محتويات
الحكمة من ذبح البقرة في سورة البقرة
اجتهد عدد من أهل العلم في البحث عن الحكمة التي كانت خلف أمر الله -تعالى- لبني إسرائيل بذبح البقرة، حيث استدل بعضهم بسياق الآيات التي وردت فيها قصة البقرة، كما استدلّ آخرون بما جاء بعدها من أحداث، وبما جاء قبلها؛ ونتج عن ذلك القول بما يأتي:
المسارعة إلى تنفيذ أوامر الله تعالى
قال بعض المفسرين إنّ السبب الرئيس، والدافع الأول وراء الأمر بذبح البقرة؛ هو امتحان الله لبني إسرائيل، واختبار مسارعتهم إلى تنفيذ أوامره -سبحانه-، إذ ليس المقصود هو الذبح لذات الذبح، إذ إن الله -تعالى- أمر بذبح العديد من الأضاحي والهديّ؛ منها ما ورد في قوله -تعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ...).[١][٢]
إظهار قدرة الله على إحياء الموتى
أظهر الله -سبحانه لبني إسرائيل قدرته على إحياء الموتى، والبعث بعد الموت من خلال ذبح حيّ -وهي البقرة-، واستخدام هذا الحيّ -بقدرة الله- في إحياء القتيل؛ وهذا الأسلوب هو أظهر لقدرته -تعالى- في إيجاد المتضادات، من الموت والحياة، والبعث بعد العدم.[٣]
ولقد ضرب الله -سبحانه- العديد من الأمثلة على ذلك؛ حين ذكر خبر بعثة بني إسرائيل بعد الموت، وذكر خبر الذين خرجوا وهم ألوف مؤلفة، وفي خبر الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه، وكل ذلك إقامةً للحج والبراهين على عظمته وقدرته -سبحانه-،[٣] لهذا؛ قال بعض أهل العلم أنّ ذبح البقرة كان لأجل ذلك.
معرفة القاتل
قيل إنّ السبب وراء مجادلة بني إسرائيل، وتأجيلهم لأمر ذبح البقرة؛ كان خوفاً من انكشاف القاتل الذي قتل النفس، وقيل إنّ هذا القاتل كان أول من راجع نبي الله موسى -عليه السلام- في شأن البقرة، مخافة أن يُفتضح؛ ولكنّ الله -سبحانه- كشف سوء فعله؛ وأظهر أمره للقوم؛ فقال -تعالى-: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).[٤][٥]
ومن هنا استدلّ بعض الباحثين على أنّ السبب وراء ذبح البقرة، هو الدلالة على القاتل الذي خفي فعله عن القوم؛ فلمّا ذُبحت، وضرب ما كان منها في هذا القاتل؛ أحياه الله -تعالى-، وأشار إلى قاتله.[٥]
حكم أخرى لذبح البقرة
أشار بعض المؤلفين إلى أنّ الحكمة من وراء الأمر بذبح البقرة دون غيرها من الحيوانات؛ قد تظهر من خلال العبر والدروس التي ترتبت تبعاً لذلك، والتي يمكن تلخيصها بالآتي:[٦]
- بيان أنّ التنطع في تنفيذ أوامر الله -تعالى-، وكثرة السؤال دون حاجة مُعتبرة؛ سبب في تشديد الأحكام، وتعقيد الأمور؛ ولعلّ ذلك رادع لبني إسرائيل عن كثرة المجادلة، والمناقشة في أوامر الله -تعالى- وأحكامه؛ فقد "سجل الله على اليهود ذنب الوقوف في السؤال؛ موقف المستهزئ المعاند، المجادل المتشدد، المنكر للحق الصريح".
- إنّ طلب ذبح البقرة دون غيرها اختباراً لسلامة إيمانهم، وعقيدتهم بعد ما عبدوا العجل في أول زمانهم، يوم فتنهم السامريّ؛ فكان الأمر بالذبح من جنس ما عبدوا وأشركوا به؛ ليهون عليهم تعظيمه في نفوسهم، وقتل ما بقي من حبّ عبادته.
- بيان عاقبة الاستهزاء بالأنبياء والمرسلين.
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية:36
- ↑ محمد صالح المنجد، سلسلة القصص، صفحة 17، جزء 18.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 191، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:72-73
- ^ أ ب الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 56، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ المراغي، أحمد بن مصطفى، تفسير المراغي، صفحة 141-142، جزء 1. بتصرّف.