عالم الجن
كلمة الجن في اللُّغة العربيّة تعني "نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار، ولأَنهم اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن، والجمع جِنانٌ، وهم الجِنَّة"،[١] وعالم الجن من العوالم الخفيّة عن البشر؛ فهم يعيشون ويتكاثرون ويشتركون مع البشر بصفة العقل والإدراك، وكذلك الاختيار بين الخير والشر، ولكنّهم يختلفون في أصل الخلق؛ إذ هم قد خلقوا من النار، وخُلِقَ البشر من الطّين، كما هو مُقرّرٌ في العقيدة الإسلاميّة من خلال أدلّة كثيرة من الكتاب والسنّة، ويعود أصل الجن إلى الشيطان الأكبر الذي كان يتبع للملائكة باعتبار صورته لا باعتبار خلقته، ولكنّه رفض السجود لآدم وعصى ربّه، والجنّ تختلف أسماؤهم بحسب إيمانهم، فالمؤمنون هم الجن، والكفرة هم الشياطين، وسيجيب هذا المقال الفرق بين الجن والشيطان.[٢]
أدلة وجود عالم الجن
قبل بيان الفرق بين الجن والشيطان ينبغي الوقوف على الدلائل التي تثبت للمسلم وجود عالم الجن، مع العلم أنّ الإيمان بوجود الجن هو إيمانٌ بما جاء به القرآن الكريم والسنّة المكرّمة حول وجود هذا العالم، وسيكتفي هذا المقال بذكر الأدلّة من الكتاب والسنّة فقط، وفيما يأتي بيان بعض الدّلائل الشرعيّة على وجود عالم الجن:[٣]
- أدلّة القرآن الكريم: وممّا قاله القرآن الكريم بخصوص وجود عالم الجنّ ما جاء في سورة الجن في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}،[٤] وتحكي سورة الجن أخبار الجن وعالمهم الخاص وطريقة حياتهم وعقائدهم المختلفة وإلى غير ذلك ممّا لا يتّسع المقام لذكره، وكذلك جاء ذكر الجن في سورة الأنعام في قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}،[٥] وهذه الآية تثبت وجود الرسل في الجن كما هم عند البشر، وتؤكّد بطريقة أو بأخرى وجود هذا العالم الخفي عن البشر، وأيضًا من السور التي ذُكر فيها الجن سورة الأعراف؛ إذ يقول الله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ}،[٦] وإلى غير ذلك ممّا جاء في القرآن الكريم عن الجن وحياتهم وعالمهم الخاص.
- أدلّة السنّة النبويّة: جاء في السنة النبويّة العَطِرَة ما يؤكّد كذلك للمسلم وجود عالم الجن الذين قد ينكر وجودهم من لا يؤمن إلّا بما أثبته العلم، والغيبيّات لا يثبتها علم، ولكن على المرء أن يؤمن بها وإن لم يرها بعينه، ففي الحديث الشريف تروي أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ"،[٧] وهذا الحديث يؤكّد وجود الجن بدليل أنّهم قد خُلقوا، ولكنّ طبيعة خلقهم تختلف عن البشر لاختلاف الأصل في الخلق، وأيضًا ممّا يؤكّد وجود عالم الجن حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يروي فيه أبو هريرة أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- طلب منه يومًا أن يأتيه بأحجار يستنفض بها، وطلب من أبي هريرة ألّا يأتيه بعظم أو روثة، فسأله أبو هريرة رضي الله عنه: ما بَالُ العَظْمِ والرَّوْثَةِ؟ قالَ: "هُما مِن طَعَامِ الجِنِّ، وإنَّه أتَانِي وفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، ونِعْمَ الجِنُّ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لهمْ ألّا يَمُرُّوا بعَظْمٍ، ولَا برَوْثَةٍ إلَّا وجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا"،[٨] وكذلك في الحديث الشريف يقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إنّ الجنّ يتراحمون فيما بينهم مثلهم مثل البشر وباقي المخلوقات؛ فيقول صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ"،[٩] وغير هذه الأحاديث كثير ممّا يؤكّد بما لا شكّ فيه أنّ الجن يعيشون ولكنّ البشر لا يرَونَهم، والله أعلم.
ما الفرق بين الجن والشيطان
بعد الوقوف على حقيقة الجن وعالمهم وأدلّة هذا العالم من الكتاب والسنة بقي أن تُجيب هذه الفقرة عن سؤال يتردّد كثيرًا وهو: ما الفرق بين الجن والشيطان، والإجابة عن هذا السؤال تأتي من التفريق أوّلًا بين اللّفظين؛ فكلّ شيطان هو جنّيٌّ، ولكن ليس كلّ جنّيٍّ هو شيطان، فالجن هو الجنس الذي ينتمي له الشيطان من الجن، ولكنّ الجن هم أوسع من ذلك؛ فمنهم المؤمن واسمه الجنّيّ، ومنهم الكافر الذي اتّبع خُطى جدّه الأكبر الذي طُرِدَ من الجنّة ومن رحمة الله تعالى، والشيطان لا ينحصر بالجن؛ وإن كان الأصل أن يكون كذلك، ولكن قد يكون كذلك من الإنس، حيث يقول -تعالى- في سورة الأنعام: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}،[١٠] والدّليل على أنّ الجن ليسوا جميعًا على ملّة واحدة ما جاء على لسانهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}،[١١] وكذلك في قوله -تعالى- أيضًا: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}،[١٢] وبذلك تتوضّح الإجابة عن سؤال ما الفرق بين الجن والشيطان، وبذلك يكون الفرق بين الجن والشيطان قد اتّضح بأنّ الأوّل مسلم، والآخر كافر، ومن مندوحة القول أن يُذكر أنّ للجن معتقدات كما هي للإنس، فقد يكون منهم المسلم والنصراني واليهودي والمعتزلي والشيوعي وغير ذلك، والله أعلم.[١٣]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى الجن في قاموس لسان العرب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "عالم الجن والشياطين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-02-2020. بتصرّف.
- ↑ "الدلائل على وجود عالم الجن"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-02-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الجن، آية: 1.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 130.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 38.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2996، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3860، حديث صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2752، حديث صحيح.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 112.
- ↑ سورة الجن، آية: 11.
- ↑ سورة الجن، آية: 14-15.
- ↑ "الفرق بين الجن والشياطين"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 17-02-2020. بتصرّف.