محتويات
معنى الظلم مؤذن بخراب العمران
تُعدّ هذه العبارة أثراً من آثار الظلم على المجتمع؛ إذ إن الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم، يعد إرهاصاً من إرهاصات انهيار الدول، وذهاب الممالك؛ لترك الناس السعي في الأرض؛ وذلك لذهاب آمالهم في تحصيل منفعة هذا السعي؛ إذ مآلها إلى النهب والاستبداد، فتكسُد الأسواق، وتتلَف الزروع، وتخرب البيوت، فلا يبقى فيها ساكن.[١]
وقد بيّن ذلك مؤسّس علم الاجتماع العلامة المسلم عبد الرحمن ابن خلدون، في كتابه: (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر، ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر)، إذ عنوَن الفصل الثالث والأربعين من كتابه بـ (الظلم مؤذن بخراب العمران).[١]
وقد بيّن بأن ارتباط خراب العمران بالظلم أمرٌ نسبيٌّ؛ فبقدر ما يكون الظلمُ بقدر ما يؤولُ إليه العمران من الخراب؛ فإن كان يسيراً كان الخراب بقدره، وإن كان شاملاً عاماً في كل مناحي حياة الفرد والمجتمع، كان الخراب للدولة برمّتها؛ إذ تذهب مادة الحياة فيها وفي المجتمع.[٢]
قصة الموبذان مع بهرام بن بهرام
أورد ابن خلدون في حديثه عن الظلم وآثاره، قصةً ذكرها الإتليدي في نوادر الخلفاء في بلاد فارسٍ، أيام حكم ملكٍ عندهم يسمى "بهرام بن بهرام"، وكان عنده رجل الدين ينصحه، وكان يلقب "بالموبذان"، وكيف أنّه عرّض له بأثر ظلمه -إن استمر-؛ في خراب دولته، وتفرق شعبه في الأمصار، وطمع أعدائه بمملكته.[٢]
إذ اغتنم "الموبذان" سؤال الملك له -حين سمع أصوات البوم-، عن فهم كلامها، فقال "الموبذان": أن بوماً ذكراً طلب الزواج من بومٍ أنثى، وقد شرطت عليه مهراً لها عشرين قرية خراباً، فقال البوم الذكر لها: إن استمر هذا الملك في حكمه، منحتك ألف قرية خراباً.[٣]
فَتَنَبَّهَ الملك، وسأل "الموبذان" عن مراده، فبيّن له "الموبذان" أُسُس قيام الدول وازدهارها؛ وأنها جملةً وتفصيلاً قائمةٌ على العدل، الذي هو أساس المُلك، إذ إن الشريعة يصعب تطبيقها على الناس بدون المَلك، وأن المَلك لا يكمُل عزُه بدون الرجال، وأنه لا قوام للرجال في دولته إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بعمارة الأرض، ولا سبيل لعمارتها إلا ببسط العدل.[٣]
وعَمل الملك بما ذكّره به "الموبذان"، فبسَط العدل بين الرعية، وباشر أموره بنفسه لئلا تُفسدها عليه حاشيته، فازدهرت البلاد، وخصبت الأراضي، ورجع الناس إلى ديارهم فعمروها، والحكمة تفهم من القصة بأن: "الظلم مخرب للعمران، وأن عائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد والانتقاض".[٤]
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من وبال الظلم على العمران
وقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثر الظلم، وكيف يؤدي إلى هلاك الأمة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).[٥][٦]
وبيان سبب هلاك الأمة كلها بالظلم أنّ الظلم كالنار؛ لا يُحسُّ بوطأتها إلا المظلومين؛ فإذا انتشر الظلم لم يعد للمظلومين الذين لا يُرون في هذا المجتمع حفظاً لحقوقهم وكرامتهم، لم يعد لهم وازعٌ يبقيهم عوامل بناءٍ في هذا المجتمع؛ فمآل ذلك أن يصيروا معاوِل هدمٍ، بالجلاء عن البلاد بأبسط صور الهدم، وهذا بخلاف المجتمع العادل؛ الذي يحفظ حقوق لبِناتِه وآمالهم.[٦]
المراجع
- ^ أ ب عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، صفحة 353. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، صفحة 354. بتصرّف.
- ^ أ ب دياب الإتليدي، إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس، صفحة 34-35. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، صفحة 355. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3475 ، صحيح.
- ^ أ ب عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة، صفحة 111. بتصرّف.