ما لا تعرفه عن فضل الصدقة

كتابة:
ما لا تعرفه عن فضل الصدقة

مضاعفة الحسنات

إن مفهوم الصدقة من المنظور الإسلامي أنها العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى،[١] ومن ميزات الصدقة أنها تضاعف أجر المتصدق عند الله في الدنيا والأخرة، قال -تعالى-: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)،[٢] والجزاء من الله للمتصدق أنّ الله يضاعف صدقته أضعاف كثيرة بمقاييس الله عَزَّ وَجَلَّ لا بمقاييسنا كبشر.[٣]


تكفير السيئات

لا شك أن كل أعمال الخير التي يبذلها الإنسان يكافئه الله عليها لقوله -تعالى-: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)،[٤] ومن فضائل الصدقة أنها تكفر السيئات، قال الله -تعالى- (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٥] وفي هذا لمحة إيمانية أنّ التصدق سراً خيرٌ من الجهر بالصدقة وفي كلٍ خير.[٦]


والصدقة أيضاً تطفئ غضب الله عن المتصدق، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ)،[٧] وكما أنها تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى فهي تطفئ الذنوب والخطايا كما تطفئ الماء النار،[٨] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ).[٩]


نيل البركة في المال

تعهد الله للمتصدقين بتنمية أموالهم ومباركتها، قال الله -تعالى-: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)،[١٠] أي أن للمتصدق من الله سبعمئة ضعف جزاءً على ما تصدق به كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (منْ أنفقَ نفقةً في سبيلِ اللهِ، كتبتْ له سبعمائةُ ضعفٍ).[١١]


وإن الله ليدخر الصدقة التي تصدق بها العبد، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)،[١٢] ولو كانت الصدقة شيئاً قليلاً فإن الله سبحانه يُخلف مكانها ويزيدها سبحانه، ويبارك للمتصدق في رزقه وفي ماله.[١٣]


حتى أن الله يُربِي الصدقة لعبده حتى تكون يوم القيامة كالجبل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ).[١٤]


الصدقة وقاية للمتصدق من الشرور والأذية

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه ان الصدقة تدفع المصائب والشرور التي قد تصيب الناس عامة وأفراداً، قال-صلى الله عليه وسلم- حينما شاهد الصحابة كسوف الشمس: (إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ لا يخسِفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه ، فإذا رأيتُم ذلك فادْعوا اللهَ وكبِّروا وصلُّوا وتصدَّقوا)،[١٥] وفي هذا الحديث دليل على أنه عند حصول الكسوف الذي يخوف الله به عباده يسارع العباد بالصدقة؛ لأنها من أسباب رفع البلاء ودفعه.[١٦]


وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربِّ ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ)،[١٧] ومن أجر الصدقة أنّ الله يرحم المتصدقين في مرضهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ).[١٨]


استظلال المتصدق بظل الرحمن

إن من أعظم الأجور التي ينالها المتصدق من الله -تعالى- أن يكون في ظل الرحمن يوم القيامة يوم لا ظِلَ إلا ظِلُه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: .... ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ)،[١٩] وهذا الحديث يقدم التنبيه على منزلة الصدقة والتطوع بها، وأن ذلك من منطلق الإيمان واليقين بما عند الله، وأن المتصدق ينتظر العوض من الله سبحانه، ولا يرجو ممن يتصدق عليه جزاءً ولا شكوراً،[٢٠] ومن عظم فضل الصدقة أنها تكون ظلاً للعبد يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ظِلُّ المؤمنِ يومَ القيامةِ صَدقتُه).[٢١]


دعاء الملائكة للمتصدق بالرزق

إن من فضل الصدقة أن الله قد وكل الملائكة لتدعو للمتصدقين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)،[٢٢] إن من كرم الله عز وجل أن المتصدق ينفع نفسه بصدقته أكثر من انتفاع الفقير بها، ويشير الحديث إلى الوعد بالتيسير لمن أنفق في وجوه الخير، والوعيد لمن فعل عكس ذلك،[٢٣] وفي هذا الحديث حَثٌ على الصدقة كُلَ يوم


