خطبة لعيد الأضحى عن أحكام الأضحية

كتابة:
خطبة لعيد الأضحى عن أحكام الأضحية

مقدمة الخطبة

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،لا إله إلا الله،، الله أكبر، الله أكبر،ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيراً، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً، الحمدُ لله ربِّ العالمين، الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات، وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات، وبلُطفِه تُستَر العُيُوب والزَّلاَّت، الحمدُ لله الذي أماتَ وأحيا، ومنَع وأعطَى، وأرشَدَ وهدى، وأضحَكَ وأبكى.

الحمدُ لله الذي جعَل الأعياد في الإسلام مَصدراً للهناء والسُّرور، الحمد لله الذي تفضَّل في هذه الأيَّام العشر على كلِّ عبدٍ شَكُور، سبحانه غافِر الذنب وقابِل التَّوب شديد العِقاب،[١] إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.[٢]

الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لِقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[٣] واشكروه على ما أنعم به عليكم من مشروعية الأضاحي التي تتقرّبون بها إلى ربكم وتُنفقون بها نفائس أموالكم، فإنَّ هذه الأضاحي سنَّة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد عليهما الصَّلاة والسَّلام، وإنَّ لكم بكل شعرة منها حسنة وبكل صوفة حسنة.[٤]

الخطبة الأولى

عباد الله، نُريد أن نتكلم معكم في هذه الخُطبة المُباركة في يومٍ مُبارك -ألا وهويوم عيد الأضحى- عن الأُضحية وفضلها وأحكامها، بدايةً قال جُمهور الفُقهاء بأنَّ الأُضحية من الأُمور المسنونة عن النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ فقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أنَّ النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، وذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، كما ورد أنَّ الأُضحية هي من أفضل الأعمال التي يقوم بها المُسلم في يوم العيد.[٥]

أيها المسلمون، سمَّى الله -تعالى- يوم الأضحى ويوم النحر بيوم الحج الأكبر؛ وذلك لأنَّ الحُجاج يُؤدّون فيه معظم مناسك الحج؛ إذ إنَّهم يَّرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون هديهم، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة، وأمّا سبب تسميته بالنحر والأضحى؛[٢]فذلك لأنَّ المُسلمون يُضحون فيه، كما ينحر الحاجّ فيه هديه، ويتبع كل من أراد الأُضحية سُنة أبينا إبراهيم -عليه السَّلام- التي ورثناها عنه في هذا اليوم، لِقوله تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).[٦]

معشر المسلمين، قد سنّ لنا نبينا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- في هذا اليوم صلاة العيد، وأبدلنا كمُسلمين ما كان في الجاهليّة من أعياد، ليجتمع لدينا في يوم العيد الفرحة والطاعة، حيث يتعانق المُسلمون ويتصافحون ويتسامحون، ويذكرون ربهم ويشكروه على ما أنعم عليهم من أداء المناسك، وذبح الأضاحي، ويحتفون بيوم عرفة الذي يسبق العيد بالصيام؛ الذي يُكفر صيامه سنتين من الذُنوب والمعاصي، سنة ماضية، وسنة قابلة، لتجتمع المناسبات العظام، من حضور جميع الحجيج على جبل عرفات ومن صيام الأمة في مشارق الأرض ومغاربها في ذلك اليوم.[٢]

ومن ثم يتلو ذلك اجتماع المسلمين صباح يوم العيد في الساحات والمصليات والمساجد، ويخرج صغيرهم وكبيرهم وإناثهم وذكورهم، ذاكرين الله ومُصلين، يستقبلون العيد بطاعة الله والصّلاة، ويودعونه بصلة الأرحام والتكبير بعد الصلوات، أيّها الكرام، إنَّ المتأمل لمنظر الحجيج وهم يهتفون جميعهم بالتكبير، وهم يلبسون لباساً واحداً، وقد تساووا في المظهر والمنظر، يقشعرّ بدنه من خشية الله، فلا عظمة إلا لله، ولا تقديس إلا له سبحانه، وكُلهم يدعو ربه بلغته، والجميع يرجو ربه، وهذا كُله يُبين لنا عظمة هذا الدين.[٧]

عباد الله، لا يوجد دينٌ في الكون غير الإسلام يمكنه أن يُحدث هذا مثل الاجتماع وهذه الوحدة والتماسك، وفي وقت واحد، وهو يوم عرفة، بل وبلباس واحد، وعندها يرى المسلم أخاه من جنوب أفريقيا أو من شمال آسيا أو أستراليا وكلهم يهتفون، والهتاف لله وحده، فلا معبود بحق إلا الله، إن أدنى تأمل في هذا المشهد يشعرك أن الإسلام يريد من هذه الأمة الاعتصام والوحدة، وإنه يوحي إليك من مظهر الحجيج العام الوحدة في الاجتماع بالأبدان وفي العبادة وفي المقصد.[٨]

