ما الفرق بين الشفع والوتر
إنّ الفرق بين طريقة صلاة الشّفع والوتر؛ هو أنّ الوتر صلاةٌ يُصلّيها العبد ركعةً واحدةً، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، وهذه جميعها يُقال لها: وترٌ، والشّفع صلاةٌ يُصلّيها العبد بركعتَيْن اثنتَيْن، وتُسمّى الأربع شفعاً، والسِّتّ شفعاً، والسُّنّةُ أن يُسلّم المُصلّي من كُلّ ركعتَيْن؛ وذلك لِما ورد عنه -صلّى الله عليه وسلّم-: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)،[١] ويجوز للمُصلّي أن يسرد ثلاثاً وتراً، أو خمساً وتراً؛ وهذا ممّا لا حرج فيه،[٢]
والشّفع لغةً هو الزّوج: أي العدد الزّوجيّ، بخلاف الوتر الذي هو العدد الفرديّ، وصلاة الوتر: هي ركعةٌ تُصلّى بعد ركعتَيْ الشّفع، ووقت الشّفع والوتر يكون بعد صلاة العشاء، كما في حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ باللَّيْلِ وِتْرًا)،[٣] وفي حال اختار المُصلّي أن يوتر بثلاثِ ركعاتٍ؛ فله أن يُصلّيها متّصلةً بتشهدٍ واحدٍ وتسلميةٍ واحدةٍ، وله أن يُصلّي أوّلاً ركعتَيْن، ثمّ يُسلّم، ثمّ يأتي بركعةٍ واحدةٍ، كما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفصِلُ بينَ الشَّفعِ والوَترِ بتَسليمةٍ ليُسمِعَناها)،[٤][٥][٦] وصلاةَ النَّافلة بعد العشاء تكون ركعتَين، وهي السُّنّة البعديّة، ثمّ تليها صلاة الليل، وصلاة قيام الليل يُستحبّ أن تُختَم بالوتر.[٧]
حكم صلاة الوتر
تعدّدت آراء أهل العلم في حكم صلاة الوتر، وبيانها فيما يأتي:[٨]
- ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّ صلاة الوتر واجبةٌ على كُلّ مسلمٍ؛ واستدلّ على ذلك بعدّة أدلةٍ منها؛ قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (الوِترُ حقٌّ، فمن أحبَّ أنْ يوترَ بخَمسِ ركعاتٍ، فليفعلْ، ومن أحبَّ أنْ يوترَ بثلاثٍ، فليفعلْ، ومن أحبَّ أنْ يوترَ بواحدةٍ، فليفعلْ)،[٩] وقوله أيضاً: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أنْ تُصْبِحُوا)،[١٠] وما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ، قالَ: قُومِي فأوْتِرِي يا عَائِشَةُ).[١١]
- ذهب جمهور أهل العلم من الصّحابة والتّابعين إلى أنّ صلاة الوتر سُنّةٌ مؤكّدةٌ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وأجابوا على أدلة الإمام أبي حنيفة أنّ الأمر فيها للنّدب والاستحباب لا للوجوب؛ واستدلّوا بعدّة أدلّةٍ منها:
- قول طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: (جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ نَجْدٍ ثائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، ولا نَفْقَهُ ما يقولُ حتَّى دَنا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هو يَسْأَلُ عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: خَمْسُ صَلَواتٍ في اليَومِ، واللَّيْلَةِ فقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قالَ: لا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ...).[١٢]
- قول ابن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه علَى اليَمَنِ، قَالَ: إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ فَرَضَ عليهم زَكَاةً مِن أمْوَالِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أطَاعُوا بهَا، فَخُذْ منهمْ وتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ).[١٣]
- قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصَّلَاةُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُنَّ، ما لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ)،[١٤] فجميع هذه الأدلّة تدلّ على أنّ صلاة الوتر ليست من الواجبات.
