ما نصيب النساء في الجنة

كتابة:
ما نصيب النساء في الجنة

نصيب النساء في الجنة

لا يقتصر نعيم الجنَّة على جنسٍ دون آخر، بل إنَّه يشمل كلاًّ من النِّساء والرِّجال على حدٍ سواء، كما أنّ الأساور واللّآلئ والحرير من النّعيم للنّساء في الجنة،[١] ويتنوَّع نصيب النِّساء من النَّعيم في الجنَّة بحسب حالاتهنَّ؛ فإن ماتت المرأة عزباء قبل أن تتزوَّج، أو في حال كانت المرأة مطلَّقة، أو متزوِّجة ولكن لم يدخل زوجها الجنَّة؛ فيكون من النَّعيم الذي يُقدِّره الله -سبحانه وتعالى- لهُنَّ في الجنَّة الزَّواج من رجلٍ من أهل الدُّنيا، وذلك لقول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (ما في الجَنَّةِ أَعْزَبُ)،[٢] وأمَّا المرأة التي تموت بعد زواجها، فتكون في الجنَّة مع زوجها الذي تُوفِّيت عنه، والمرأة التي تُوفِّي عنها زوجها في الدُّنيا وبقيت بعده بلا زواج، فتكون أيضاً في الجنَّة مع زوجها الذي تُوفِّي عنها، وأمَّا إن تزوَّجت بعده في الدُّنيا، فعندها تكون مع زوجها الأخير لا الأول، لقول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (المرأةُ لآخرِ أزواجِها).[٣][٤]


ومن النَّعيم الذي يُصيب جميع النِّساء مهما تعدَّدت أحوالُهنَّ؛ إعادة الشَّباب والبِكارة لهُنَّ، لقول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- للعجوز التي طلبت منه أن يدعو لها بالجنَّة، فقال لها: (يا أمَّ فلانٍ، إنَّ الجنةَ لا تدخلُها عجوزٌ، قال: فولَّت تبكي. فقال: أَخبِروها أنَّها لا تدخلُها وهي عجوزٌ، إنَّ اللهَ تعالَى يقول: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا)،[٥] وورد كذلك في بعض الآثار أنَّ نساء أهل الدُّنيا يُعطَيْنَ من الجمال أضعاف ما تُعطى الحور العين في الجنَّة، وذلك بسبب عبادَتِهنَّ لله -سبحانه وتعالى- في الدنيا، كما أنَّ الجنَّة تتزيَّن للنِّساء كما تتزيَّن للرِّجال، وهذا من عدل الله -سبحانه وتعالى-.[٤] كما تُعطى النِّساء في الجنَّة الطَّهارة الدَّائمة من الحيض والنَّفاس، بالإضافة إلى الطَّهارة من البول، والغائط، والقذر، والأذى، لقوله -تعالى-: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).[٦][٧]


والزَّوجة الصالحة فإنَّها تَدخل مع زوجها إلى الجنَّة، لقوله -تعالى-: (جَنّاتُ عَدنٍ يَدخُلونَها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِّيّاتِهِم)،[٨][٩] وعندها تتحلَّى الزَّوجة بصفاتٍ جديدةٍ لم تكن لها في الدَّنيا؛ من مثل البِكارة الدَّائمة، والشَّباب الدَّائم، والفصاحة التي تُمكِّنها من التَّعبير عن حُبِّها لزوجها، كما تَتنعَّم بالرِّضى من الله -سبحانه وتعالى- وبسلام الملائكة عليها.[١٠] وبهذا تكون نساء أهل الدنيا في الجنَّة في المنزلة العليا والرئيسة، ومن ثمَّ تتلوهنّ حور العين كوصيفات لهنَّ.[١١]


سيدات نساء الجنة

نساء أهل الدُّنيا في الجنَّة لَسْنَ على مرتبةٍ واحدةٍ في الفضل والحُسن والنَّعيم، بل إنَّهنَّ يتفاضلن بحسب أعمالهنَّ في الدُّنيا، وبحسب رضا الله -سبحانه وتعالى- عليهنَّ، وأفضل نساء الجنَّة وسيِّداتُها هنَّ:[١٢][١٣]

  • السَّيدة مريم ابنة عمران: وهي السَّيدة التي اصطفاها الله وفضَّلها على النِّساء، وقد ورد فضلها وعُلوِّ منزلتها في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)،[١٤] وفي آيةٍ أخرى بيّن الله -سبحانه وتعالى- فيها قبوله لها، قال -سبحانه-: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا)،[١٥] وفي حديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (خَيْرُ نِسائِها مَرْيَمُ، وخَيْرُ نِسائِها خَدِيجَةُ).[١٦]
  • السَّيدة خديجة بنت خويلد: والتي تُعدُّ أوَّل من آمن بالنَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- من النِّساء من غير حيرةٍ ولا تردُّد، بالإضافة إلى دورها الدَّاعم للرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- طيلة فترة حياتها، وقد بُشِّرت بالجزاء الصَّالح لها عمَّا قدَّمت وبذلت، وضحَّت في قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (بَشِّرُوا خَدِيجَةَ ببَيْتٍ مِنَ الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ).[١٧]
  • السَّيدة آسية إمرأة فرعون: وسبب تفضيلها وعُلوِّ منزلتها ما أقدمت عليه من تضحيةٍ كبيرةٍ في الحياة الدُّنيا، وتنازُلٍ عن المُلك والحُكم فيها، والتَّضحية بنفسها في سبيل الحقِّ بعد أن عذَّبها زوجها فرعون بسبب إيمانها، فما كان منها إلّا الثَّبات والصَّبر حتى أسلمت روحها إلى خالقها، وقد ذُكرت قصَّة آسية في قوله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).[١٨]
  • السَّيدة فاطمة بنت محمدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: وهي التي عُرفت بالصَّبر، والتَّقوى، والورع، وقد تمَّ ذكرها مع بقيَّة النَّساء الفُضليات في حديث النَّبي -صلََّّى الله عليه وسلم-: (أفضلُ نساءِ أهلِ الجنّةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، و فاطمةُ بنتُ محمدٍ، و مريمُ بنتُ عمرانَ، و آسيةُ بنتُ مزاحمٍ، امرأةُ فرعونَ).[١٩][٢٠]


