العبودية
يُعدّ مفهوم العبوديّة من أهمّ المفاهيم التي تحتاج إلى البحث المُستمرّ والتّدقيق؛ لأنّه من المفاهيم المُتداخلة والمُشتملة على معاني عديدة، فمثلاً استمرّ مفهوم العبوديّة لفتراتٍ طويلة يحمل معنىً قاسيًا، حيث كان يقضي بجواز تملُّك الشّخص لأخيه واستعباده والتّحكم به وفرض الآراء عليه، ممّا يبقى العبد تحت حوزة مالكه إلى حين إعتاقه أو موته، وبهذا المفهوم عرَفَت جميع النّاس والحضارات أساس العبوديّة ومفهومه، فقد كان مُنتشرًا جدًّا من عدّة نواحي؛ كالاقتصاديّة والاجتماعيّة والعسكريّة، ومثال على النّاحية الاقتصاديّة: كان المالك يجعل عبده بضاعة تُباع وتُشترى، وهذا بالنّسبة لمفهوم العبوديّة العامّ والسّائد في الحضارات والأمم السّابقة، وفي هذا المقال ستتمّ الإجابة عن مفهوم العبوديّة بالمعنى الأخصّ[١]
ما مفهوم العبودية
وبعد أن تمّت الإجابة عن مفهوم العبوديّة بالمعنى العامّ، لا بُدّ من الإجابة عليه بشكل خاصّ، فمن الجدير بالذّكر أنّ مفهوم العبوديّة وحقيقته لله وحده، بفعل الطّاعات واجتناب المُحرّمات، والخوف منه وطلب الرّجاء والتّذلُّل إليْه بالدّعاء والصّلاة والزّكاة وغيرها من العبادات، فالعبوديّة اسم عامُّ وشاملٌ لكلّ فعل أو قول يُحبّه الله -تعالى- سواء بالظّاهر أو الباطن، لذلك لفظ العبوديّة مأخوذٌ من العبادات؛ أيْ الالتزام بأوامر الله، ومن هُنا جاءَت حقيقة العبوديّة من خلال استحضار القلب بالخضوع له، والذّكر الحَسَن والتّوكُّل عليه في كافّة الأعمال والأقوال وفي سائر مجالات الحياة، لذلك على العبد أنْ يُلازم الاستغفار وتجديد التّوبة والحمد والشُّكر ليتحقّق مفهوم العبوديّة الصّحيح.[٢]
أنواع العبودية
وللإجابة عن مفهوم العبوديّة على أكمل وجه، من الجدير بالذّكر أنّ لفظ العبوديّة مأخوذ من التَّعبيد؛ أيْ السّهولة والتّذلُّل، ويدخل في ذلك جميع مخلوقات الله -تعالى- في الكون، العاقل وغير العاقل والثّابت والمُتحرّك والمؤمن والكافر وهذا بالنّسبة للمعنى العام، أمّا بالنّسبة للمَعنى الخاصّ؛ فالمُراد منه الانقياد لله وحده، ومن هُنا جاء نوعيْن من أنواع العبوديّة، وفيما يأتي تفصيل ذلك:[٣]
- العبوديّة الخاصّة: وهي الخاصّة بالعبد المؤمن، وتظهر من خلال الخضوع والتّذلُّل لله وحده؛ لأنّ الله -تعالى- يرفع مقام العبد ويتشرَّف به، والدّليل على ذلك قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.[٤]
- العبوديّة العامّة: وهي أن تشتمل على جميع المخلوقات، إذ أنّهم كلُّهم عبيد يحتكمون لله تعالى، ويُنفّذون أوامره وأحكامه، فهم لا يملكون لأنفسهم الضرّ والنّفع، فإن لم يخضع الإنسان لله باختياره فهو عبدٌ له جبرًا، والدّليل على ذلك أنّ الرّسول -عليه السّلام- وهو نبيّ الأمّة تحقّقت عنده العبوديّة.
علاج الإسلام لمفهوم العبودية القاسية
العبوديّة القاسية هي الرّق، وكما تمّ الذّكر آنفًا أنّ العصور والحضارات قد مرَّت بفترات طويلة من الظُّلم والاستعباد، لكن جاء الإسلام وعالج هذه القضيّة وحدّ منها كوْنها خالفت مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، لذلك جاء وشجّع على إعتاق الرّقبة انسجامًا مع مبدأ العدل والمُساواة، فلا فرق بين عربيّ أو أعجميّ إلاّ بالتّقوى، كما أنّ الإسلام جعَلَ الإعتاق كفّارة للذّنوب وإسقاط لها والدّليل على ذلك قول النّبيّ عليه السّلام: "مَن أعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، أعْتَقَ اللَّهُ بكُلِّ عُضْوٍ منه عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حتَّى فَرْجَهُ بفَرْجِهِ".[٥][٦]
المراجع
- ↑ "رقّ"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 16-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "حقيقة العبودية لله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.
- ↑ "أقسام العبودية"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 63.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6715، صحيح.
- ↑ "حرية النفس وعتق العبيد"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-01-2020. بتصرّف.