ما حكم توصيل الشعر

كتابة:
ما حكم توصيل الشعر

حُكم وَصل الشّعر

اتّفق الفُقهاء على تحريم وصل الشّعر للزينة، واستدلوا على ذلك بأحاديث نبويّة واردة في لعن من يصل الشّعر، واللعن لا يكون إلّا على أمر مُحرَّم،[١] ومن هذه الأحاديث:

  • ما رواه الصحابيّ الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لَعنَ اللَّهُ الواصِلَةَ والمُستَوصِلَةَ، والواشِمةَ والمُستوشِمَةَ).[٢]
  • ما روته أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- من قولها: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ، فَقالَ: لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. وفي روايةٍ : فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا).[٣]
  • ما روي في صحيح البخاري من أنّه: (قدِمَ معاويّةُ المدينةَ، آخرَ قدْمةٍ قدِمَها، فخطبنا، فأخرج كُبّةً من شعَرٍ، قال: ما كنتُ أرى أحداً يفعلُ هذا غيرَ اليهودِ، إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمّاهُ الزورَ؛ يعني الواصلةَ في الشّعرِ).[٤]

حكم وصل الشّعر بشعر آدميّ

اتفق كل من فقهاء الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعية، والحنابلة، والظاهريّة على حُرمة أن تصِلَ المرأة شعرها بشعر آدميّ بقصد التجمُّل والتزيُّن، أو التّحسين، وسواءً كان الشّعر الذي يوصَل به شعر امرأةٍ أو شعرًا لأحد محارمها؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في النّهي عن وصل الشّعر، ولحرمة الانتفاع بشعر الآدميّ، وسائر أجزائه؛ لكرامته.[٥]

حكم وصل الشّعر بشعر غير الآدميّ

تعدّدت أقوال الفقهاء في حُكم وصل الشعر بشعر غير الآدميّ، وبيان مذاهبهم آتيًا.

القول الأول: جواز الوصل بشعر غير الآدمي

ذهب بعض فقهاء الحنفية والليث بن سعد إلى القول بأنّ وصل الشّعر بشعر غير الآدميّ؛ مثل: الصّوف، أو الوبر، أو شـعر الماعز، مُباحٌ؛ وذلك لعدم حدوث التّزوير، وعدم استعمال جزءٍ من الآدميّ.[٥]

القول الثاني: حرمة الوصول بشعر غير الآدمي

إنّ وصل الشّعر بشعر غير الآدميّ، من صوفٍ، أو وبرٍ، أو شعر حيوانٍ حرامٌ، وإلى هذا القول ذهب فقهاء المالكيّة والظاهريّة، مُستدلّين بعموم الأحاديث الواردة في النهي عن الوصل، ولأنّ في الوصل تدليسًا -أي خداعًا-، وتغييرًا لخلقة الله -سبحانه وتعالى-؛ لما فيه من إيهامٍ بكثرة الشّعر، واستثنى فقهاء المالكيّة من هذا الرّبط بالخِرق وخيوط الحرير المُلوَّنة؛ وذلك لأنّها لا تشبه الشّعر؛ فلا يُعدّ الرّبط بها وصلاً.[٥]

القول الثالث: التفريق بين الطاهر والنجس

فصّل أصحاب هذا القول وفرّقوا بين إن كان الشّعر الموصول به طاهرًا أو نجِسًا؛ فإن كان نجِسًا؛ فيحرُم الوصل به، وإن كان طاهرًا؛ فيُنظَر إن كانت الواصلة مُتزوِّجةً أو لا؛ فإن كانت متزوِّجةً، يجوز الوصل بإذن الزّوج، وإن لم تكن متزوِّجةً يحرُم عليها الوصل، أمّا بالنّسبة إلى خيوط الحرير الملوّنة التي لا تشبه الشّعر فلا بأس بالوصل بها؛ لعدم وجود التدليس، وعدم النّهي عن استعمالها، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الشافعيّة.[٥]


القول الرابع: التفريق بين الشعر والصوف ونحوه

التفريق بين إن كان الموصول من غير الآدميّ شعرًا أو غيره؛ فإن كان شعرًا، مثل: شعر الماعز، أو شعر البهيمة؛ فيحرُم الوصل به لعموم الأحاديث الواردة في النّهي، وإن كان غير شعر، مثل: الصوف، والخِرق، ونحوه، فإن كان لحاجة مثل: ربط الشّعر وشدّه فلا بأس به، وإن كان لغير حاجةٍ؛ فعندهم قولان: الحُرمة، والكراهة، وقد رجّح ابنُ قدامة أنّه يُكرَه الوصل به، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الحنابلة.[٥]

الحِكمة من تحريم وصل الشّعر

يرجع سبب تحريم الشريعة الإسلاميّة لوصل الشّعر إلى أمور، منها:

  • حصول الغشّ، والتّكذيب، والتّزوير، والتّغيير لحقيقة الشّعر؛ بحيث يظهر أكثر كثافةً، أو أكثر طولاً، وهكذا.[٦]
  • لما فيه من تغيير لخَلق الله سبحانه وتعالى.[٧]
  • يرجع سبب تحريم وصل الشّعر إلى أصل الشعر الذي يتمّ به وصل الشّعر الأصليّ ونوعيّته، فيُمكن أن يكون هذا الشّعر ذا أصل نجِس؛ مثل: الحيوانات الميتة التي قد يتسبب بحدوث مرض في فروة الرأس.[٧]
  • يُرجع بعض العلماء سبب التّحريم أيضًا إلى حُرمة الانتفاع بشعر الآدميّ رجالاً ونساءً؛ وذلك حفظًا لكرامتهم وكرامة أجسادهم.[٥]

الزينة في الإسلام

خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان في أحسن تقويمٍ، وأفضل خِلقةٍ، وأكمل صورةٍ، وجعله بطبعه وغريزته محُبًّا للتزيُّن والتجمُّل، بل دعا الله -سبحانه وتعالى- عباده إليهما، فقال في كتابه العزيز: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).[٨]

وقد شرع الإسلام التزيُّن للرّجال والنّساء جميعًا، ولكنّه ضبط ذلك بأحكامٍ وشروط؛ فحدّ حدودًا لا يجب تعدّيها، وحرّم أشياء لا يجب انتهاكها، وممّا يُعدّ من زينة الرّجل والمرأة: الشّعرُ، وقد أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بتسريحه وإكرامه، ولكن دون مبالغةٍ في ذلك، ودون تغييرٍ للخلقة الحسنة والفطرة السليمة؛ فقد رُوِي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه: (نهى عن الترجُّلِ إلا غبّاً)؛[٩] والترجّل أي تسريح الشعر وتهذيبه، وغبًّا أي بين حينٍ وحينٍ بعتدالٍ دون مبالغةٍ.[١٠]

المراجع

  1. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة-الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة: 108، جزء: 26. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5933، حديث صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 5941، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 5938، صحيح.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح د.محمد عثمان شبير ، أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي كلية الشريعة والدّراسات الإسلاميّةـ جامعة الكويت، صفحة: 7-10. بتصرّف.
  6. أبو حامد الغزالي، الوسيط في المذهب، صفحة 168-170. بتصرّف.
  7. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، صفحة 100-101. بتصرّف.
  8. سورة الأعراف، آية: 31.
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن مغفل، الصفحة أو الرقم: 4159، صححه الألباني.
  10. "شرح حديث نهى النبي عن الترجُّلِ إلا غِبًّا"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 3/7/2022. بتصرّف.
3446 مشاهدة
للأعلى للسفل
×