ما حكم تقبيل الحجر الاسود

كتابة:
ما حكم تقبيل الحجر الاسود

الحجر الأسود

لا شكّ أنّ الحجر الأسود يُعدّ أشرف حجرٍ في الدنيا، فهو حجرٌ من حجارة الجنّة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الحجرُ الأسوَدُ من حجارةِ الجنَّةِ وما في الأرضِ من الجنَّةِ غيرُه )،[١] وهو أعظم جزءٍ في البيت الحرام كلّه، ويقع في الجهة الشرقية من الركن اليماني الثاني، على ارتفاع مترٍ ونصف المتر عن أرض الحرم، وهو عبارة عن خمسة عشر قطعة مختلفة الحجم، ثمانيةٌ منها ظاهرة للعيّان، وسبعةٌ مغطاة بمعجونٍ مصنوعٍ من الشمع، والمسك، والعنبر، ومن الجدير بالذكر أنّ الحجر الأسود مرّ بالكثير من الأحداث، حيث تمّ استخراجه من مكانه على يد عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي، ومن ثمّ دفنه في بئر زمزم، وكان ذلك في الجاهلية، وبالتحديد عندما أخرجت قبيلة خزاعة قبيلة جرهم من مكة المكرمة، ولكن شائت الأقدار أن تشهد أحد نساء خزاعة دفن الحجر، فأخبرت قومها بمكانه، فأعادوه إلى الى الكعبة المشرفة، ومن الأحداث التي سجّلها التاريخ تصدي خويلد؛ والد أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها، لتبع عندما أراد نقل الحجر الأسود إلى اليمن، فقام برفقةٍ من رجال قريش بالدفاع عن الحجر الأسود، وابقوه في مكانه، كما قال ابن الأثير: (وهو ـخويلدـ الذي نازع تبعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك الوقت خويلد، وقام معه جماعة من قريش، ثمّ رأى تبع في منامه ما روّعه، فنزع عن ذلك، وترك الحجر الأسود في مكانه)، وفي عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- حدث حريق أثّر على أساس الكعبة، فأعادت قريش بناءها، ولكنّهم اختلفوا في وضع الحجر الأسود في مكانه، ثمّ تحاكموا إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فحكم بينهم، ووضع الحجر الأسود في مكانه، واستقرّ فيه بفضل حكمته، ولعلّ أشدّ ما مرّ به الحجر الأسود من أحداثٍ كان ما فعله القرامطة في عام ثلاث مئةٍ وثمانية عشر للهجرة، حيث غزا أبو الطاهر القرمطي مكة المكرمة والقطيف واحتلّها، ثمّ نهب الحجر الأسود، ونقله إلى بيتٍ كبيرٍ في قرية الجشّ، ثمّ أمر الناس بالحجّ إلى ذلك البيت، ولكنّ أهل القطيف رفضوا ذلك، فقام بقتل الكثير منهم، ونقل الحجر الأسود إلى الكوفة، إلى أن قام الأمير التركي بجكم بدفع خمسين ألف ديناراً، واستعاد الحجر الأسود.[٢]


حكم تقبيل الحجر الأسود

ذهب جمهور العلماء إلى القول بمشروعية تقبيل الحجر الأسود خلال الطواف، واستدلّوا بالأثر الذي رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إنّه قبّل الحجر الأسود، ثمّ قال: (إنّي أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك)،[٣] وقد علّق الإمام النووي في شرحه للحديث السابق بأن حكم تقبيل الحجر الأسود هو الاستحباب بعد الطواف، وكذلك يُستحبّ السجود على الحجر الأسود بوضع الجبهة عليه، فيستحبّ استقبال الحجر ثمّ تقبيله، ثمّ وضع الجبهة عليه، وهذا مذهب الجمهور، وهو رأي عمر بن الخطاب، وابن عباس، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وطاووس، وقد قال العديد من العلماء بجواز تقبيل الحجر الأسود من غير طوافٍ، وهم بعض علماء المالكية، كما ذُكر في الفواكه الدواني: (ولا بأس بتقبيله بغير طوافٍ؛ ولكن ليس ذلك من شأن الناس)، وقد استدلّوا على ذلك بما رُوي في مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه، أنّه كان لا يخرج من المسجد حتى يستقبل الحجر الأسود، سواءً كان في طوافٍ أو غير طوافٍ،[٤] ولا بُدّ من الإشارة إلى إمكانية مسّ الحجر الأسود باليد إذا لم يتسنَ تقبيله، وكذلك يجوز مسّه بشيءٍ في اليد؛ كالعصا مثلاً، فإن لم يُتاح الاقتراب من الحجر الأسود بسبب الزُحام فتكفي الإشارة إليه من بعيدٍ، والتكبير، والدليل على ذلك فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما تزاحم عليه الناس ليسألونه، فركب الجمل، وطاف عليه، وكان كلّما استقبل الحجر الأسود أشار إليه بيده وكبّر، بالإضافة إلى أنّ مسّ الحجر الأسود وتقبيله، ليس من واجبات الطواف، ولا شروطه، وإنّما يُعتبر من سننه، وإيذاء النفس والناس بمزاحمتهم للوصول إلى الحجر الأسود محذور، فلا يصحّ فعل المحذور لأداء السنة، ويُستفاد من الحديث السابق عدم مشروعية مزاحمة الناس من أجل تقبيل الحجر الأسود.[٥]


الحكمة من تقبيل الحجر الأسود

يرجع السبب في تقبيل الحجر الأسود إلى تعظيم شعائر الله تعالى، واظهار العبودية له، بالإضافة إلى اتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه: (طافَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على بعيرِهِ، وكان كلَّمَا أَتى على الركنِ، أشارَ إليهِ وكبَّرَ)،[٦] ورُوي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنّه كان يستلم الحجر بيده، ثمّ يقبّل يديه، ويقول: (ما تركتُه منذُ رأيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يفعلُه)،[٧] وممّا يدلّ على عِظَم قدر الحجر الأسود وفضله حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه، حيث قال: (واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ)،[٨] وتجدر الإشارة إلى أنّ تقبيل الحجر الأسود ليس لتعظيمه؛ فهو حجرٌ لا يضرّ ولا ينفع، ولكن لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شرّع تقبيله عبادةً لله.[٩]


المراجع

  1. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2/188، إسناده حسن.
  2. "الحجر الأسود تاريخ وأحـكام"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1597، صحيح.
  4. "مذاهب العلماء في تقبيل الحجر بغير طواف"، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
  5. "عدم القدرة على تقبيل الحجر الأسود"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5293، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1268، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 961 ، صحيح.
  9. "الحكمة من تقبيل الحجر الأسود"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.
3704 مشاهدة
للأعلى للسفل
×