نسبة النساء إلى الرجال في الجنة بالعدد

تعدّدت أقوال الرِّجال والنِّساء في عهد الصَّحابة الكرام حول هذا الموضوع، و سبب تعدّد آرائهم فيما إذا كان عدد الرِّجال في الجنَّة أكثر أم عدد النِّساء، وعندما وَجَّهوا هذا السؤال إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أجاب أنَّ عدد النِّساء في الجنَّة أكثر من عدد الرِّجال، وكانت حُجَّته في ذلك قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّتي تَلِيهَا علَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِما مِن وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَما في الجَنَّةِ أَعْزَبُ).[٢][٢١]


وقال البعض إنَّ الرِّجال أكثر، واحتجّوا بقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (يا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ)،[٢٢] ويُرَدُّ على ذلك بأنَّه لا يوجد تلازمٌ بين أقلِّ عدد في الجنَّة وأكثر عددٍ في النِّار؛ أي إنَّ وجود عددٍ أكبر للنِّساء في النَّار لا يَستوجب بالضَّرورة أن يَكنَّ أقلَّ عدداً في الجنَّة، فهُما أمران مُنفكّان ليس بينهما تلازم، وبهذا قال ابن حجر العسقلاني، ومن خلال الجمع بين الحديثين السَّابقين يَتبيَّن أنَّ النِّساء أكثر عدداً من الرِّجال في كلٍّ من الجنَّة والنَّار.[٢١]


وقال بعضهم إنَّ الجمع بين الحديثين يدلُّ على أنَّ أكثر أهل الجنَّة من النِّساء بسبب احتساب الحُور العين معَهن، إذ إنَّ الرِّجال في الجنَّة يُعطون حُوريّتين لكلٍّ واحدٍ منهم، بالإضافة إلى أهله من نساء الدُّنيا، فبهذا يكون جنس النِّساء أكثرَ عدداً في الجنِِّة بشكلٍ عام، أمَّا بالنِّسبة لنساء أهل الدُّنيا فيها فيكُنَّ أقلُّ عدداً من الرِّجال.[٢٣][٢٤] وأمَّا القُرطبي فقد وفَّق بين الحديثين السَّابقين بقوله: إنَّ النِّساء يكُنَّ أكثر أهل النَّار قبل حدوث الشَّفاعة، ولكن بعد أن يَشفع الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأمَّته لا يبقى أحدٌ من العُصاة المُوحِّدين في النَّار، وبذلك تكون النِّساء أكثرَ أهل الجنَّة.[٢١][٢٥]


المراجع

  1. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، الاردن: دار الفكر العربي، صفحة 4965، جزء 9. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن محمد بن سيرين، الصفحة أو الرقم: 2834، صحيح.
  3. رواه الألباني، صحيح الجامع، عن عائشة وأبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 6691، صحيح.
  4. ^ أ ب سليمان الخراشي، أحوال النساء في الجنة، صفحة 2. بتصرّف.
  5. رواه الحسن البصري، الألباني، مختصر الشمائل، الصفحة أو الرقم: 205، حسن.
  6. سورة آل عمران، آية: 15.
  7. محمد التويجري، محمد إبراهيم، موسوعة فقه القلوب، لبنان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 3567، جزء 4. بتصرّف.
  8. سورة الرعد، آية: 23.
  9. عمر الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الاردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 245-246. بتصرّف.
  10. محمود غريب (1988)، سورة الواقعة ومنهجها في العقائد، مصر: دار التراث العربي، صفحة 60. بتصرّف.
  11. محمد عبدالغفار، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، صفحة 15، جزء 54. بتصرّف.
  12. عمر الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الاردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 210-212. بتصرّف.
  13. زين الدين المناوي (1356)، فيض القدير (الطبعة الاولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبري، صفحة 124، جزء 4.
  14. سورة آل عمران، آية: 42.
  15. سورة آل عمران، آية: 37.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 3815، صحيح.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم: 1791، صحيح.
  18. سورة التحريم، آية: 11.
  19. رواه الالباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1135، صحيح.
  20. أحمد بن حنبل (2009)، الجامع لعلوم الإمام أحمد-العقيدة (الطبعة الاولى)، مصر: دار الفلاح للبحث العلمي، صفحة 492، جزء 4. بتصرّف.
  21. ^ أ ب ت عمر الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الاردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 195-196. بتصرّف.
  22. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1462، صحيح.
  23. شمس الدين السفيري (2004)، شرح البخاري للسفيري (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 35، جزء 2. بتصرّف.
  24. صالح المغامسي، القطوف الدانية، صفحة 32. بتصرّف.
  25. ابن رجب الحنبلي (1988)، التخويف من النار والتعريف بدار البوار، سوريا: دار البيان، صفحة 268. بتصرّف.
4590 مشاهدة
للأعلى للسفل
×