ما عقاب سماع الأغاني

كتابة:
ما عقاب سماع الأغاني

عِقاب سماع الأغاني

يُجازى الإنسان عن كلّ فعلٍ يصدر عنه؛ فإن فعل خيراً فإنّه يُجزى خيراً، وإن فعل شرّاً فإنّه يُجزى بمثله، والعقوبة درجات وليست جميعها في درجةٍ واحدةٍ من حيث السّوء، ونتيجة الفعل، والأغاني هي معصية مثل باقي المعاصي لها عقوبة وجزاء، ولكن هناك تفصيل في الأمر نبيّنه في هذه المقال.

أنواع الأغاني وحُكمها

عند استقراء حُكم الغناء في الشّريعة الإسلاميّة فلا بُدّ قبل الخوض في حُكم الغناء؛ من التّمييز بين الغناء وأنواعه ابتداءً؛ فالغناء أنواع، ولكلّ نوعٍ حُكم، فيما يأتي بيان ذلك:

الغناء الذي تُصاحبه آلة عَزف ولَهوٍ

يُعدّ الغناء الذي تُصاحبه آلة عزفٍ ولهوٍ غناءً مُحرَّماً؛ فيحرُم سماعه من الرّجال والنّساء بالإجماع، وقد نَقل الإجماع على تحريم سماع آلات العزف -باستثناء الدّف- جماعة من العلماء، مثل: ابن الصّلاح، والإمام القرطبيّ، وابن القيّم، وابن حجر الهيتميّ، وابن رجب الحنبليّ، وأبي الطيّب الطبريّ.

قال الإمام القرطبيّ: "أمّا المزامير والأوتار والكوبة جميعها آلات موسيقيّة، فلا يُختلَف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممّن يعتبر قوله من السّلف وأئمّة الخلف مَن يُبيح ذلك، وكيف لا يحرُم وهو شِعار أهل الخُمور والفُسق، ومُهيّج الشّهوات والفَساد والمُجون، وما كان كذلك لم يُشَكَّ في تحريمه، ولا تفسيقِ فاعله وتأثيمه".[١][٢]

وقد دلّت على ذلك نصوص من الكِتاب والسُّنة، فمن ذلك حديث أبي مالك الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ليكونَنَّ من أُمَّتي أقوامٌ، يستحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ، والخمرَ والمعازِفَ، ولينزلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ عَلَمٍ، يروحُ عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهِم - يعني الفقيرَ- لِحاجةٍ، فيقولوا: ارجِع إلينا غداً، فيبيِّتُهمُ اللَّهُ، ويضَعُ العَلَمَ، ويمسخُ آخرينَ قِرَدةً وخنازيرَ إلى يومِ القيامَةِ)،[٣]

وأمّا قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- (يستحلّون)؛ فهو من أقوى الأدلّة على تحريم المعازف، وأنّها مُحرَّمة، فلو كانت آلات اللّهو والمعازف حلالاً لما احتاج أن يقول يستحِلّونها؛ فالحلال لا يُستحَلّ؛ لأنّه حلال أصلاً، وإنّما يُستحَلّ الحرام، فدلّ ذلك على تحريم المعازف.[٢]

الغناء دون مصاحبة المعازف وآلات اللّهو والموسيقى

الغناء الذي لا يُصاحب المعازف وآلات الموسيقى واللّهو، نوعان:[٢]

  • النّوع الأوّل

غناء النّساء للرّجال، أو غناء امرأةٍ للرّجال، فهذا الغناء حرامٌ قطعاً، فإن غنّت المرأة في حضرة النساء بكلام طيّبٍ حسَن، في مناسبة كعيد أو عُرس جازَ ذلك.

  • النّوع الثاني

غِناء الرّجل، شرطَ أن يكون الكلام المُستخدَم في الغناء طيِّباً وحسناً، يدعو إلى الفضيلة والخير، فهذا الغناء الطيّب أباحته جماعة من العلماء، وقال آخرون بكراهتِهِ، خاصّةً إن كان بأُجرة.

والدليل على ذلك: جاء عن عامر بن سعد أنّه قال:(دَخَلْتُ على قُرَظَةَ بنِ كَعْبٍ، وأبي مسعودٍ الأنصارِيِّ في عُرْسٍ؛ وإذا جَوَارٍ يُغَنِّينَ، فقلتُ: أَيْ صاحِبَيْ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وأهلَ بَدْرٍ! يُفْعَلُ هذا عندَكم؟! فقالا: اجلس -إن شِئْتَ- فاسْمَعْ مَعَنا، وإن شِئْتَ فاذْهَبْ؛ فإنه قد رُخِّصَ لنا في اللَّهْوِ عند العُرْسِ).[٤]

وأمّا إن كان الغناء بكلامٍ قبيحٍ أو يدعو إلى الرّذيلة، أو فيه تَغَنٍّ ووصفٌ للنّساء أو الخَمر فهو غناءٌ مُحرَّم؛ لِما فيه من خُبث الكلام ورذيلة، والاستماع إلى الكلام المباح مُباح، أمّا الاستماع إلى الكلام الخبيث المُحرَّم فهو مُحرَّم.[٢]

وبكل الأحوال لم ترد طبيعة عقوبة سماع الأغاني في القرآن، ولم تُحدَّد ماهيّته وكيفيّته، ويبقى ذلك بعلم الله وحده، ولكن يكفي زجراً لكلّ إنسان يسمع الأغاني الفاحشة أنّه يُغضِب الله ويُسخطه.

المراجع

  1. أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاريّ، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (1407هـ-1987م)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر، صفحة: 337، جزء: 2.
  2. ^ أ ب ت ث فريق من طلبة العلم الشرعيّ (الاثنين 3 ذو الحجة 1421 - 26-2-2001)، "أنواع الغناء وحكم كل نوع"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 3-3-2017.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 5590، معلق.
  4. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي مسعود البدري وقرظة بن كعب، الصفحة أو الرقم: 3094، إسناده صحيح.
5363 مشاهدة
للأعلى للسفل
×