ما معنى النقل بالتواتر

كتابة:
ما معنى النقل بالتواتر

الحديث النبوي

إنّ مصطلح الحديث النبويّ ربّما قد يكون معلومًا لكثير من الناس، ولكن لا بدّ من التفصيل فيه لزيادة الإيضاح، فالحديث النبوي هو ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو عمل، وهو كذلك ما ثبُتَ عنه من صفات خَلقية أو خُلقيّة،[١] وتُقسم الأحاديث عمومًا إلى أحاديث قدسيّة وأحاديث نبويّة؛ فأمّا الحديث القدسي فهو كلام لله -سبحانه- ولكنّه غير القرآن، فمعناه من الله -سبحانه- ولفظه من النبي عليه الصلاة والسلام، كقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربه: "يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا"،[٢] وأما الحديث النبوي فهو ما كان وحي من الله -سبحانه- ولكنّه من ألفاظ النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك من الفروقات بين الحديث القدسي والحديث النبوي أنّ الحديث النبوي لا ينسبه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ربه كالحديث القدسي، وللحديث النبوي أقسام كثيرة سيقف المقال فيما يأتي مع المتواتر منها بشيء من التفصيل.[٣]

ما معنى النقل بالتواتر

المتواتر هو اسم فاعل من تواتَرَ، وهي صفةٌ لخبرٍ من أناسٍ لا يمكن تواطؤهم أو اتفاقهم على فهمٍ خطأ لأمرٍ ما، والحديث المتواتر هو مصطلح فقهي يُطلق على الحديث الذي ينقله قوم عن قوم، ويكون عددهم كبيرًا بحيث لا يمكنهم التواطؤ على الكذب،[٤] ومعنى النقل بالتواتر هو أن يكثُرَ نقلُ خبرٍ ما من كثير من الجهات بحيث لا يمكن أن يجتمعوا على الكذب جميعًا، ومثل ذلك القوم الذين نقلوا خبر اكتشاف العالم الجديد؛ أي: الأمريكيّتين، فاليقين بوجود هذه القارة لا يُخالطه شك مع أنّه قد لا يمكن لبعض المسلمين السفر إليها، إلّا أنّهم لا يشكّون بوجودها البتّة.[٥]

أقسام الحديث المتواتر

بعد الوقوف على معنى التواتر تقف هذه الفقرة مع معنى الحديث المتواتر وأقسامه، فالحديث المتواتر ينقسم إلى قسمين وهما المتواتر اللفْظي والمتواتر المعنوي، فأمّا المتواتر اللفظي فهو الحديث الذي تواتر لفظه ومعناه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن كَذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِن النَّارِ[٦] وأمّا المتواتر المعنوي فهو ما تواتر معناه ولم يتواتر لفظه، والحديث المتواتر المعنوي كثير في السنّة، وقد بلغ نحو مئة حديث في أمور مختلفة؛ منها أحاديث رفع اليدين في الصلاة؛ إذ قد تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه في الدعاء، ولكن لم تتواتر القصة كاملة، وإنّما تواتر منها مقدار رفع اليد فقط، وكذلك حديث المسح على الخفّين وحديث العمامة واللحية ورفع اليدين في الصلاة وغيرها، ومن ذلك أيضًا حديث "نضَّر اللهُ امرأً"، الذي يُروي متواترًا من حيث المعنى، ومن رواياته ما جاء من طريق زيد بن ثابت -رضي الله عنه- والذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "نضَّر اللهُ امرأً سمِع منَّا حديثًا فبلَّغه غيرَه فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ"،[٧] وكذلك حديث "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي"، الذي يُروى كذلك متواترًا من حيث المعنى، ومن رواياته ما جاء في صحيح مسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي قائِمَةً بأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، أوْ خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ ظاهِرُونَ علَى النَّاسِ"،[٨] وما سوى المتواتر هو آحاد ومنه المقبول ومنه المردود وسيأتي فيما بعد الحديث على حديث الآحاد إن شاء الله.[٩]

شروط الحديث المتواتر

هناك شروط لصحة الحديث المتواتر كان لا بدّ من معرفتها، منها أن يكون عدد الرواة كبيرًا بطريقة يستحيل معها التواطؤ والتدليس في الخبر، وقد اختلفت الأقوال في تقدير العدد ولكنّ الصحيح عدم تحديد عدد معيّن، ومنها كذلك أن توجد الكثرة في كل طبقات السَّنَد، ومنها أن يعتمد على الحواس في الخبر، كأن يتحسس الراوي الخبر بحواسه من سمعٍ أو رؤية أو غير ذلك، وقد كان الرواة يحتاطون في الظن والاعتقاد أو الاستناد على العقل؛ لأنّ ذلك لا يخدم العلم ولا ينطبق عليه التواتر،[١٠] وقال الإمام الزركشي في كتابه "النكت على كتاب ابن صلاح" إنّه لا يشترط العدول في الرواة كما قد تقرر في علم الأصول، ولكن بعض العلماء قد قال أنّ الكلام بأنّه لا يشترط عدالة الراوي هو كلام فيه نظر؛ لأنّه صحيح أنّ الأصوليّين وغيرهم يمكنهم البحث به، ولكن من ناحية السُّنّة لم يرد حديثٌ لم يُبحث في عدالة رواته، وقد قال بعض الأئمة -كالإمام السيوطي- "إن الحديث المتواتر هو الذي لا ننظر إلى عدالة رواته وضبطهم"، وقد تعقّبه أحد العلماء المعاصرين الذين يرون أنّ قول الإمام السيوطي السابق قد أوجدَ إشكالًا كبيرًا؛ إذ أصبح بعض العلماء -رحمهم الله- ينظرون فقط إلى كثرة الرواة ويدخلونه في المتواتر بناء على التعريف المذكور أعلاه، مع وجود أحاديث ضعيفة ربما، بمعنى لا يُنظر إلى عدول الرواة بل يُنظر إلى كثرتهم، وهذا أمر لا يصح من وجهة نظر ذلك العالِم المعاصر، والله أعلم.[١١]