أيُّها الفضلاء، يا من تاقت أنفُسكم للحجّ إلى البيت الله الحرام،قد سنّ الله لكم صلاة عيد الأضحى، التي حافظ وواظب النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- على فعلها، وكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يُكبِّر في الرَّكعة الأولى قبل القراءة سبع تكبيرات، وكان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- يُصلُّون العيد قبل الخطبة، وكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يرجع لبيته من طريق غير الطريق الذي ذهب منه لصلاة العيد، وذلك لتكثير الخطى في طاعة الله، ومن السُنة أن تؤدَّى صلاة العيد في المُصليات خارج المساجد، وقد كان الصحابة الكرام يُكثرون من التكبير والدُعاء والتهليل عند خُروجهم للعيد.[٨]

أيُّها الموحدون، يُسنُّ في عيد الأضحى التكبير بعد الصلوات المفروضة إلى صلاة الفجر من اليوم الرابع منه، ويُسن للمُسلم القادر أن يقوم بتطبيق سُنة الأُضحية، والأفضل أن يجود المُسلم بأفضل ما عنده، لِقولهِ تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)،[٩]وقد بيّن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- ما لا يجوز في الأُضحية لما فيها من العيوب، لِقوله: (أربعٌ لا تجوزُ في الضَّحايا : العَوراءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرَضُها، والعَرجاءُ البيِّنُ ضَلَعُها والكبيرةُ الَّتي لا تَنقَى).[١٠] ومن أحكام الذبح وسُننه؛ أن يقوم المُسلم بذبح أُضحيته بنفسه، وأن تكون الأُضحية بعد الانتهاء من صلاة العيد؛ لِقول النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: (مَن ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنَّما يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، ومَن ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ).[١١]

ولنعلم أيها الإخوة، أنَّه لا يجوز للمُسلم أن يبيع من أُضحيته شيئاً؛ فلا يُعطى الجزار من الأُضحية مُقابلاً على عمله منها، وللمضحي أن يكافئه نظير عمله، ويجوز للمُسلم إعطاء الكافر من أُضحيته؛ تأليفاً لقلبه، وإظهاراً لشعائر الدين، ومن السُنة أن توجّه الدّابة نحو القبلة عند الذبح، مع ذكر اسم الله عليها، ولتعلموا عباد الله، أن هذه الأيام أيامُ رحمةٍ وفرح وسُرور وتصافُح، كما أنَّها أيامُ أكلٍ وشُرب؛ لذا يحرمُ صيامُها.

عباد الله، من كانت بينه وبين أخيه المُسلم عداوة فليُسارع إليه ويطلبُ منه العفو والصفح والمُسامحة، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)؛[١٢] فالرّحمُ مُعلقةٌ بالعرش من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ولا يحلُ للمُسلم أن يهجُر أخاه المُسلم فوق ثلاث ليالٍ، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ: فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ).[١٣]

ولنتذكر أيُّها الأحبة، أنَّ الحكمة من العيد التواصل بين أبناء المُجتمع الواحد، وتقارب قُلوبهم، وانطفاء نار الحقد والحسد في قُلوبهم، ونذكركمبجواز التهنئة بالعيد بأي صيغةٍ من الصيغ المُتداولة بين الناس، كقول: تقبل الله منا ومنكم، عيدٌ مُبارك، وغير ذلك من الصيغ المُتداولة، وقد ذهب إلى هذا القول ابن تيمية.[١٤]

الخطبة الثانية

إنَّ قيام المُسلم بالأُضحية هو اتباعٌ لشرع الله -تعالى-، وسُنة نبيّه إبراهيم -عليه السَّلام-، ويؤدّي المُسلم هذه السُنة طلباً للأجر والثواب وليس من باب المُفاخرة أو المُباهاة، والأولى أن يُضحي الشخص ببلده وإن كانت تشقُّ عليه الأضحية الغالية فيشتري أضحية رخيصة في بلده، ويجوز للمسلم مساعدة المحتاجين من المسلمين في الخارج بصدقة التطوع والزكاة.[١٥]

الدعاء

  • اللهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحاً ومغنماً، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقاً وسُلماً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
  • ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تُحمّلنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
  • اللهم سلّم الحُجاج والمُسافرين والمُعتمرين، في برّك وبحرك وجوّك من المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
  • اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، اللهم اجعلنا هُداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم احفظ بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين يارب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، الله أكبر، الله أكبر،لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،الله أكبر، الله أكبر كبيراً.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. خميس النقيب (20-9-2015)، "عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "أحكام الأضحية"، الموقع الرسمي للشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 22/6/2021. بتصرّف.
  3. سورة آل عمران، آية:102
  4. محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 198، جزء 2. بتصرّف.
  5. "فضل الأضحية وثوابها"، إسلام ويب، 5-1-2006، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  6. سورة آل عمران، آية:67
  7. سعود الشريم، "خطبة عيد الأضحى المبارك"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  8. ^ أ ب يحيى الزهراني، "خطبة عيد الأضحى لعام 1425هـ"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  9. سورة آل عمران، آية:92
  10. رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:405، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:5556، صحيح.
  12. سورة الحجرات، آية:10
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم:6077، صحيح.
  14. محمود يوسف (22-7-2019)، "أحكام الأضحية (خطبة عيد الأضحى)"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
  15. أحمد الزومان (27-1-2016)، "خطبة عن أحكام الأضحية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 23/6/2021. بتصرّف.
74179 مشاهدة
للأعلى للسفل
×