّة، سواء كان سبب التفريق وفاة، أو طلاق، أو فسخ، وسواء كان عقد الزواج صحيحاً أم فاسداً،[١] وفي تشريع العدة العديد من الحكم منها:


التعبد لله تعالى

إنّ في التزام المرأة بالعدّة المفروضة عليها شرعاً امتثالاً لأمر الله -تعالى- وطلب مرضاته، فتكون حقاً لله -تعالى-، سواء علمت المرأة الحكمة من تشريع العدّة أم لم تعلم.[٣]


العدة صورة من صور وفاء الزوجة لزوجها

تعتد المرأة التي تُوفّي عنها زوجها في نفس بيت الزوجيّة، فتتذكر ما كان بينها وبينه، وتترحّم عليه وتسامحه على أخطائه وزلّاته، وتستغفر له، فتكون العدّة صورةً من صور وفاء الزوجة لزوجها، وحتى عدّة الطلاق فهي صورة من صور وفاء الزوجة لزوجها، فلا تتزوّج غيره إلّا بعد انقضاء عدتها.[٤]


التأكد من براءة الرحم وحفظ الأنساب

من أبرز الحِكَم للعدّة التأكد من براءة الرحم وحفظ الأنساب، فيجب على المرأة أن تعتد حتى تتأكد من وجود الحمل في رحمها أو عدمه.[٥] فإذا كانت حاملاً لا تنقضي عدّتها ولا تتزوج حتى تضع حملها، حفاظاً على نسب الجنين الذي في رحمها، وكي لا يختلط ماء الزوج الثاني بالأول عند الوطء.[٦]


قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره)،[٧] ويعني أن لا يتزوج امرأة حامل من غيره، فربما تنسب المرأة الحامل جنينها إلى الرجل الذي تزوجها وتنفي أنّه من الزوج الأول، فينسب إلى غير أبيه ويختلط نسبه، ولا يجوز أن تخفي المرأة حملها حتى تتزوج، قال -تعالى-: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)،[٨] فليس لها أن تكتم حملها، بل يجب أن تخبر بالأمر.[٦]


وتكون عدّة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، قال -تعالى-: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)،[٩] وذلك لكي تتأكّد من براءة رحمها من الحمل قبل أن تتزوّج من شخصٍ آخر، فتنتظر هذه المدة خشية أن يكون في بطنها حمل وهي لم تشعر به، فإذا لم تكن حاملاً تتم عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت حاملاً فعدّتها تنتهي عند وضع حملها.[٦]


الحصول على الأجر والثواب

إنّ التزام المرأة بالعدة كما أمرها الله -تعالى- تحصل فيه على الأجر والثواب، وهذا الفضل خاص بالنساء فقط، فالمرأة عندما تعتد في بيت زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، كما تعتد المرأة عدة الطلاق ثلاثة قروء أيّ ثلاث حيضات، فإنها تقضي تلك المدة وهي تتقرّب إلى الله -تعالى-، وترجو ثوابه وتُرفع درجتها في الآخرة، لأنّها امتثلت أمر ربها -عزّ وجل-.[١٠]


فرصة لإرجاع الزوجة لزوجها

فرصة إرجاع الزوج لزوجته تكون في عدّة المطلّقة، فتكون فترة العدة فرصة للزوج للتفكير في إرجاع زوجته إلى عصمته إن كان الطلاق بائناً بينونة صغرى أو رجعياً ويعني الطلقة الأولى والثانية، فعدّة المطلّقة التى تحيض هي ثلاثة قروء يمكن للزوج إرجاعها إلى عصمته في تلك الفترة، فتكون هذه المدة فسحة للزوج حتى يراجع نفسه، قال -تعالى-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا).[١١][٦]


أمّا العدّة في الطلاق البائن بينونة كبرى؛ أي في الطلقة الثالثة، فتكون رفقاً بالزوج، وإن كان لا يستطيع إرجاع زوجته إلى عصمته،[٦] وهذه الحكمة غير موجودة في عدة المتوفى عنها زوجها، لأنّه قد مات ومن المستحيل أن يعود ويرجعها، بل تكون عدتها استحداداً وحزناً عليه، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تحدُّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).[١٢]

المراجع

  1. ^ أ ب وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 7166. بتصرّف.
  2. سورة الأحزاب، آية:49
  3. ابن القيم، كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور، صفحة 296. بتصرّف.
  4. محمد المختار الشنقيطي، كتاب شرح زاد المستقنع للشنقيطي، صفحة 5. بتصرّف.
  5. عبد الله الطيار، كتاب الفقه الميسر، صفحة 162. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج ابن جبرين، كتاب شرح عمدة الأحكام لابن جبرين، صفحة 3.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن رويفع بن ثابت الأنصاري، الصفحة أو الرقم:1131، حسن.
  8. سورة البقرة، آية:228
  9. سورة البقرة، آية:234
  10. محمد المختار الشنقيطي، كتاب شرح زاد المستقنع للشنقيطي، صفحة 8. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية:228
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم حبيبة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1486، صحيح.
4334 مشاهدة
للأعلى للسفل
×