حجية الحديث المتواتر

إنّ الحديث المتواتر تكمن حجّيته في اسمه؛ إذ هو قطعيّ الثبوت، وكذلك هو مفيد للعلم بذاته لا بقرائنه أو بغيره من الأدلة؛ فكل ما هو مفيد للعلم فهو حجة، ويقول ابن حجر العسقلاني في بعض كتبه إنّ الحديث المتواتر أو الخبر المتواتر عمومًا هو ما أفاد العلم الضروريّ غير القابل للتّشكيك، وكذلك قال إنّ الخبر إمّا أن يأتي بما لا حصر له من الطرق وإمّا أن يأتي بعدد محصور كأن يكون أكثر من طريقتين أو بطريقتين أو بطريقة واحدة، فما جاء بما لا حصر له هو الخبر المتواتر الذي يُفيد العلم اليقيني، ومن أمثلة ذلك الأخبار المتواترة عن الأنبياء والأمراء والملوك والسلاطين وغيرهم، أو أخبار البلدان والأمصار البعيدة كبلاد الهند وبلاد السند والصين والأمريكيّتين وغيرها، فإنّ المرء يجد نفسه عالمًا بتلك الأخبار من دون أن يراها، وذلك لأنّ الخبر المتواتر يُفيد علمًا قطعيّ الثبوت، والله أعلم.[١٢]

الفرق بين الحديث المتواتر والآحاد

للوقوف على الفرق بين الحديث المتواتر والحديث الآحاد يجب أوّلًا معرفة معنى الحديث الآحاد بعد الوقوف على معنى الحديث المتواتر، فالآحاد لغة هو الفرد، واصطلاحًا هو حديث رواه واحد أو اثنان أو أكثر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ولم يبلغ درجة التواتر،[١٣] ولحديث الآحاد ثلاثة أقسام:

  • القسم الأوّل وهو المشهور: فهو الحديث الذي رواه ثلاثة أو أكثر ولم يبلغ رتبة التواتر، ومن أمثلة هذا القسم حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يرويه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أحد عبادلة الإسلام الأربعة ويقول فيه: "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللهُ عنْه".[١٤]
  • والقسم الثاني وهو العزيز: وهو الحديث الذي رواه اثنان، ومن أمثلة ذلك حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يرويه عنه الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- الذي يقول فيه: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ".[١٥]
  • والقسم الثالث وهو الغريب: وهو الذي رواه واحد فقط، ومن أمثلة ذلك حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يرويه أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- ويقول فيه: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ".[١٦]

ومن هنا يتبيّن أنّ الفرق بين الحديث المتواتر والآحاد يكمن في عدّة أمور منها أنّ الحديث النبوي متواتر وآحاد، وكلّ ما هو ليس بمتواتر فهو آحاد، وكذلك الفرق الأهمّ بينهما هو أنّ الحديث المتواتر صحيح قطعًا، وأمّا الآحاد فمنه الصحيح والحسن والضعيف والمُنكر وغير ذلك، فلا يؤخذ بحديث الآحاد ما لم يكن صحيحًا، فإذا صحّ حديث الآحاد أُخِذَ به في الفقه والعقيدة وغير ذلك، وفي ذلك يقول الإمام ابن حجر -بعد أن فصّل في أنواع الحديث المتواتر والآحاد ةهي أربعة مراتب- ما نصّه: "وَكُلُّها -سِوَى الأوَّلِ- آحَادٌ، وفيها الْمَقْبُولُ والْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الاسْتدْلالِ بها عَلى البَحْث عنْ أَحْوالِ رُوَاتِها -دُونَ الأوَّل- وَقَدْ يَقَع فيها مَا يُفيدُ العِلمَ النَّظَرِيَّ بالقرائنِ على الْمُخْتَار"، ويعني بالنوع الأوّل المتواتر؛ فالحديث عنده أربعة أقسام هي: المتواتر والمشهور والعزيز والغريب، والله -تعالى- هو أعلى وأعلم.[١٧]

المراجع

  1. "تعريف الحديث القدسي والنبوي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:2577، حديث صحيح.
  3. "الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  4. "تعريف ومعنى الحديث المتواتر في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  5. "معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:12800، حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  7. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم:680، أخرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم:1037، حديث صحيح.
  9. "أقسام الحديث المتواتر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  10. "الحديث المتواتر.. شروطه وأنواعه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  11. "ما هي شروط الحديث المتواتر"، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  12. "ما الدليل على حجية الخبر المتواتر؟ وهل كل ما في الصحيحين متواتر؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  13. "الميسر المختصر في بيان الحديث المتواتر والآحاد عند المحدثين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:6484، حديث صحيح.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:15، حديث صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1، حديث صحيح.
  17. "ما هو خبر الآحاد؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.
4463 مشاهدة
للأعلى للسفل
×