صفة صلاة الشفع والوتر
إنّ لصلاة الوتر صفتان هما؛ الفصل والوصل، فإن أوْتر المُصلّي بواحدةٍ؛ فلا خلاف في كيفيّتها عند من يقول بجواز ذلك من الفقهاء، إلّا أنّ الفقهاء قد اختلفوا في كيفيّة أداء صلاة الوتر؛ إن أوتر بثلاث ركعاتٍ، أو زاد عن الثلاث، وبيان آرائهم كما يأتي:[١٥]
- إن أوتر المُصلّي بثلاث ركعاتٍ؛ فقد تعدّدت آراء الفقهاء في أدائها، وهي كالآتي:
- الفصل بين الرّكعات الثلاث؛ فيُسلّم من ركعتيّْ الشّفع، ثمّ يأتي بركعةٍ واحدةٍ، وقال بهذه الكيفيّة المالكيّة؛ فيُكره عندهم ما سواها، إلّا ما كان للاقتداء بإمامٍ يُصلِّي، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جوازها؛ حيث قالوا إنّ الفصل أفضل من الوصل؛ لزيادة السّلام فيها، واستدلّوا على ذلك بقول الصّحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفصِلُ بينَ الشَّفعِ والوَترِ بتَسليمةٍ ليُسمِعَناها)،[١٦] وذهب الحنابلة إلى استحباب تأخير ركعة الوتر بعد ركعتَيّْ الشفّع، وأن يتكلّم بينهما.
- الوصل بين الرّكعات الثلاث بتشهّدٍ واحدٍ وسلامٍ واحدٍ: وقال بهذه الكيفيّة الشّافعيّة والحنابلة، واستدلّوا على ذلك بقول عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِن ذلكَ بخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ في شيءٍ إلَّا في آخِرِهَا)،[١٧] وذهب المالكيّة إلى كراهة هذه الكيفيّة، إلّا إن كان مأموماً خلف إمامٍ فعل ذلك، فيجب عليه الاقتداء به.
- الوصل بين الرّكعات الثلاث بتشهّدَيْن وتسليمةٍ واحدةٍ: فيأتي بتشهّدٍ بعد الرّكعة الثانية دون سلامٍ، ثمّ يأتي بالرّكعة الثالثة، إلّا أنّه يقرأ في الرّكعة الثالثة سورةً بعد سورة الفاتحة؛ خلافاً لصلاة المغرب، وقال بهذه الكيقيّة الحنفيّة، وإن نسي التشهّد في الرّكعة الثانية وقام للثالثة فلا يعود، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جواز هذه الكيفيّة، مع الكراهة عند الشّافعيّة؛ لتشابهها بصلاة المغرب.
- إن أوتر بأكثر من ثلاث ركعاتٍ؛ وقال بجواز هذه الصّفة الشافعيّة والحنابلة، فتفصيل ذلك كما يأتي:
- ذهب الشّافعيّة إلى أنّ الفصل بين كُلّ ركعتَيْن بتشهّدٍ وتسليمٍ أفضل من الوصل بين الرّكعات؛ لِما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي فِيما بيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِن صَلَاةِ العِشَاءِ، وَهي الَّتي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ، إلى الفَجْرِ، إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بوَاحِدَةٍ)،[١٨] مع جواز وصل أربع ركعاتٍ بتسليمةٍ، وستٍّ بتسليمةٍ، ثمّ صلاة الوتر.
- ذهب الحنابلة إلى أفضليّة الوصل بخمس أو سبع ركعاتٍ، فلا يُسلّم إلّا في آخرها؛ وذلك لِما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِن ذلكَ بخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ في شيءٍ إلَّا في آخِرِهَا)،[١٩] مع أفضليّة الفصل بتسع ركعاتٍ؛ فيأتي بثمان ركعاتٍ متّصلةً؛ فيُسلّم في الثامنة، ثمّ يأتي بالرّكعة التّاسعة منفردةً، مع جواز التسليم من كُلّ ركعتَيْن بالخمس، والسّبع، والتّسع، والأفضل أن يُسلّم من كُلّ ركعتَيْن إن أوتر بإحدى عشرة ركعةً، ويجوز الوصل بين عشر ركعاتٍ؛ فيُسلّم في العاشرة، ثمّ يأتي بالركعة الحادية عشرة منفردةً، فيتشّهد ويُسلّم، ويجوز الوصل بإحدى عشرة ركعةً؛ فيتشهّد ويُسلّم في آخرها.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 990، صحيح.
- ↑ ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 154-155، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 998، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2/246، صحيح.
- ↑ محمد صالح المنجد، الإسلام سؤال وجواب، صفحة 2197، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ أحمد مختار عمر (1429هـ)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، صفحة 2396، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مصطفى العدوي، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 8، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 382-383، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1711، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 754، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 744، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن طلحة بن عبيدالله، الصفحة أو الرقم: 11، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1458، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 233، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 295-297، جزء 27. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 327، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 737، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 736، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أمّ المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 737، صحيح.