تزكية نفس المتصدق وتطهيرها

من ميزات الصدقة في الإسلام أنها تطهر نفس المتصدق وتزكيها عند الله، قال -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليمٌ)،[٢٤] والصدقة تطهر المؤمن من دنس البخل والطمع والدناءة والقسوة على الفقراء البائسين وما يتصل بذلك من الرذائل، وتزكي نفسه بها: أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية حتى تكون بها أهلا للسعادة الدنيوية والأخروية.[٢٥]


عن عبدالله بن أبي أوفى قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بصَدَقَتِهِمْ، قالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليهم فأتَاهُ أَبِي، أَبُو أَوْفَى بصَدَقَتِهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ علَى آلِ أَبِي أَوْفَى) ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للمتصديقن كمكافئة لهم على صنيعهم، بأن يغفر لهم الله ويرحمهم.[٢٦]


بناء مجتمع متماسك ومترابط

إن للصدقة دور عظيم في تماسك المجتمع وترابطه، فلا يخلو مجتمع من غني وفقير، وجعل الله للفقراء حقٌ معلوم من أموال الأغنياء، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)،[٢٧] فإذا دفع الأغنياء الصدقات للفقراء في المجتمع، توطدت العلاقة بين الغني والفقير، وزاد التواضع لدى الأغنياء، وتُقضى حاجات الفقراء، فلن يحسدوا الأغنياء على ما أتاهم الله، ولن يسخطوا على نصيبهم من الدنيا، بل وزاد الحب والتآخي بين كافة أفراد المجتمع، ولذا كان أول عمل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة المؤاخاة بين المسلمين المهاجرين أنفسهم، والمهاجرين والأنصار، وكان الأنصاري يشاطر أخاه ماله،[٢٨] حتى أصبح المجتمع مترابطاً ومتماسكاً.


خلاصة المقال: عرض المقال أهم فضائل الصدقة في الآخرة، ومنها أنّها تطفئ غضب الله، وتضاعف الحسنات، وتُكفّر السيئات، وعرض المقال أهم فضائل الصدقة في الدنيا، ومنها نيل البركة في مال المتصدق، ودفع الأذى والشرور عنه.


المراجع

  1. سعيد بن وهف القحطاني، كتاب صدقة التطوع في الإسلام، الرياض:مطبعة سفير، صفحة 5، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:245
  3. محمد الشعراوي (1997)، تفسير الشعراوي، صفحة 1040، جزء 2. بتصرّف.
  4. سورة الزلزلة، آية:7
  5. سورة البقرة، آية:271
  6. ابو جعفر الطبري (2000)، تفسير الطبري ، جامع البيان ت شاكر (الطبعة 1)، صفحة 582، جزء 5. بتصرّف.
  7. رواه الالباني، في صحيح الترغيب، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:866 ، صحيح.
  8. ابن القيم (1999)، كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب (الطبعة 3)، القاهرة:دار الحديث، صفحة 31. بتصرّف.
  9. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم:473، صحيح.
  10. سورة البقرة، آية:261
  11. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن خريم بن فاتك الأسدي، الصفحة أو الرقم:8523 ، صحيح.
  12. سورة سبأ، آية:39
  13. الطبيب أحمد حطيبة، تفسير احمد حطيبة، صفحة 8، جزء 254. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:1410 ، صحيح.
  15. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عائشة ام المؤمني، الصفحة أو الرقم:1642 .
  16. عبد المحسن العباد، كتاب شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 11، جزء 148.
  17. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن انس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2041 ، صحيح.
  18. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن ابو امامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:3358 ، صحيح.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:660 ، حديث صحيح.
  20. عطية سالم، كتاب شرح بلوغ المرام لعطية سالم، صفحة 4، جزء 136. بتصرّف.
  21. رواه شعيب الأرناووط، في تخريج المشكل والأثار، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:3836 ، حديث صحيح.
  22. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابو هريرة، الصفحة أو الرقم:1442 ، حديث صحيح.
  23. احمد العتيبي، "اعمال تدعوا الملائكة لأصحابها"، صيد الفوائد. بتصرّف.
  24. سورة التوبة، آية:103
  25. محمد رشيد رضا، تفسير المنار، صفحة 20، جزء 11.
  26. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم:1078، صحيح.
  27. سورة المعارج، آية:24 25
  28. عطية سالم ، كتاب شرح الأربعين النووية لعطية سالم، صفحة 4، جزء 50. بتصرّف.
3707 مشاهدة
للأعلى للسفل
×